في الوقت الذي لا تتميز هذه الدورة الجديدة من مهرجان كارلوفي فاري بحضور ذي معنى للسينما الأميركية، يلفت النظر ذلك التكريم الثلاثي الذي أعلن عنه ويتم خلال المهرجان، وذلك بالتحديد لأنه يطاول ثلاثة من السينمائيين البارزين الأميركيين، والذين يمكن النظر الى واحد منهم على الأقل بوصفه واحداً من كبار النجوم الذين عبروا العقود والسنين من دون أن يتضاءل شبابهم. ونعني بهذا الممثل والراقص المبدع جون ترافولتا. وترافولتا هو الممثل الوحيد بين المكرمين، فإلى جانبه هناك المخرج المخضرم جيري شاتسبرغ الذي عرف في السبعينات على نطاق واسع بكونه واحداً من طليعيي السينما المتمردة ولا سيما من خلال فيلميه «صورة لطفلة ساقطة» و «الفزاعة»... ثم هناك بخاصة المخرج أوليفر ستون صاحب الأفلام السياسية وغير السياسية الأكثر تمرداً في السينما الأميركية السائدة. لا يمكن ان يقال عن ترافولتا انه ممثل مشاكس او متمرد بالمعنى الذي قد نقصده حين الحديث عن المكرَّمين الآخرين... ولكنه في الوقت نفسه عرف كيف يكون مشاكساً على الزمن وعلى تلك القاعدة السائدة في عالم النجوم، والتي تجعل للنجم ومهما على شأنه وتضخم عدد معجبيه، عمراً افتراضياً واحداً تندثر قيمته من بعده ليصبح إما جزءاً من الأسطورة أو جزءاً من التاريخ مركوناً في إحدى زواياه. ولافت أن هذه القاعدة لم تسر على جون ترافولتا الذي بعدما برز في أواخر سنوات السبعين من القرن العشرين في عدد من الأفلام التي حطمت الأرقام القياسية بتدافع الشبان لمشاهدتها مازجة الرقص والغناء فيها بالحكايات العاطرة، مثل «حمّى ليلة السبت» و «تشحيم»، غاب عن الساحة بعد ذلك بشكل شبه تام الى درجة قال معها كثر انه انتهى تماماً. وبدا – إنطلاقاً من ذلك – انهم كانوا على حق أولئك الذين منذ البداية اعتبروه «شكلاً» لا مضموناً ورأوا في تمثيله ورقصه خفةً، ولا سيما منهم الذين رأوا في أفلامه نوعاً من رد الفعل «الرجعي» على سينما أميركية كانت بدأت تمعن في ذلك الحين في التصدي للقضايا الإجتماعية والسياسية... واعتبروها دعوة للشبيبة كي تتلهى عن الإهتمام بالقضايا العامة بل الخطيرة التي كانت مطروحة في أميركا بخاصة حينها. لسنوات، بدا هذا الحكم صحيحاً واختفى اسم ترافولتا تماماً... ولكن فجأة، ما إن اطلت سنوات التسعين من القرن العشرين حتى فوجئ الجمهور وأهل السينما بترافولتا يطل من جديد، ليس كراقص متمايل بجسمه الرشيق وحركاته المعبرة عن الأداء الجنسي «المبتذل» في رأي البعض، هذه المرة، وإنما كممثل حقيقي. ولسس في أية أفلام وليس تحت إدارة اي كان... فالشاب الذي كان ثلاثينياً في بداياته «التجارية» المتألقة عاد – في واحدة من أكثر «العودات» إثارة للدهشة والتساؤل في تاريخ عالم النجوم -، خمسينياً واثقاً من قدراته الفنية ومن تعابير وجهه ومن تماشيه مع شتى انواع الأدوار التي أعطاه إياها مخرجون كبار مثل كونتن تارانتينو («بولب فيكشن»)، ومايكل مان («فيس/أوف») وجون وو («السهم المكسور») ونورا إيفرون («ميكائيل») ثم مايك نيكولز في «ألوان أولية» قبل ان تكرّ السبحة وصولا الى كوستا غافراس («المدينة المجنونة»)، بحيث لم يعد مجال لمتابعة اللائحة بعد بات ترافولتا من القيم الراسخة في سينما لم تبخل عليه بالأدوار الجيدة اللافتة سواء أكان هذا في أفلام ضخمة الإنتاج من النوع الرائج شعبياً أو في أفلام «مؤلفين» تتطلب قمة في الحضور التمثيلي، أو حتى في أفلام من نوع خاص جداً سيقال انه إنما شارك فيها انطلاقاً من قناعات أيديولوجية دينية تتعلق بانتمائه الى طائفة «العلميين» - ساينتولوجيين-، بيد ان هذه حكاية أخرى. ومهما يكن من أمر فإن ترافولتا راح يبدي في كل الحالات تميزاً، ويستقطب جمهوراً واسعاً حتى وإن ظلت الجوائز الكبرى – مثل «الأوسكار» و«الغولدن غلوب» وبقية «السعف» الذهبية – عصية عليه، على رغم ترشّحه لها مرات ومرات... إذاً هذا هو جون ترافولتا «الجديد» الذي يكرّم اليوم في المدينة التشيخية التي تعيش منذ اليوم عيداً سينمائياً حقيقياً... وهو يكرّم كما اشرنا الى جانب شاتسبرغ ولكن ايضاً الى جانب ستون الذي عمل معه قبل عام في واحد من آخر أفلام هذا الأخير «وحوش». اما الفيلم الذي يعرض في كارلوفي فاري من تمثيل ترافولتا لمناسبة التكريم فهو أخيره «موسم القتل» الذي حققه مارك ستيفن جونسون، ويشارك ترافولتا في بطولته عملاق آخر من جيله هو روبرت دين نيرو.