على رغم مرور أعوام على ولادة البرامج الصباحية في الفضائيات العربية، إلا أنها في وقت تقترب من سن الرشد لا تزال «غير ناضجة»، في ظل ما يحاصرها من انتقادات تتمثّل في كونها رتيبة ومكرّرة من حيث المحتوى، وأنها لا تعدو كونها مجرّد «ملء» فراغ الفترة الصباحية التي يُعرف أنها لا تحظى بالمشاهدة العالية. وتعدّ البرامج الصباحية عرفاً قديماً ظهر في القنوات الأجنبية، ثم ما لبث أن امتد إلى القنوات العربية، سواء الحكومية أو الخاصة منذ أعوام. وتهتم مجموعة من الفضائيات بتغذية الفترة الصباحية بصورةٍ لا تحمل الكثير من الجديّة، إذ تظهر تلك البرامج التي تبدأ مسمياتها عادةً ب «صباح الخير» لتقف عند مختلف المجالات، ومناقشتها في شكل مبسّط مع ضيوف متخصصين أو حتى غير متخصصين أحياناً، إضافة إلى تقديم فقرات أخرى متنوعة. في برنامج «صباح العربية» يسعى فريق الإعداد إلى تقديم مواد إخبارية ومنوّعة تكون أقل حدة مما يكون حاضراً في الساعات المتبقية من اليوم على القناة ذاتها. وتؤكد رئيسة تحرير البرنامج راغدة معلولي، أن إضفاء لمسة مختلفة في قناة تتخصص بالشأن الإخباري يشكّل أمراً مهماً، فيما تسعى إلى تجديد فقرات البرنامج كل بضعة أشهر، ولكن بطريقة هادئة وسلسلة. وتعترف أن البرنامج في مواضيعه مشابه لعدد من البرامج الصباحية الأخرى، لكنّ ما يميّزه هو قالبه الجاد الذي لا يبتعد عن روح المحطة الإخبارية التي يتبع إليها، كما أنه يستهدف جمهوراً يختلف عن جمهور القنوات العائلية، معتبرة أن «صباح العربية» وصل إلى مختلف الفئات من مجتمعات عدة. وتقول ل «الحياة»: «البرامج الصباحية يجب أن تكون بمثابة تحيّة لطيفة للمشاهدين، تتضمّن إعطاء نظرة شاملة ومفيدة في تخصصات مختلفة، وأظن أن «صباح العربية» يحقق ذلك، فنحن نحرص على أخذ آراء الاختصاصيين الإعلاميين في أسلوب البرنامج عموماً، بل حتى في نوعية الضيوف»، في حين تعتبر معلولي بأن مذيعي البرامج الصباحية تقع عليهم مسؤوليات كبرى. المذيع في برنامج «صباح السعودية» عبر القناة السعودية الأولى خالد أبو شيبة، يجد أن استمرار البرامج الصباحية منذ أعوام طويلة يعكس أهميتها الإعلامية والإعلانية، معتبراً أن متابعيها يزيدون وينقصون بحسب الطرح والتنوّع والقالب الذي تقدم من خلاله فقراتها القصيرة والسريعة. ولا يخفي أن التشابه حاضر في الشكل بين كثير من هذه البرامج، لكن التحدي في رأيه يكمن في كسر التقليد والرتابة، وجعل المشاهد صديقاً يومياً لها. ولا يرى «مجازفة» في تقديمها بحجة ضعف المتابعة مقارنة بالبرامج المسائية، ويضيف: «مذيع البرنامج الصباحي مطالب بالاطلاع الواسع وسلاسة الطرح والتفاعل مع كل فقرة وفق موضوعها، وهنا يبرز دور شخصية هذا المذيع، خصوصاً أن بعض البرامج الصباحية يرتبط لدى الجمهور بمذيعيه». فيما تجد المراسلة في برنامج «صباح الخير يا بلادي» على قناة «سما دبي» رشا رمضان، أن البرامج الصباحية لها مكانتها لدى الجمهور، وأن عليها تلبية حاجاتهم من المعرفة والفائدة في ساعات الصباح الأولى. وتضيف: «الجمهور يُقبل على كل ما يلبّي حاجاته، ونحن في البرنامج نحرص على توفير مادة إعلامية متنوعة في قالب خفيف، فنقدّم الأخبار المحلية وفقرات الفن والرياضة والصحة وغيرها، فجمهور الصباح لا تقل نسبته عن جمهور المساء، إذ هناك الموظفون بدوام غير كامل وربات البيوت والمتقاعدون، كما أن إطلالة المذيع الصباحية أقوى من المسائية لأنه يضع في الاعتبار جذب انتباه المشاهد، لذا يجب أن تكون إمكاناته ذات خصوصية، مثل التناول الممتع للمواضيع والشخصية المرنة والعفوية». وترفض المنتج المنفّذ لبرنامج «صباح الخير يا عرب» عبر قناة «أم بي سي» ديما طايع، اعتبار طريقة برنامجها مكرّرة، إذ تجد أن طرح الموضوع أكثر من مرّة يعكس أهميته مع مراعاة طرحه من زاويا مختلفة، وتؤكد أن الأساس في البرنامج متابعة التطورات على كل الأصعدة سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وتقديمها بطريقة جاذبة. وتقول: «فريق الإعداد يحرص على رصد الاتجاهات الجديدة، إضافة إلى مراسلينا المنتشرين في أبرز المدن والعواصم العربية والعالمية، وذلك سعياً إلى تقديم محتوى شامل يميّزنا عن غيرنا من البرامج، وتحقيق المعادلة الصعبة التي تكمن في تقديم الأخبار والمستجدات والتسلية والفائدة بطريقة تراعي طبيعة مشاهدينا، والحفاظ في الوقت ذاته على طبيعة البرنامج الذي يتناول عدداً من المجالات ضمن فقرات لا تتجاوز كل منها 10 دقائق. وهذا ما نجحنا في تقديمه، فالمحتوى المناسب في الفترة الصباحية أمر ليس بالسهل». وعن رؤيتها للجمهور المستهدف من البرنامج، ترى أن توقيت العرض يفترض أن معظم المشاهدين هم من النساء وربات البيوت. تحضير ضعيف ومذيعون مغمورون يعتبر أستاذ الإعلام المشارك في جامعة الملك سعود فهد الطياش، أن البرامج الصباحية العربية أفضل البدائل «المملّة» للمشاهد العربي، وأن جزءاً منها يكون ضمن إطار المشاهدة الهامشية، ويصفها ب «الضعيفة» في صناعة المحتوى، ويقول: «هذه البرامج لا تُغني ولا تُسمن من جوع معرفي، ما عدا الترفيه الرديء». ويضيف: «تعتبر البرامج الصباحية تقليداً غربياً، وتحديداً أميركياً، وفي تلك المجتمعات تقدم هذه البرامج معلومات حول الشأن العام والطقس وحال الطرق وغيرها من المعلومات الخدماتية قبل الخروج إلى العمل، وبعد فترة التهيئة اليومية تتحول إلى تقديم فقرات لمن سيبقى في المنزل مثل ربات البيوت، بالتالي فإن الجزء الثاني من هذه البرامج يتحول إلى ما يمكن تسميته بالمشاهدة الهامشية، بمعنى أن المشاهدة تتم أثناء الانشغال بأعمال المنزل، وعربياً يتم ملء الفراغ الصباحي ببرامج غير مكلفة إنتاجياً، تقدّم ترفيهاً رديئاً، ومن يلجأ إلى مشاهدتها لا يوجد لديه بديل آخر». ويرى أن الصناعة التلفزيونية العربية لا تزال ضعيفة من حيث المحتوى والاستثمار فيه، مشدداً على أن بعض القنوات لا تحترم الجمهور. ويقول: «مشاهير المذيعين مثل أوبرا وينفري كانوا من مقدمي البرامج الصباحية في بداياتهم، فكان الاستثمار في المتميزين مبكراً نتيجة التنافس بين الشبكات التلفزيونية الأميركية، أما في عالمنا العربي فنستثمر في المغمور على أمل أن يجلب الجماهير، وهذا ببساطة شديدة رهان خاسر، ففاقد الشيء لا يعطيه». ويجد أن التميّز البرامجي يكون في مستوى الخدمة، ما يتطلّب التعرّف إلى رغبات الجمهور عبر البحث العلمي المستمر، وليس البحث التجاري الذي تقوم به الشركات، منوّهاً بأن في حال استغلال الفترة الصباحية خدماتياً يمكن أن يصبح لدى القناة قاعدة لبناء البرامج للفترات الميتة إعلانياً بدلاً من اللجوء في كثير من الحالات إلى بثّ برامج ضعيفة جماهيرياً وإعلانياً، تدفع إلى عرض إعلانات الذروة كمجاملة لبعض الرعاة.