خالد مشعل، في كتابه الصادر عن المكتب الإعلامي لحركة حماس بعنوان «جولة في الفكر السياسي لحركة حماس»، يلقي الضوء على المفاهيم الفكرية والسياسية والأيديولوجية للحركة وما يتبعها من الممارسة العملية، من خلال السلطة التي تتولاها في قسم من الأراضي الفلسطينية المعروفة بقطاع غزة، مما يسمح بالحكم على مدى دقة الآراء والأحكام التي يطلقها قائد الحركة. يتناول في كتابه بصورة سريعة عدداً من الموضوعات تغطي الميادين التي ترى الحركة أنها تمثل واقعها الراهن. لا يخفى أن رئيس الحركة يقدم صورة «وردية» عن تنظيمه، فكراً وممارسة، ليس من الصعب رؤية المفارقة بين الكثير مما هو مطروح في الكتاب غير المتوافق مع الممارسة في المنطقة التي تحكمها الحركة، والتي تصل أحياناً حد التناقض. تتناول عناوين الكتاب المسائل الآتية: مقاومة أم تحرير، معادلة التحرير، موقف الأمة وحالة التفكك القطري العربي، التناقضات الطائفية والعرقية، العلاقة مع الحركة الإسلامية، التفاوض مع العدو، الاعتراف بشرعية الاحتلال، الهدنة الطويلة الأمد، حماس واليهود، العلاقات الدولية، الاصطفافات والمحاور، حماس والمسيحيون، حماس والمرأة، منظمة التحرير، تجربة السلطة، بين الثوابت والمرونة، نموذج المقاومة، مستقبل المنطقة، مستقبل المشروع الصهيوني. إذا كان متعذراً نقاش كل القضايا التي طرحها مشعل، وهي جميعها تحمل الجدل، فإن التوقف عند بعض القضايا الأساسية تعطي فكرة عن المفارقة بين النظرية والتطبيق في فكر الحركة. في أطروحة «معادلة التحرير»، ينتقد مشعل مقولة «استقلالية القرار الفلسطيني، أو فلسطنة الصراع»، معللاً هذا التوجه بالتخلي عن الخيار العسكري، حيث يرى أن هذا التحول كانت له انعكاساته الخطيرة على القضية الفلسطينية. يتجاهل مشعل أن إحدى معضلات الثورة الفلسطينية كانت ولا تزال في سعي بعض الأنظمة العربية للهيمنة على القرار الفلسطيني، وان مسألة النضال لاستقلالية هذا القرار كانت الأساس في إعادة بلورة الشخصية الفلسطينية. ومن موقع هذه الاستقلالية خاضت الحركة الوطنية الفلسطينية صراعها المديد ضد أعداء مشتركين، من الكيان الصهيوني، إلى أنظمة عربية لم تكن أقل عداء ضد الشعب الفلسطيني من الحركة الصهيونية. تشكل قضية «التفاوض مع العدو» والاعتراف بشرعية الاحتلال موضوعاً أساسياً في حركة حماس وممارستها. يقول إن «التفاوض في الحالة الفلسطينية خارج عن سياقاته الموضوعية، وبالمنطق السياسي المجرد هو يفتقر إلى المقاومة، ولا يستند إلى أوراق القوة اللازمة.. في الحالة الفلسطينية نقول إن التفاوض اليوم مع إسرائيل خيار خاطئ». يقدم مشعل نظرة مجردة ومبدئية، مغيباً الواقع الفلسطيني، وطبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وحدود الصراع المسلح الذي استنفد مداه بعد انسداد قنوات الثورة من الخارج، وانعدام موازين القوى العسكرية، والأهم حاجة الشعب الفلسطيني إلى ترجمة نضاله في مكاسب حدها الأدنى الوصول إلى دولة فلسطينية في حدود أراضي العام 1967. إذا كانت إسرائيل متعنتة في رفضها إعطاء هذه الحقوق، فلا يعني ذلك التخلي عن السعي إلى تحقيقها بكل الوسائل الممكنة. في هذا المجال، كان موقف حركة حماس أقرب إلى المزايدة اللفظية، وليس صحيحاً أن الحركة كانت مقفلة على أي تفاوض مع العدو، خصوصاً بعد أن استولت على السلطة في غزة، وسعت إلى «الهدنة الطويلة الأمد». يتناول مشعل الحال الراهنة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فيرى أن «الشعب الفلسطيني اليوم محروم من وجود مرجعية شرعية وحقيقية له، تمثل بصدق قواه وفصائله وشخصياته ووجوده الواسع الممتد في الداخل والخارج، وتعكس تطلعاته وحقوقه وثوابته ومصالحه الحقيقية». وعلى رغم الإقرار بأهمية تاريخية المنظمة وإنجازاتها، إلا أنه يكيل لها ولقياداتها السلبيات التي تبرر عدم انضمام حركة حماس إلى المنظمة. تحتاج تبريرات مشعل إلى نقاش يتصل مباشرة بموضوع المصالحة الفلسطينية والوحدة الفلسطينية. لا شك في أن جميع الفصائل تتحمل مسؤولية في التشرذم، لكن ما لا يعترف به مشعل أن حركة حماس مسؤولة بشكل رئيس عن هذا التشرذم ومنع الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام. لعل السبب في ذلك أن حركة حماس كانت لفترة مديدة، والى ما قبل أشهر فقط، أسيرة القرار الإيراني والسوري، والذي كان ولا يزال هادفاً إلى الهيمنة على القرار الفلسطيني، وإلى منع الوحدة، وكانت حركة حماس الأداة المانعة للوحدة وإنهاء الانقسام. لعل القسم الذي يتناول فيه مشعل «تجربة السلطة» هو الأكثر مفارقة بين النص والحقيقة. يبرر مشعل انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية بأنها باتت «تنوب عن الاحتلال في مهامه الأمنية في قمع المقاومة وملاحقة كوادرها، وبالتالي أصبحت تمثل خطراً حقيقياً ومتعاظماً على مشروع المقاومة.. هذه السلطة بفسادها المتسارع والاستثنائي أصبحت عبئاً على الشعب الفلسطيني، فكان من الطبيعي والواجب أن نبادر إلى محاربة هذا الفساد والعمل على تعزيز عوامل الصمود الفلسطيني.. بعد رحيل عرفات جاءت قيادة فلسطينية ترفض الانتفاضة والمقاومة من حيث المبدأ وتلغي الخيار العسكري..». نفذت حركة حماس انقلابها من أجل هدف وحيد هو بناء دويلتها الخاصة التي باتت بالنسبة لها تختزل كل القضية الفلسطينية، ولم يكن الانقلاب بعيداً من أهداف عربية وإقليمية متواطئة ضد القضية الفلسطينية. أما عن الأسباب التي اعتمدتها حركة حماس، والتي اعتبرت انقلابها هو لتصحيح المسار ومنع الفساد، فإن تجربة الحكم أظهرت أننا أمام سلطة تتجاوز بسلبياتها وتسلطها وتفردها وفسادها بما يتجاوز كل الاتهامات التي ساقتها ضد السلطة الفلسطينية. يبقى أخيراً أن نلقي نظرة على الموقف من المرأة. يشير مشعل إلى «أننا في «حماس» حريصون في موضوع المرأة على استدعاء المفاهيم الإسلامية وتطبيقاتها النقية غير الممزوجة بعصور التخلف.. حماس كانت معنية باشتقاق نموذج وسطي، يعطي المراة دورها الحقيقي بعيداً من الفساد والفوضى والانفلات من المبادئ الإسلامية والقيم والأخلاق..». لكن الترجمة العملية لهذه الوجهة كانت في ممارسة سياسة قمع ضد المرأة وسعي إلى تهميشها والحد من حرية ممارستها لحقوقها المدنية والسياسية، كل ذلك بحجة القيم والأخلاق. يندرج كتاب خالد مشعل ضمن القراءات الذاتية التي لا تستطيع اعتماد الموضوعية في التحليل والممارسة، مما يضطرها إلى تغليب النرجسية في وصفها لذاتها، ورمي الآخرين بالسلبيات. * كاتب لبناني