تراجع مؤشر انفاق الأسر المغربية إلى نحو نصف معدلاته قبل سنتين، نتيجة الصعوبات المالية التي أصبح يعانيها الاقتصاد المحلي ارتباطاً بتراجع الإيرادات، وتدني الاستثمارات وارتفاع عجز الموازنة العامة، التي باتت تقترب من 9 في المئة من الناتج الإجمالي، وهي الأكبر في تاريخ المغرب منذ ثلاثين سنة. وأظهرت إحصاءات المندوبية السامية في التخطيط، نمواً ضعيفاً في استهلاك الأسر المغربية قُدر بنحو 3،6 في المئة من الناتج الإجمالي، بعدما كان يتجاوز 7،4 في المئة قبل «الربيع العربي» الذي حمل معه بعض الصعوبات الاقتصادية التي أضرت بالطبقات المتوسطة نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار. وظل الإنفاق العائلي يمثل قاطرة النمو في الاقتصاد المغربي على مدى السنوات الأخيرة، ويساهم في نحو 60 في المئة من حجم التطور الاقتصادي و6،5 نقطة من الناتج الإجمالي، مدفوعاً بسياسة استهلاكية إرادية وتسهيلات مصرفية شملت أساساً قطاعات العقار والنقل والتجهيزات المنزلية والإلكترونية والتكنولوجيات الحديثة والاستثمارات الفردية. واعتبرت إحصاءات «المندوبية» أن معظم الأسر المغربية قلص نفقاته غير الأساسية أو الكمالية، ولم يساهم الاستهلاك العائلي العام الماضي سوى ب2،7 نقطة من الناتج الإجمالي، ما قلص مشتريات المغرب من السلع الأجنبية نتجه ضعف الطلب الداخلي. وأفادت الإحصاءات بأن واردات المغرب تراجعت من 5 إلى 2،6 في المئة في الثلث الأول من العام الحالي، كما تراجع رصيد الرباط من العملات الصعبة نتيجة تقلص إيرادات السياحة وتحويلات المغتربين والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وسجلت المبادلات الخارجية عجزاً إضافياً في ميزان المدفوعات الخارجية الذي أصبح سالباً، ما أثر في الاحتياط النقدي ودفع في اتجاه الاقتراض الخارجي. وأدى شح السيولة النقدية إلى انخفاض واضح في وتيرة القروض المصرفية التي لم تتطور سوى بنحو 4 في المئة وكانت تقدر ب 28 في المئة نهاية العقد الماضي مدفوعة بتمويلات قطاع العقار والمشتريات الكمالية. وقرر عدد من المصارف التجارية المغربية الاستعانة بالقروض الخارجية لمواجهة ضعف السيولة، وتجنباً لارتفاع أسعار الفائدة المدينة التي قد تهدد التوازنات الحسابية للمصارف، بعد أن تجاوزت قيمة الأموال الهالكة (الصعبة التحصيل) سقف 40 بليون درهم (نحو خمسة بلايين دولار). ونتيجة ضعف الاستهلاك تراجع معدل الادخار الوطني إلى دون 26 في المئة من الناتج الإجمالي، بانخفاض نقطتين عن قيمته قبل سنتين. ويحتاج الاقتصاد المغربي إلى إنفاق 36 في المئة من الناتج الإجمالي على الاستثمارات المحلية لتأمين نمو يتراوح بين 3،5 و5 في المئة، والضرورية للحفاظ على وتيرة التنمية ومعدلات البطالة عند سقف 10 في المئة. ويعتقد محللون أن تراجع استهلاك الأسر المغربية راجع أساساً إلى ضعف عنصر الثقة في قدرة الفاعلين السياسيين على معالجة خلل الصعوبات المالية، ما يدفع المواطنين إلى تأجيل تنفيذ بعض المشاريع الإنفاقية مثل اقتناء شقة أو تغيير سيارة أو شراء جهاز جديد، أو حتى الزواج، في انتظار اتضاح الرؤيا التي لن يحسمها «الربيع العربي» على رغم الآمال العريضة التي حملها للطبقات الوسطى والمتعلمة قبل سنتين.