جاء عن قصص العرب أنه لما مات بعض الخلفاء، اختلفت الروم. فاجتمعت ملوكها وقالوا: الآن يشتغل المسلمون بعضهم ببعض، فتمكِّنا الغفلة من الوثبة عليهم. فعقدوا المشورات والمناظرات. وكان منهم رجل من ذوي العقل والمعرفة غائباً عنهم، فقالوا: من الحزم عرض الرأي عليه. فلمّا أخبروه، قال: لا أرى ذلك صواباً. فسألوه عن العلة، فقال: في غد أخبركم. فلمّا أصبحوا أتوا إليه، فإذا به يأمر بإحضار كلبين عظيمين. كان قد حرّش بينهما، وحرّض كل منهما على الآخر. فتواثبا وتعاركا حتى سالت دماؤهما. فلما بلغا الغاية فتح باب بيت عنده، وأرسل على الكلبين ذئباً أعده لذلك. فلمّا أبصراه تركا ما كانا فيه، وتألّفت قلوبهما ووثبا جميعاً على الذئب فقتلاه. فأقبل الرجل على أهل الجمع فقال: مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب. فلا تزال الفتنة والاختلاط بين المسلمين ما لم يظهر لهم عدو من غيرهم. فإذا ظهر تركوا العداوة بينهم، وتألّفوا على العدو. فاستصوبوا رأيه، واتبعوا مشورته. وقد تكون القصة محض خيال وتعبيراً لغوياً، ولكنها حتماً ما تحكي شيئاً! وكيف أن المسلمين لا بد لهم وأن يقتتلوا. فلا يعرفون العيش بسلام، ولا يقدرون عليه. وكأنهم متورطون في الحياة، وعليهم تنظيمها وترتيب أولوياتها وفهم تفاسيرها. فلا يبلغون منها شيئاً، حتى يبلغ غيرهم أشياء. فيسقط في أيديهم، فيتخاذلون ويتخاونون، وأمام تحدي الحياة يتلاومون. وكل يجزم بأنه على صواب ويتهم غيره بالخطأ. وكما يقول المثل: إنه ليس ما تفعله في اليوم الجيد، ولكن ما تقوم به في اليوم السيئ. وللأسف أيامنا السيئة طويلة، وأفعالنا السيئة أطول منها. فالمسلمون لا يحيون الحياة، ولكنهم ينهونها وبمسميات ومبررات. فمن لم يقتل الناس قبل أن يقتل نفسه، فإنه يقتل نفسه وإلى الجحيم بمن سيُهلك بعده. فأين عقلاء المسلمين؟ يستحيل أن يخلو عصر منهم، ولكن السؤال: بماذا أفادوا؟ تقول الحكاية: فإن ظهر الذئب - العدو توحّد المسلمون ضده! وقد يكون، ولكن إلى متى يحافظ الاتحاد على اتحاده؟ وإليكم قضية فلسطين! فالإجابة صارت معروفة ومحفوظة ليست في أدراجنا وملفاتنا فحسب، بل في عقول أعدائنا أيضاً. هم يعرفون أننا لن نصمد في مواجهتهم، ولن نطيق صبراً قبل أن نلتفت إلى تمزيق بعضنا البعض. ولسان حالهم يقول: «ولن يفعل المسلمون بأفظع مما سنفعل بهم، فاتركوهم لمصيرهم». وهذا صحيح. وكل أحاديث الرسول صلوات الله عليه وسيرته في حروبه وتحذيره من التمثيل بالقتلى لم يسمع بها من نزعوا الأكباد وأخرجوا القلوب وصاروا يمضغونها. فهل يلزم القضاء على زمرة اللئيم والدفاع عن قضية وطنك أن تستوحش؟ وكيف ستعود إلى النور بعد أن تعوّدت على الظلام وأخرجت وحشك؟ المسلمون غير جادين في نظرتهم إلى الحياة وعيشها بسلام. وعلى مر العهود تلتقطهم يتغنون، ويقتاتون على فتات الحلول الشافية والقوانين الحاسمة، وكله كلام. ففي الأصل لا نية خالصة ولا استعداد وراثياً، ولكن جسور ممتدة من النفاق والمزايدات. ممرات يتوارثها جيل عن جيل، حتى تكرّست الازدواجيات والتناقضات والاستعبادات، وباتت تجري في دمائنا وأيامنا. وحين طلب قائد قوات الحلفاء دوايت آيزنهاور من الرئيس تشرشل أن يسلمه دفة القيادة وحده، سأله تشرشل عن منطقه! فكان رد الجنرال لتكون الكلمة واحدة، والصوت واحداً وإلاّ وقعنا في صراع الكبرياء، فكان له ما أراد. ونجحت قوات الحلفاء في نزولها إلى أوروبا وإلى شواطئ نورماندي. ومنها انتقلت المعركة إلى برلين، حيث قوات المحور وهتلر الذي لم يكن يتوقع الهجوم لا بتوقيته ولا بمكانه. وكما قالها آيزنهاور في شرحه خطة الهجوم: «نعم سيموت لنا جنود، ولكنه الثمن الذي يجب أن يُضحى به لنعيش في عالم حر مستقل». وقد تم. وعاشوا على رغم عيوبهم ومشكلاتهم التي يلهثون ليكافحوها ويعالجوها ليحيوا. فماذا عنا؟ ألم ندفع الأثمان من دمائنا وحياتنا؟ فأين نحن؟ قدر ضغط وساطور مطبخ! وشيوخ يجيزون الجهاد الفردي! ومعلقون يؤيدونهم خدمة للدين والسلام! ألا من الحكمة الاعتراف بأننا ما لم نخرج بمشروع إسلامي تاريخي حر لتفسير نصوصنا الدينية على ضوء عصرنا ومستجداتنا، فلن ننعم بالسلام ولا بأمانة الدين. كاتبة سعودية [email protected]