السعودية ضمن أكبر 10 أسواق عالمية في تخزين الطاقة    هيئة فنون العمارة والتصميم تنظّم النسخة الثالثة من "ديزايناثون" في الرياض    إمام وخطيب المسجد الحرام: اتركوا أثراً جميلاً في وسائل التواصل.. لتبقى لكم بعد مماتكم    خطيب المسجد النبوي: الذنوب تمحى بالاستغفار ما لم تبلغ الكفر والشرك بالله    الهيئة الملكية لمدينة الرياض: 18 مليون مستخدم لقطار الرياض منذ افتتاحه    ألمانيا: السلام الزائف لن يجلب الأمن الدائم    منفذ الوديعة: إحباط تهريب 17 ألف حبة «كبتاجون» و4 كيلو حشيش    «سلمان للإغاثة» يختتم 3 مشاريع طبية تطوعية في دمشق    أحد عشر إصدارًا من نبض الارض والصحافة بوابتي للأدب    اجتماع فرع هيئة الصحفيين السعوديين في جازان    لماذا عادت طائرة وزير خارجية أمريكا المتجهة إلى ألمانيا ؟        (رسالة مريض ) ضمن مبادرة تهدف إلى تعزيز الدعم النفسي للمرضى.    142 اتفاقية ب 14 مليار ريال في ختام منتدى «الاستثمارات العامة»    استمرار هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    في أمسية استثنائية بموسم الرياض.. تركي آل الشيخ يكرّم الموسيقار عمر خيرت    هدية مجهول في عيد الحب تتسبب في مقتل فتاة    اعتزال الإصابة    «غير النفطية» سجلت 40 % من الإيرادات.. و115 ملياراً إجمالي العجز    فنون أبها تختتم ليالي الفوتوغرافيين الشتوية    المركز الوطني للفعاليات يوقع مذكرة تفاهم مع مركز الخدمات الصحية المساندة بوزارة الصحة    تعاون بين جمعية الزهايمر وهيئة أموال القاصرين لدعم ورعاية المرضى وذويهم    جوميز: نحتاج إلى التركيز وحصد النقاط أمام الاتفاق    دوران: فخور باللعب بجوار رونالدو    سيماكان النصر أغلى مدافعي دوري روشن    «كل النجوم».. أشهر أحداث دوري NBA    فيلاديلفيا إيغلز يثأر من ال«شيفز» في نهائي «سوبربول»    بيوت جازان.. أضواء السّراج ونكهة السَّليط    أرض السلام    «نيوم» يكسر ال«عين» ويتصدر دوري يلو    جودة الحياة في ماء الثلج    هطول أمطار متوسطة على الرياض    منع المقدسيين من رخص البناء والتوسع في هدم منازلهم    اختزال القضية الفلسطينية    القيمة والتأثير    «عبدالجواد» يضم معاذ والشمراني وشهيل والنجعي لمنتخب القدامى    عطني المحبة كل المحبة.. عطني الحياة..!    ذاكرة التاريخ ونسق الثقافة والجغرافيا    الفتوّة المتأخرة    نصف مقال !    الشاعرة الشعبية وجيمس بيكر..!    سبل المساءلة عن الجرائم الدولية: خيارات العدالة بعد الأسد    العنوسة في ظل الاكتفاء    لماذا التشكيك في رجاحة عقل المرأة..؟!    القوة الجبرية للمتغيب عن جلسات القضايا الزوجية    خارطة طريق مغربية لتحقيق الوصول ل26 مليون سائح    محمد بن فهد.. ترحل الأجساد وتبقى الذكرى    في يوم النمر العربي    "جي إف إتش" تحقق زيادة 15.21 % في الربح الصافي العائد للمساهمين للعام 2024 ب118.50 مليون دولار    أيهما أسبق العقل أم التفكير؟    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    أمير الأحساء يكرم الفائزين بجائزة تميز خدمة ضيوف الرحمن    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    ثمن المواقف الأخوية الشجاعة للسعودية والأردن ومصر.. الرئيس الفلسطيني يشدد على اعتماد رؤية سلام عربية في القمة الطارئة    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حزب الله في سورية: القتال على حدود الدولة الجديدة
نشر في الحياة يوم 26 - 05 - 2013

الحقيقة الأولى التي كشفتها معركة مدينة القصير السورية، والتي يخوضها حزب الله، تتمثل في أن «الجيش العربي السوري» عجز عن إنجاز المهمة، فتم تلزيمها للحزب. هذه المعادلة، التي لا تقبل الجدل، كاشفة حال الاهتراء التي يعيشها النظام في سورية، وما يحمله معهم مقاتلو حزب الله من حكايات عن حال الجيش العربي السوري، ويخبرون أقاربهم بها، تُكمل المشهد. فهم يقولون إن الجنود السوريين لا يُقاتلون، وإن الميليشيا المرافقة لهم جاءت بهدف النهب لا القتال، وإنهم لا يثقون بهم، لا بل إن إشاعات سرت عن اشتراط حزب الله عدم إشراك الميليشيا السورية القريبة من النظام في القتال في القصير.
من الواضح أن «المعركة الكبرى» في القصير تتعدى بأهميتها بالنسبة للمحور الإقليمي الذي يقاتل هناك (أي إيران وحزب الله والنظام السوري)، القيمة الاستراتيجية للمدينة. القول إن أهمية هذه المنطقة تكمن في أنها تتولى وصل دمشق بالعمق الطائفي للنظام، أي الساحل السوري، يبدو ضعيفاً في ظل حجم الوقائع، أو ربما يبدو غير كافياً لتبرير ما أحدثه تدخل حزب الله من خسائر بشرية ومعنوية في صفوفه، ومن اهتزاز في منظومة كلفه بناؤها عقوداً وثروات ومآسي. فالذهاب إلى القصير أتى على ما تبقى من ادعاءات مواجهة إسرائيل، والحزب إذ يُدرك حجم هذه الخسائر، على ما كشف تخبطه في خطاب الحرب الجديدة، ذاهب إلى المعركة من دون تردد، لكن ليس بهدف تأمين الطريق لبشار الأسد إلى ملجئه الأخير في الساحل السوري، إنما لهدف آخر يتمثل في وضع القصير على مائدة الرئيس في مؤتمر «جنيف - 2» الذي من المفترض أن يُعقد في أواسط شهر حزيران المقبل.
لطالما دأب حزب الله، ومن خلفه إيران، على تتويج مغامراته، وما ينجم عنها من مآس، بفعل يعتقد هو أنه سياسي. الذهاب إلى القصير بهدف التفاوض في «جنيف - 2» سيكون مكلفاً، لكن الحزب قليل الحساسية حيال الأثمان، وتأمين المهمة بالنسبة إليه يفوق الأثمان. إنها الأيديولوجيا نفسها التي لا تقيس النتائج بأكلافها، وهي السياسة بصفتها حصيلة لغير مصالح الناس.
لكن القصير في «جنيف - 2» لن تكون صيداً ثميناً على مائدة الرئيس، فالمدينة هامشية إذا ما قيست بالمشهد السوري العام، وحاجة الأسد إلى إنجاز ميداني تكشف معركة القصير مدى إلحاحها من دون أن يؤدي هذا الإنجاز مهمة إنقاذه في المؤتمر. بداية تبدو خطوة الذهاب إلى جنيف خسارة الأسد نصف شرعيته، فهناك سنكون أمام طرفين يملك كل واحد منهما عدداً متساوياً من الأوراق.
الرئيس عجز عن حسم المعركة في القصير، فأوكل المهمة إلى حزب الله، وها هو الأخير يُقاتل هناك، وعلى رغم ترجيح تحقيقه تقدماً إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من حسم المعركة. ونحن هنا نتكلم عن مدينة صغيرة محاذية للحدود اللبنانية حيث لحزب الله قواعد ومناصرين وحكومة وأجهزة أمنية وعسكرية! فكيف ستكون عليه الحال في الجنوب مثلاً على الحدود مع الأردن وفي حوران؟ وماذا عن الشمال حيث لا يمكن أن تتأمن للنظام كتائب من حزب الله؟ وفي دمشق نفسها ماذا عن جوبر وعن مخيم اليرموك؟
«النصر الكبير» في القصير لم يتحقق بعد، لكنه الهدية الإيرانية الموعودة للنظام إلى مؤتمر «جنيف - 2»، والهدية إذ تبدو متواضعة إذا ما قيست بحال الشلل التي يكابدها النظام، لكنها تؤشر أيضاً إلى وجهة التفاوض في هذا المؤتمر، فالمعارضة السورية ستفاوض محوراً إقليمياً هناك، وترمز القصير، فيما ترمز إليه، إلى أن الطريق من دمشق إلى الساحل ستكون أحد خطوط المفاوضة هناك. سيجري ذلك وفق ترسيمة طائفية تتولى الخطوط الوهمية للمذاهب تحديدها.
لم تعد مجديةً حال الذهول التي خلفها إعلان حزب الله مشاركته في الحرب في سورية. يجب البدء في البحث عن نتائج هذه المشاركة. في سورية ستبقى الارتدادات محدودة بنتائجها الطائفية، ذاك أن الحزب لا يستطيع أن يتمدد على طول الخريطة، وفي المدن الرئيسة لن يخترق أكثر من حدود مدينة حمص. أما في لبنان فالارتدادات ستقوض مرة أخرى فرصة قيام دولة. فقد ازدادت صعوبة اللقاء، والشارع يكتظ بمزيد من مشاعر الضغينة، وحزب الله إذ يتولى في بيئته ضخ الدلالات الطائفية لمشاركته في الحرب في القصير، يتولى أيضاً استدراج الجماعات المذهبية الأخرى للغة طائفية موازية. وإذا كان الوضع في مدينة طرابلس عينة عن نتائج مشاركة الحزب في القصير، فإن ما جرى في مدينة صيدا هو نموذج أكثر كثافة، وإن كان أقل عنفاً.
مرة أخرى يُقدم لبنان على موائد رؤساء دول أخرى، فحزب الله لم يُغامر بمستقبل بيئته فحسب عندما أقدم على إعلان انخراطه رسمياً في الحرب على القصير، لكنه يغامر بمستقبل جميع الجماعات اللبنانية. وعلى رغم ذلك لا تبدو مهمة إنقاذ بشار الأسد ممكنة. وهو أمر يدفع إلى الحيرة فعلاً، ذاك أن الحزب ومن خلفه إيران يدركان هذه الحقيقة، وعلى رغم ذلك هما سائران في مغامرتهما من دون اكتراث للأكلاف الكبرى لها.
قد يُساعد على تفسير الخطوة استعادة خط الانقسام المذهبي من العراق إلى سورية وصولاً إلى لبنان. في هذه اللحظة يمكن المرء أن يغامر بتصور لا يمكن أن يتبلور إلا في مخيلة إيرانية، إذ إن الأخيرة محصنة من ذهول مشابه لذهولنا إذا ما قرر أحد أن يستأنف تاريخاً من العلاقات المذهبية المؤجلة. ففي إيران ثمة مضمون قومي للتشيع، بينما هو في لبنان وسورية والعراق فارق طقسي ومذهبي. وهذا الاختلاف يُسهل على خيال الجمهورية الإسلامية الذهاب في تصور لإقليم شيعي إلى حدود المغامرة بمستقبل الشيعة العرب.
فلنراقب أداء حكومة نوري المالكي في العراق، وحزب الله في سورية وفي لبنان. أليس ثمة ما يوحي بأن قراراً اتخذ بمباشرة أمر ما؟ وإذا كانت الحال كذلك، فإن معركة القصير لن تكون سهلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.