يقدّم مسرح «هيبرتو» الباريسي عملاً ساخراً بعنوان «ثنائي في خطر» كتبه إريك عزوز، وهو من أشهر مؤلفي المسرحيات الفرنسية الكوميدية في العقد الأخير. يتناول النص زوجين يمضيان سهرة هادئة في البيت أمام شاشة التلفزيون، ويشاهدان حلقة رومانسية ودرامية في آن واحد، تعيش بطلتها أزمة حادة في حياتها الزوجية، بعد أن تكتشف أن الرجل الذي تحبه وتشاركه حياته اليومية يخونها مع صديقة حميمة لها. فكيف يمكن زوجاً يردد باستمرار لزوجته أنه يعشقها ولن يغادرها أبداً وأنه يفضل الموت على الفراق منها، أن يتصرف في هذا الشكل؟ وفي الوقت نفسه كيف يتسنى لصديقة مقربة أن تستمر في إظهار صداقة مزعومة بينما هي مرتبطة بعلاقة عاطفية مع زوج صديقتها؟ سؤالان يشغلان بال بطلة الحلقة ويسببان في النهاية انهيار حياتها الزوجية بعد أن تصارح زوجها وصديقتها بأنها اكتشفت لعبتهما الدنيئة. تنتهي الحلقة ويخلد الزوجان إلى النوم، إلا أن أحداث الفيلم التلفزيوني لا تفارق ذهن الزوجة التي تقرر الدخول في مناقشة حادة مع زوجها في الحال مانعة إياه من النوم، ومحاولة اكتشاف خبايا حياته إذا وجدت. وبعد أن يسعى الرجل إلى تهدئة زوجته وإقناعها بعدم التأثر بما شاهدته خلال السهرة، يبدأ بدوره تخيّل الموقف العكسي لما دار في الحلقة، أي أن تكون الزوجة هي الخائنة، ويجري جردة في عقله لأقرب الأصدقاء إليه محاولاً تخيل أحدهم في صحبة زوجته، مستعيداً بالتالي تصرفات كل الرجال في محيطه في المناسبات المختلفة التي جمعت بينهم وبينهما هو وزوجته. ويلازم الشك كلاً من الزوجين السعيدين أساساً، فتنقلب حياتهما إلى جحيم ليس فقط في الليلة التي تتبع بث الحلقة التلفزيونية، بل يستمر الوسواس طويلاً، إذ يكرس كل منهما وقته لكشف حقيقة الآخر، ما يوقعهما بين أيدي أصدقاء السوء، وتتم العودة في آخر الأمر إلى العقل والمنطق قبل انهيار زواجهما. ... تعتمد المسرحية الكوميديا على رغم تناولها حبكة جادة، ويتضح أن عزوز أراد تسليط الضوء في أسلوب قريب إلى الكاريكاتور على مساوئ التلفزيون على الناس جميعاً وعلى المتزوجين خصوصاً، إذ إن حلقات مسلسلاته تغرس في العقول البلبلة وتحول الخيال إلى واقع بفضل إتقان إخراجها، لا سيما الحلقات الأميركية التي تبث على المستوى العالمي لتشكّل «رابطة» من المشاهدين الذين يجمعهم حب المسلسل والإيمان بمدى صدق الأحاسيس والمواقف التي يسردها. وربما كان من الأفضل ألا يحاول المؤلف تحطيم المسلسلات الأميركية في شكل يوحي بضرورة فرض رقابة على هذه الأعمال، وأن يترك للمشاهد حرية تكوين رأيه بنفسه. أخرج مسرحية «ثنائي في خطر» ستيفان بوتيه، ويؤدي دور الزوج فيها فيليب رولييه بينما تؤدي دور الزوجة الممثلة أوليفيا دوترون، زوجة رولييه في الحقيقة أيضاً، وإبنة الفنان المسرحي والسينمائي الكوميدي الكبير الراحل الآن داري كول.