يعرض مسرح «لا كولين» الوطني في باريس، عملاً فنياً عنوانه «سولنيس» مقتبس عن المسرحية الكلاسيكية الشهيرة التي ألفها النروجي هنريك إيبسن في أواخر القرن التاسع عشر، «سولنيس البنّاء». وتدور أحداث العمل، حول رجل يدعى سولنيس كوّن نفسه مهنياً في ميدان الهندسة المعمارية عبر العمل الشاق والممارسة والخبرة ومن دون دراسة جامعية. ولم يمنعه هذا التفصيل من التمتع بموهبة فذة في رسم المباني وتخطيطها كأنه من أكبر حملة الشهادات العالية. وبما أنه لا يملك المستندات الرسمية الدالة على استحقاقه لقب «مهندس معماري» أطلق عليه الناس اسم «سولنيس البنّاء». وأخرج العرض آلان فرانسون المتخصص في المسرحيات الكلاسيكية، لا سيما التي تقدّم في مسرح «لا كوميدي فرانسيز»، وبين أبرزها «العم فانيا» و «الأخوات الثلاث» لأنطون تشيخوف، و «الشريط الأخير» لصامويل بيكيت. وفي ما يخص «سولنيس»، احترم فرانسون عنصر الفترة التي تدور فيها أحداث المسرحية فأخرج عملاً بديكور يناسب القرن التاسع عشر، إضافة إلى أزياء الممثلين المناسبة لتلك الحقبة، في حين تمتع النص بحداثة عصرية لا جدال فيها، إذ يكتشف المشاهد مدى شراهة سولنيس وتمسكه بعمله على رغم تقدمه في العمر، ورفضه الكلي لمساعدة جيل الشبان من الراغبين في تعلم الهندسة المعمارية. فهو يسد الطريق أمام غيره ويدبر لهؤلاء المقالب ويتربع فوق عرش مهنته وكأنه صاحب حق أبدي في خصوصها. ويعتمد السياسة ذاتها مع النساء إذ لا يتردد عن خيانة زوجته مع شابات يأتين إليه بحثاً عن وظيفة في مكتبه، فيأخذ ما يريد منهن، من دون أن يمنحهن وظيفة أو فرصة لإثبات جدارتهن، علماً أنه يصل إلى مراده بعد أن يعدهن بالزواج فور الانتهاء من إجراءات الطلاق من زوجته. وأخذ بعضهم على فرانسون التزامه بكلاسيكية الديكور والثياب فيما كان بإمكانه تصور العمل ذاته في القرن الحالي، ما كان سيضيف إلى الحبكة قوة هائلة في إطار ظروف العولمة الحالية والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدول الأوروبية عموماً وصعوبة العثور على عمل بالنسبة إلى المتخرجين الجدد. ويرد المخرج على منتقديه، بأن التناقض بين كلاسيكية الإطار في المسرحية كما تخيلها هو وحداثة المضمون، هو الصانع لكيان العمل ككل، وما يشكل أيضاً صدمة بالنسبة إلى المشاهد، تجعله يحمل المسرحية وشخصياتها ومواقفها المختلفة في ذهنه طويلاً بعد مغادرة قاعة العرض. وبالنسبة إلى الممثلين فقد أسند فرانسون دور سولنيس إلى فلاديمير يوردانوف المعتاد الظهور في أفلام سينمائية كوميدية وفي مسرحيات كلاسيكية ودرامية. ويؤدي يوردانوف شخصية المهندس الأناني والخائف من التقدم في العمر ومن الشبان القادرين على أخذ مكانه، ببراعة فائقة وبلا صياح أو بكاء بل بتعبيرات طفيفة ونظرات تدلي بالكثير عما يدور في وجدان الرجل. وتتخذ موهبة يوردانوف حجمها الاستثنائي حين يلتقي سولنيس الشابة هيلدا ناسياً أنه ألحق بها الأذى في الماضي، ويقع في غرامها مثل المجنون مستعداً لفعل أي شيء من أجل أن تبادله هي الشعور، والواقع أنه سيحفر قبره بيديه، كما تظهر أحداث المسرحية لاحقاً. وتؤدي الممثلة الشابة أدلين ديرمي شخصية هيلدا الفتاة التي يقع في حبها المهندس، وقدمت الدور بتميز لافت، ما جعل الجمهور يصفق لها طويلاً بعد انتهاء العرض. والتحقت ديرمي أخيراً بفرقة «لا كوميدي فرانسيز» الوطنية العريقة وقدمت دوراً مركباً في مسرحية «قبعة قش من إيطاليا» قبل مشاركتها في «سولنيس». والثنائي محاط بممثلين آخرين هم: دومينيك فالادييه، ميشيل روبان، أغات لويلييه، جيرار شايو وأدريان غامبا غونتار.