أغلق مسرح «لا كوميدي فرانسيز» الوطني الفرنسي أبواب قاعته الرئيسة الضخمة نهاية عام 2011 لترميمها من أسفل إلى أعلى، وتحسين بعض الأمور فيها لتتناسب مع التطور التكنولوجي. وخلال فترة «التجميل»، افتتحت قاعة بديلة على مسافة أمتار من المبنى الأساسي، أي قرب ساحة «باليه رويال» الفاخرة، بنيت خصيصاً لتحل مكان المغلقة بشكل موقت وتستقبل عروضاً مسرحية مختلفة، احتراماً لشعار فرقة «لا كوميدي فرانسيز»: «في كل يوم منذ عام 1860»، أي أن المسرح لا يغلق أبوابه أبداً. وبعد انتهاء أعمال الصيانة، افتتحت القاعة الأساسية مجدداً، وتأمل المدعوّون من وزراء ونواب وفنانين وإعلاميين جمال المكان ودقة الترميم الذي لم يغير الشكل الأصلي للقاعة، من جدران ومقاعد مريحة وسقف وثريات وديكورات ذهبية وبهو وخشبة مسرح. وشمل التجديد جهاز الصوت، فاستعملت أحدث التقنيات، وبات الجالس في الصفوف الخلفية، أو في الطابق الرابع، يسمع بوضوح كل ما يحصل في القاعة، كما لو أنه يجلس في الصف الأمامي. وساعد في تحسن الصوت، التخلص من الأقمشة المتدلية فوق الجدران والتي كانت مع مرور الوقت قد بدأت تؤثر في نوعية التردّد الصوتي. فقد حل مكانها الآن الخشب المغطى بقماش جميل خفيف يسمح للصوت بالنفاذ بكامل قوته. كما أن الإضاءة تحسنت كثيراً وصارت تنبع من كاشفات حديثة متطوّرة. واستقبلت مديرة المسرح مورييل ماييت ضيوفها المرموقين وبينهم وزيرة الثقافة الفرنسية أوريلي فيليبيتي، وألقت كلمة مقتضبة عبرت فيها عما أنجز من أعمال خلال سنة، واعدة بأن فرقة «لا كوميدي فرانسيز» ستواصل تقديم أعمال مسرحية قيّمة حريصة على الكلاسيكية التي تميزها، مع تشجيع مؤلفين شبان يتمتعون بالموهبة والجرأة. وتفتتح القاعة الجديدة نشاطاتها بمسرحية «ترويلوس وكريسيدا» لوليام شكسبير، إخراج جان إيف روف. ويمكن اعتبار هذا الخيار أكثر من مؤسف في مناسبة إعادة الافتتاح، لأن العمل لا يعتبر من أهم أعمال الكاتب الإنكليزي وأقواها، خصوصاً أن حبكة المسرحية معقدة وتحتاج إلى مخرج مخضرم يقدمها بأسلوب سلس يخاطب الجمهور. وهذا ليس حال جان إيف روف على رغم موهبته غير القابلة للنقاش، وإخراجه في الماضي نصوصاً جيدة للفرقة ذاتها، إلا أن الخبرة لا تزال تنقصه حتى يقدر على مواجهة مسرحيات تحتاج إلى تسهيل بل إلى تحسين في مستواها وتعديل في مضمونها من أجل أن تلائم روح العصر. والمقصود هنا ليس التحوير في الحبكة بطبيعة الحال، بل ربما حذف بعض المقاطع التي كررها المؤلف مراراً إلى درجة أنها تصيب المشاهد بالملل، وهذا ما لم يفعله روف مفضلاً الالتزام الكلي والكامل بما كتبه شكسبير. ويعتبر هذا الصرح الثقافي أحد أشهر مسارح الدولة في فرنسا، وله فرقة ممثلين خاصة به، ويقع في قلب باريس. أُسس بأمر من الملك لويس الرابع عشر عام 1680 لدمج الفرقتين المسرحيتين الوحيدتين في باريس، في ذلك الوقت، «كينيكو» و «وتل ده بوركون». بعد وفاة موليير عام 1673، أُسست فرقة «بوركون» بعد دمج مسرح «دو مارايس» وفرقة «موليير». ولهذا يمكن القول إن مسرح «لا كوميدي فرانسيز» هو امتداد لتعاليم موليير. عرضت على خشبته مجموعة أعمال لموليير وجان راسين، وبول سكارون وجان روترو. اتخذ المسرح مقرات عدة منذ افتتاحه، فانطلق عام 1689 من مقهى بروكوب، وصممه المعماريان ماري-جوزيف پير (1770–1843) وشارل ده وايلي (1730–1798). وبين عامي 1770 و1782، كان مقره في قصر تويلري الملكي. انتقل عام 1799 إلى قاعة ريشوليو. طور ووسع في ثمانينات القرن التاسع عشر، وأعيد بناؤه عام 1900 بعد احتراقه.