حياة افتراضية جديدة للمجتمع السعودي بدأت تتشكل مجدداً على برنامج الدردشة الشهير «واتسآب»، يجري فيها التخاطب على مستوى فردي وجماعي، يتبادل عبره الأطراف ما يريد إيصاله بعضهم إلى بعض من دون تحفظ. فالنقاش بين أبو خالد وزوجته في أمور حادة يحدث عبر هذا البرنامج ليتجنب، كما قال، «المصادمات مع شريكة حياته حول أمور طبيعية». وفي حالات أخرى، يبعث الزوج إلى زوجته، خلال جلسة مع أصدقاء، مقطع فيديو يعبّر عن الأجواء من حوله، في محاولة لأن تشاركه تفاصيل من حياته تكون غائبة عنها. وبوجود «واتسآب» بات أزواج كثيرون يتفادون حدة النقاش مع زوجاتهم، فيصوغون انزعاجاتهم في رسالة نصية، عبر البرنامح الذي وصفه أبو خالد ب «المنقذ» من المشاجرات القاسية التي كانت تدور في مواجهة زوجته قبل اقتنائهما الأجهزة الذكية. صالح سعد يبعث إلى زوجته من خلال «واتسآب» صوراً لما يشاهده من تغريداتها التي يرى أنها تضايقه وتمس رجولته أمام الجميع في موقع التواصل الاجتماعي إذ إنها تكتب باسمها الصريح وتتناول القضايا المحلية بكل شفافية وتتحدث مع متابعيها بلين، وغالبيتهم من المجتمع المحيط بهما، ويجد الحديث عبر البرنامج منفذاً للتخاطب من دون صدامات بين الطرفين. سعد يبعث أيضاً إلى زوجته التي ارتبط بها قبل 20 عاماً حالة الاستياء التي هو فيها من تقصيرها داخل منزلها بحكم أنها موظفة تعمل لمدة 8 ساعات وليس لديها عاملة نظافة لتساعدها، فطوال يومه شغله الشاغل تصوير زوايا المنزل وإرسالها على هاتفها مقرونة بعبارات عتب. سهام أحمد وجدت في البرنامج حلاً لمشاكلها مع زوجها، فهما لم يعودا يعمدان إلى حلها وجهاً لوجه، بل تحولت إلى موضوع محادثات عبر «واتسآب» مقرونة بأيقونات توضح تعابير الوجه، فربما حدثت مشكلة تصفها بالتافهة بينها وبين زوجها فيبدأ الحل من طرح المشكلة وأبعادها في محادثة بين الزوجين، ويظلان في جدل مستمر حتى تنتهي المعضلة، وتتلقى من زوجها طلباته منها من تجهيز وجبة من الوجبات أو القهوة أو الشاي، وإبلاغها بزيارة ضيف له حتى تستعد. حل النزاعات لم يعد يقتصر على الزوجين فحسب، بل طاول الأصدقاء من الجنسين. عمر يجده متنفساً لطرح ما في داخله من تحامل تجاه صديقه المقرب الذي يعاتبه بعنف ومن غير رحمة من شدة حبه له، ما قلل الحديث بينهما هاتفياً معتمدين على «واتسآب» في التخاطب وتحديد مواعيد الالتقاء والموقع والسؤال عن بعضهما بعضاً بين الوقت والآخر إذ لا يستطيع العيش من دون صديقه يوماً واحداً. المحادثات بين الجنسين بدأت تنمو أكثر من ذي قبل مع «واتسآب» الذي فتح آفاقاً أوسع في التخاطب بين الطرفين بعد مضي حقبة من الزمن شاعت فيها فتاوى تحرم ذلك التخاطب، ولا تجد عفاف حرجاً في إرسال رسالة إلى زميلها في العمل لتخبره بآخر التطورات في ما أوكل إليها من مهمات عمل، وأحياناً السؤال عن زملاء لها في عملها الحالي والسابق، بخاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع وإجازتها السنوية لتطمئن عليهم. وعمد البعض في بيئات العمل إلى إنشاء «غروبات» (مجموعات) على البرنامج تجمع بعض الموظفين والموظفات ليصبحوا في تواصل مستمر ومشاركة للحياة اليومية من دون تحفظ. نوف موظفة في مستشفى أنشأت «غروب» وأضافت إليه جميع زملائها وزميلاتها في القسم وكانت تخشى أن ينسحب الشباب منه إلا أنها وجدت قبولاً وترحيباً. وتتناول هي وزملاؤها آخر الأخبار داخل المستشفى والقرارات وما يجري لكل واحد منهم في حياته من مواقف مريرة وأحياناً طريفة، إلى جانب أبرز القضايا التي يثيرها الرأي العام، إلا أن ذلك يتم بسرية تامة عن عائلتها التي ربما يكون لديها تحفظ. نوف لم تكن الوحيدة بل إن غالبية بيئات العمل عمد موظفوها من الجنسين إلى إنشاء مجموعات عبر التقنية للتواصل المستمر في ما بينهم ما جعل أعداد «الغروبات» في الجهاز الواحد تتعدد وتسببت في كثير من الإحراج، ففي الوقت الذي يكون سلطان على طبيعته مع أصدقائه المقربين داخل تلك المحادثات الجماعية ويعبر عن رأيه بكل حرية، يبعث بطريق الخطأ برأيه الخاص في قضية ما على «غروب» العائلة، ما يجعل أعضاء «الغروب» يقومون بحذفه وطرده من بينهم، ويصفونه بالمتمرد. آخر ظهور لصاحب الجهاز الذي يوفره البرنامج أعلى الشاشة بات مصدر مهم لأم حسام حتى تعرف مواعيد بناتها وزوجها وآخر وجود لهم على هواتفهم النقالة، ما يجعلها ترسل أوامرها من مكتبها إلى بناتها للقيام ببعض المهمات المنزلية التي تقسمها عليهن بالتساوي الأمر الذي لم يجد قبولاً لدى شقيقاتها الأصغر سناً المشتركات معها ومع بناتها في مجموعة واحدة، وظللن يعاتبنها بأنه سجل للمحادثات بعيد من المشاكل الأسرية، إلا أنها لم تلقِ لهن بالاً وتستمر في إصدار الأوامر.