كرر الديبلوماسي الجزائري المحنك الأخضر الإبراهيمي خلال مسيرته الطويلة مقولة انه «لا يوجد وضع من دون أمل»، لكن مع النزاع المستمر منذ أكثر من عامين في سورية التي عين موفداً دولياً لها، واجه وزير الخارجية الأسبق «مهمة مستحيلة». ويتردد على نطاق واسع أن الإبراهيمي (79 عاماً) والذي يشغل منذ 17 آب (أغسطس) الماضي منصب الموفد الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية، بات قاب قوسين أو أدنى من تقديم استقالته. وقال احد مساعدي الإبراهيمي إن الأخير «لم يستقل لكنه قال إنه يفكر في الاستقالة يومياً»، بسبب انسداد أفق الحل السياسي في سورية الغارقة في نزاع دامٍ منذ أكثر من عامين. وأكد المساعد، الذي فضل عدم كشف اسمه، أن الإبراهيمي لن يتخذ قراراً نهائياً في هذا الشأن قبل منتصف الشهر. وناقش الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الثاني من الشهر الجاري موضوع الاستقالة المحتملة للإبراهيمي مع ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ورجحت مصادر ديبلوماسية في الأممالمتحدة أن يتولى بان بنفسه، في حال استقالة الموفد الدولي، ملف تعيين خلف له. وقال ديبلوماسي بارز في الأممالمتحدة إن «النزاع في سورية سيئ جداً، والانقسامات الدولية عميقة للغاية إلى حد أن الأمين العام يواجه الآن قراراً صعباً للغاية في شأن تعيين بديل للإبراهيمي». وينقسم الخبراء حول حظوظ نجاح مهمة أي موفد دولي إلى سورية، وقال نيكولاوس فان دام، الديبلوماسي الهولندي السابق الخبير في الشرق الأوسط، إن الإبراهيمي «حظي بفائدة مزدوجة لأنه شخصية عربية، ويتمتع بخبرة سياسية هائلة». واستقال سلف الإبراهيمي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي انان، من مهامه في الثاني من آب (اغسطس) 2012، معللاً الخطوة بغياب دعم القوى الكبرى المؤثرة المنقسمة بحدة حول النزاع السوري، لا سيما بين الدول الغربية الداعمة للمعارضة، وروسيا والصين حليفتي نظام الرئيس بشار الأسد. وأضاف فان دام مؤلف كتاب «النضال من اجل السلطة في سورية»، أن «عمل الإبراهيمي كان مهمة مستحيلة، ولا أرى كيف يمكن خلفاً محتملاً ان يقود مهمة صعبة كهذه. الأكيد أن ذلك سيكون صعباً جداً طالما أن الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية لا تدعم عمليا مبادئ جنيف». وبذل الإبراهيمي كل ما في وسعه للتوصل إلى حل للأزمة السورية، وهو الديبلوماسي الخبير الذي ساهم كمبعوث للجامعة العربية، في التوصل إلى اتفاق الطائف في العام 1989 لوضع حد للحرب اللبنانية التي اندلعت العام 1975، قبل أن يتولى مهمات للأمم المتحدة في العراق وأفغانستان. وبعد تعيينه بفترة قصيرة، أثار الإبراهيمي حفيظة المعارضة السورية التي طالبته بالاعتذار من الشعب السوري لتصريحه أنه لا يعرف ما إذا كان الوقت حان للمطالبة بتنحي الرئيس الأسد. لكن علاقته بالنظام السوري لم تكن أفضل حالاً، فخلال زيارته الثالثة إلى دمشق نهاية العام الماضي، وقعت القطيعة مع الرئيس الأسد الذي أنهى اجتماعه مع الإبراهيمي بعدما سأله الأخير عما إذا كان ينوي الترشح إلى الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولايته في العام 2014. وبعد أيام على هذا الاجتماع، قال الإبراهيمي من دمشق إن «التغيير المطلوب ليس ترميمياً ولا تجميلياً. الشعب السوري يحتاج ويريد ويتطلع إلى تغيير حقيقي، وهذا معناه مفهوم للجميع»، داعياً في مؤتمر صحافي إلى تشكيل حكومة «كاملة الصلاحيات (...) تتولى السلطة خلال الفترة الانتقالية». ووجهت وسائل الإعلام السورية القريبة من السلطات اتهامات لاذعة للإبراهيمي، معتبرة انه «سائح معمر حظي برحلات ترفيهية حول عواصم العالم»، في حين اتهمته الخارجية السورية ب «الانحياز» إلى أطراف تشارك في «المؤامرة» ضد دمشق. وسعى الإبراهيمي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة لمناسبة عيد الأضحى، لكن الهدنة لم تصمد لساعات. وتنقل الموفد الدولي بين مختلف عواصم الشرق الأوسط وأوروبا، وصولا إلى موسكو وبكين لوقف نزف الدم في سورية، من دون طائل. ولم تلق دعوات الإبراهيمي «القوى الخارجية» في كانون الثاني (يناير) لوقف تزويد طرفي النزاع بالسلاح وطرحه حوارا سورياً - سورياً للتوصل إلى وضع حد للأزمة، أي صدى يذكر.