فاز الأسترالي ريتشارد فلاناغان بجائزة مان بوكر في دورتها السادسة والأربعين التي تضم للمرة الأولى كل الكُتّاب بالإنكليزية بعدما حُصرت بالكومنولث وحده. وفلاناغان هو الاسترالي الثالث يفوز بهذه الجائزة العريقة. أقلق التغيير البريطانيين الخائفين من سيطرة الأميركيين على جائزتهم، ولئن ضمّت القائمة القصيرة كاتبين من المستعمرة القديمة هما جوشوا فيريس وكارين جوي فاولر بدا أن اللجنة الحكم لن تُبهر بالضرورة بحيوية كُتّابها. قال رئيس اللجنة أ. سي غريلنغ إن «الطريق الضيقة الى عمق الشمال» الصادرة عن «شاتو أند وندوس» رواية رائعة عن الحب والحرب، الموضوعين الأساسيين في الأدب، ربطت الشرق والغرب، والماضي والحاضر بفعل البطولة والشعور بالذنب. مدح لغتها الفائقة الأناقة والقوة، ورأى أن أسوأ وأفضل ما في التحكيم هو العثور على كتاب يرفسك على معدتك فتعجز عن تناول غيره يومين، كما حدث مع الرواية الفائزة. اختارتها اللجنة الحكم بالغالبية بعد ثلاث ساعات من النقاش من لائحة شملت ستّة كتّاب نصفهم بريطانيون، وتسلّم فلاناغان (53 عاماً) شيكاً بقيمة خمسين ألف جنيه استرليني من دوقة كورنوول، زوجة ولي العهد الأمير تشارلز في نهاية العشاء التقليدي. هو الأسترالي الثالث الذي ينال الجائزة بعد توماس كينيلي في 1982 وبيتر كيري الذي ربحها مرتين في 1988 و2001. كتب وتوقف مراراً خلال اثني عشر عاماً أنتج فيها روايات أخرى، ولم يرضَ عن جهده إلا في المحاولة الخامسة. استند الى تجربة والده آرتشي الأسير الذي سُخّر للعمل عل خط تايلاند - بِرما، وقابله في سنواته الأخيرة ليسأله عن التفاصيل والمزيد منها. كيف كانت بالضبط رائحة الخيمة التي عولج فيها الجنود من الجروح المتفنة والغنغارينا؟ ما هي أخطار فقدان الحذاء؟ وما هي حسنات الزيادة الطفيفة في الغذاء؟ بدا أن الوالد انتظر انتهاء الابن من الكتابة، وتوفيّ فعلاً يوم كتب فلاناغان الصفحة الأخيرة عن ثمانية وتسعين عاماً. بطل الرواية السادسة لفلاناغان كولونيل جرّاح مسؤول عن ألف أسير أسترالي في معتقل ياباني. يرعاهم ويهتم بصون حياتهم أكثر مما يهتم بنفسه. يساوم كل صباح لكي يعفي الميجور ناكامورا الأسرى المرضى من العمل في «سكة الموت» تحت مطر لا يتوقف، لكن الرجل الياباني الذي نشأ على عبادة الأمبراطور وسط طقوس قاسية يعيّره ورجاله بخزي الأسر الذي لا ينقذهم منه إلا شرف الموت للأمبراطور. كان البريطانيون تقصّوا إمكان بناء سكة حديد بين تايلاند وبِرما، وتخلوا عن الفكرة لصعوبة اختراق الغابة. لم يردع هذا التفصيل اليابانيين الذين احتاجوا الى خط تموين أفضل، وبنوه فعلاً في أكثر من عام بقليل بفضل 300 ألف أسير من الحلفاء والعمال المحليين توفّي 12 ألف منهم من المرض والتجويع. يهجس رودريغو إيفانز بالفصام بين حياته العامة وتلك الخاصة. كرّسته بلاده بطلاً، لكنه يشعر أنه دجال لا يستحق التكريم، وكلما اتهم بالفضيلة مع تقدّمه في السن، ازداد كرهاً لها لأنها لم تكن سوى غرور متأنق يطلب التصفيق. ينبع يأسه المزمن من فقدان الحب الحقيقي الوحيد في حياته. آمي زوجة عمه الثانية التي غار من الوسادة التي ألقت رأسها عليها. لكن العلاقة انتهت بمأساة، وبعد الحرب تزوج خطيبته الصبورة إيلا وخانها فور العودة من شهر العسل. يتداخل الماضي والحاضر، وتسيطر الحرب وعذاباتها بما فيها القتل الوحشي لداركي غاردينر، أذكى أعضاء فرقته. كان رجاله «حزمة من العصي المكسورة الموحلة» هزيلين، متقرّحين، فاقمت الكوليرا ضعفهم، رفسهم آسروهم حتى الموت، وضربوهم حتى صبغ دمهم أجسادهم. لكنه «أدرك حقيقة عالم مخيف يعجز المرء عن الهرب أهواله (...) لم يتغيّر العالم، وُجد العنف دوماً ولن يزول، سيموت رجال تحت جزمة وقبضة رجال آخرين حتى نهاية الزمن، وكل التاريخ البشري كان تاريخاً من العنف» لكن الخلاص حضر أيضاً، في الحب والصداقة والأدب. والحرب». في النهاية، كما قال شاغز لاحقاً، لم تكن طويلة جداً، بل بدت كأنها لن تنتهي. ثم انتهت (...) ثم أتت السنوات الطيبة والأحفاد، الانهيار البطيء، وأتته الحرب أكثر وأكثر، وذابت ببطء الأعوام التسعون الأخرى في حياته. في النهاية قلما فكر وتحدث عن غيرها، لأنه اقتنع مع الوقت أنه قلما حدث شيء آخر.