اكتنف غموض مسألة إخضاع المشاريع التجارية المدنية للجيش المصري لرقابة أجهزة الدولة بعد تصريح للناطق العسكري العقيد أحمد محمد علي حمل نفياً ضمنياً لموافقة الجيش على هذا الأمر وبدا رداً على إعلان رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات القاضي هشام جنينة موافقة وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي على تلك الرقابة. وكانت وسائل إعلام مصرية نقلت عن جنينة قوله قبل يومين إن السيسي وافق على طلب الجهاز إخضاع الأنشطة التجارية لوزارة الدفاع للرقابة، لكنه أوضح أن بعض الأجهزة السيادية ترفض الرقابة مثل الاستخبارات العامة التي يحول قانونها دون رقابة حقيقية على أنشطتها. ورغم أن الناطق العسكري لم ينف صراحة تصريحات جنينة، لكنه نفى أن يكون أدلى هو بما يؤكدها ودعا إلى الاعتماد على بياناته فقط في ما يخص الجيش. وقال في بيان أمس: «في إطار ما تم تداوله على وسائل الإعلام المختلفة في شأن تصريحات منسوبة إلى المتحدث العسكري الرسمي للقوات المسلحة أعلن خلالها موافقة الجيش على إدراج كل الأنشطة التجارية للقوات المسلحة تحت إشراف الجهاز المركزى للمحاسبات والأجهزة الرقابية الأخرى، تؤكد القوات المسلحة أن المتحدث لم يدل بأي بيانات أو تصريحات في هذا الشأن». وناشد «توخي الدقة والحذر في تناول كل المعلومات المنسوبة إلى المؤسسة العسكرية، والاعتماد على البيانات الرسمية الصادرة عن الناطق العسكري، كونه المنوط به إصدار البيانات والتصريحات الخاصة بالقوات المسلحة». وعهد الدستور الجديد لمجلس الدفاع الوطني ذي الغالبية العسكرية بمناقشة موازنة القوات المسلحة. ويتولى رئيس الجمهورية رئاسة المجلس ويضم في عضويته رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي النواب والشورى ووزراء الدفاع والخارجية والمال والداخلية ورئيس الاستخبارات العامة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة الاستخبارات الحربية. وينصرف الغموض في شأن مشاريع الجيش التجارية المدنية إلى حجمها من اقتصاد البلاد، فلا معلومات عن قيمة هذه المشروعات ونسبتها من اقتصاد الدولة، وتراوح التقديرات بين 10 و40 في المئة، لكنها لا تستند إلى أرقام مؤكدة. وكانت القوات المسلحة بدأت خلال عقد السبعينات من القرن الماضي في تأسيس مشاريع تجارية مدنية وتوسعت خلال العقدين الماضيين في تلك المشاريع. وقال مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية قبل عام إن تلك المشاريع «تستهدف تأمين حاجات القوات المسلحة وتحقيق الأمن القومي المصري»، موضحاً أنها «تحقق عائدات سنوية تقدر بنحو 1.2 بليون جنيه وتخضع لجميع قواعد التفتيش والرقابة». وشدد على أن الجيش «لن يسمح لأية جهة بالتدخل في شؤون المشاريع الاقتصادية»، معتبراً أن ترك هذه المشاريع للدولة سيؤدي إلى انهيارها. غير أن الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم أعرب عن اعتقاده بأن النشاطات التجارية للجيش تخضع للمحاسبة والرقابة. وقال ل «الحياة»: «اعتقد أن تلك المشاريع تتم مراقبتها. ربما أراد بيان المتحدث العسكري أن ينفي التصريح بأي شيء في ذلك المضمار، وهذا لا يعني نفي الأمر برمته». واعتبر الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» عمرو الشوبكي أن تصريح الناطق العسكري أمس «نفي ضمني» لما ورد على لسان رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات. ورأى أن المعلومات المتضاربة في شأن هذا الأمر «تعكس قدراً من التخبط والارتباك مازال موجوداً». وقال الشوبكي ل «الحياة» إن «تصريح الناطق العسكري يعني أن هناك حساسية من قبل الجيش والمؤسسات السيادية لقبول فكرة الرقابة المدنية، وأن مصر أمامها وقت طويل حتى يتم قبول أن تراقب أجهزة الدولة المدنية الرقابية كل المؤسسات بما فيها العسكرية». وأضاف أن تلك الرقابة «عُدت لعقود خارج التقليد المصري، لكن حان الوقت أن نقبلها خصوصاً أن على رأس الجهاز المركزي للمحاسبات قاضياً مشهوراً بالنزاهة». واعتبر أن «حال الاستقطاب في المجتمع المصري الآن قد لا تساعد في تطبيق تلك الرقابة»، مشدداً على أن مناقشة مجلس الدفاع الوطني لموازنة الجيش «لا تكفي ولا تفي بغرض الرقابة».