قبضت القوات الفرنسية في مالي أخيراً على شاب تونسي تدرّب في معسكر سري في بلاده، من أجل السفر الى سورية لقتال نظام الأسد «الكافر»، كما يقول. لكنه في اللحظة الأخيرة، وإثر تعثر معاملات السفر، ارسله زعماؤه الى مالي للقتال ضد الفرنسيين. يا له من موقف! فلو توجّه هذا الجهادي الى ضواحي حرب، لتحول حليفاً لسياسة الحكومة الفرنسية، لكنه سلك طريق مالي، وصار عدو فرنسا. في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، دعا لوران فابيوس الى رفع الحظر عن تصدير السلاح الى المعارضة السورية، فسأله نظيره اللوكسمبورغي: «لم أفهم قصدك. هل لك ان تشرح لي ما تقوله. أتريد مساعدة الجهاديين في سورية في وقت تقاتلهم بلادك في مالي»؟ فوزير الخارجية الفرنسي يدعو الى تسليح المعارضين الذين سيقدمون «ضمانات مطلقة» لداعميهم بعدم بيع السلاح للجماعات الإسلامية المعادية للغرب. ولكن هل اقتراح فابيوس دليل سذاجة أم ضعف اطلاع؟ فمثل هذه الضمانات متعذر إثر عبور الأسلحة الحدود التركية – السورية. ومن بديهيات القواعد الاستراتيجية ان الحلفاء - الدمى ليسوا اهل ثقة. والاميركيون قطفوا الثمار المريرة والسامة للتعاون مع الجهاديين في افغانستان. ففي الثمانينات من القرن العشرين، قدّمت واشنطن مساعدات عسكرية لحكومة قلب الدين حكمتيار، وشاغله اليوم هو قتل الجنود الاميركيين. ويبدو أن فابيوس لم يدرك ان الحركة الاسلامية تعولمت، شأن القطاع المالي. كما كان العراق في الامس، صارت سورية قاطبة المتطرفين العنيفين من العالم أجمع. وعمليات ابتزاز المسيحيين صارت رائجة. ولا يمسك المجلس الوطني السوري الذي أبصر النور في الدوحة بمقاليد الامور في الداخل السوري، ولا نفوذ له في مناطق سيطرة المتطرفين. وفي الأعوام الأخيرة، افتقرت الديبلوماسية الفرنسية في الملف السوري الى الثبات والعملانية والواقعية. فبشار الأسد نبذته فرنسا عام 2011، وتقربت منه في 2008. فما الذي تغير؟ أليس الشخص نفسه؟ وسارت فرنسا على خطى الأميركيين وأغلقت سفارتها في دمشق، وخسرت، تالياً، منبر تفاوض مع النظام وفرصة لجمع المعلومات الميدانية. ولا يخفى ان الديبلوماسية هي فن الكلام مع الأعداء والخصوم. وفي 2011، دعت فرنسا الى حوار سياسي يقصي الأسد، وأغفلت أنه هو الدولة السورية. واقتراح تسليح المعارضة السورية أثار استياء روسيا ووسيط الأممالمتحدة، الأخضر الابراهيمي، والحل اليتيم في سورية اليوم هو بدء حوار من غير شروط بين النظام والمعارضة ترعاه موسكو. * معلّق عن «لو فيغارو» الفرنسية، 9/4/2013، إعداد منال نحاس