عندما يجري الحديث عن المواعيد، ومدى صدقيتها، أظن الضمير العربي يكون متصلاً مباشرة، بوعْدين، هما دوماً على اللسان، كلاهما يحمل صفة الذم مع الفارق، غير أن أحدهما «سياسي غربي»، والآخر «اجتماعي عربي»، ولو أردنا الحديث عن الأول ولو بصورة مقتضبة جداً، لقلنا إنه «وعد بلفور» المشؤوم، الذي أتاح للإمبريالية البريطانية أن تمنح وطناً لليهود على تراب فلسطين، بوعد من وزير خارجيتها «بلفور» عام 1917، بمباركة من الحكومة البريطانية الاستعمارية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن والوعد المشؤوم قائم وثابت لم يتغير، على رغم الصياح والنياح، ما جعل العرب، فضلاً عن الفلسطينيين، يدفعون ثمن هذا الوعد البلفوري، الذي يصدق عليه قول الرسول «عليه الصلاة والسلام»، عن شيطان أبو هريرة رضي الله عنه «صدقك وهو كذوب»، نعم بلفور وزير خارجية بريطانيا صدق القول وهي سرقة صهيونية، وقد ثبتت هذه الصدقية والسرقة مئات السنين، والله وحده أعلم، متى يعود الحق إلى نصابه. بعد هذا الوعد ندلف لوعد آخر يطلق عليه العرب بأشعارهم «وعد عرقوب»، وعُرقوب هذا، اسم رجل من العمالقة، من الشعوب العربية القديمة، وهو رجل ميسور الحال، وله بستان من نخل كثير، جاءهُ يوماً فقير، وطلب منه المساعدة، فقال عُرقوب له انظر لهذه النخلة إذا أطلعت، فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه ليأخذ الطلع، فقال له دعها حتى تصير بلحاً، فلما أبلحت قال دعها حتى تصيرُ زهواً، فلما زهت قال دعها حتى تصيرُ تمراً، فلما أتمرت عمد إليها عُرقوب ليلاً، فجدها ولم يعط هذا الفقير شيئاً منها، فصار مثلاً في خُلْف الوعد وعدم الوفاء، وفيهِ قال كعب بن زهير: صارت مواعيد عرقوب لها مثلاً .... وما مواعيدها إلا الأباطيل فليس تنجز ميعاداً إذا وعدت .... إلا كما يمسك الماء الغرابيل تلك قصة وعد «بلفور» ووعد «عرقوب»، وقد يقول قائل ما مناسبة ذلك؟ أقول على مدى سنتين تقريباً، ونحن ننتظر ونترقب بلهفة شديدة ما وعد به مسؤولو الجهات ذات العلاقة «بالاستقدام» من فتح مكاتب تجلب الخدم والعمالة، ثم تؤجرها على المواطنين، لدواعٍ معلومة، هكذا يزعمون ظاهراً، وهكذا كان المواطن المسكين يتأمله، للقضاء على مشكلات الخدم والعمالة المؤرقة والمزعجة، لكن الحقائق في ما يبدو تقول غير ذلك، وتسير بسرعة فائقة عكس ما خطط له ظاهراً، نعم بدأت الصدقية تتلاشى رويداً رويداً، ومرة أخرى قد يقول قائل، كيف لك أن تصدر هذا الحكم الجزافي؟ قلت أنت ترى بأم عينيك في الصحف اليومية، التصاريح التي تقف خلف هذه العكسية المتناهية، رسخت صورهم في أذهاننا أكثر من صور أبنائنا، وحفظنا كلامهم أكثر من حفظنا للأذكار، وقديماً قيل «يا شين كلام البدو من كثر ترديده»، ومن البدهيات عند البدو، لا يمكن للذئب أن يحرس الغنم، فكيف بمن يملك شركات استقدام خاصة وكبيرة وهو في الوقت ذاته المسؤول المتصرف، ويمكن للمتابع الجيد أن يؤلف سفر، يحوي وعوداً كثيرة، يتسابق ويتصارع بشأنها مسؤولو هذه المهنة من خلال تصاريحهم الوعدية، حول بدء أعمال شركات الاستقدام وقربها، لاستفادة المواطنين من خدمات العمالة من دون عناء، ولا تعدو كونها للاستهلاك، ليس إلا! وهي في الحقيقة «وعيد مبطن، وليس وعداً على وجهه». مواعيد هؤلاء، ينطبق عليها بالتمام والكمال، مواعيد «عرقوب»، قالوا ستبدأ الخدمة بعد ستة أشهر، ثم مضت، فقالوا ستبدأ بعد عام، ثم مضت، قلت بنفسي والله، هذا «عرقوب» ما غيره! يلعب على الحبلين، من دون حسيب ولا رقيب «ومت يا حمار لين يجيك الربيع»، لكن الذي لم أفهمه حتى هذه اللحظة، كيف يُسمح لأشخاص لديهم «شركات استقدام خاصة» عينك عينك، يتولون أمراً موضوعه «خدمي»، «مالي» بحت، ذات علاقة مباشرة بالمواطن؟! ألا ترون يا سادة يا كرام، أن «الأكمة وراءها ما وراءها». هذا الأمر لا يستقيم بهذه الآلية المهترئة، ولا بد من تدخل الجهات المختصة وإن لزم الأمر «وزارة الداخلية» لبسط سلطتها، أو على الأقل هيئة مكافحة الفساد، لإيقاف سيناريو هذا المسلسل الهزيل، الذي مضى عليه وقت طويل، ولم يتحقق على أرض الواقع، قلت «كأنك يا بو زيد ما غزيت»... ودمتم بخير. [email protected]