مواعيد عرقوب – كما نعرف - يضرب بها المثل في الكذب وإخلاف الوعد ، وعرقوب رجل من خيبر ، ويقال إنه من العمالقة أتاه أخوه يسأله فقال له عرقوب إذا أطلعت تلك النخلة فلك طلعها فلما أطلعت أتاه للعدة فقال له دعها حتى تبلح فلما أبلحت أتاه فقال دعها حتى تزهى فلما زهت قال دعها حتى ترطب فلما أرطبت قال دعها حتى تتمر فلما اتمرت سرى إليها عرقوب من الليل فجدَّها ولم يعط أخاه شيئاً فسارت مواعيده مثلا سائرا في الأمثال كما قال كعب بن زهير. صارت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيدها إلا الأباطيل فليس تنجز ميعادا إذا وعدت إلا كما يمسك الماء الغرابيل وهذا المثل ذكرني به بعض العرب لدينا - وأقول العرب لأن هذا لا ينطبق على غير العرب ، فلقد تميزنا به دون غيرنا - والذين تأخذهم الحماسة مثلا في معظم المناسبات فيطلقون الوعود بشيء معين ومحدد ، ثم بعد تلك المناسبة ، تسألهم عن وعودهم فيتنصلون منها دون خجل أو حياء . وخذ مثلا أحد الحضور ممن يشار له بالبنان سواء المادي أو المعنوي قد لفت نظره هذا الطفل الذي قرأ القرآن في الحفل من خلال صوته الشجي ومخارج الحروف والتجويد والحفظ والثقة بالنفس ، فيقوم بعد الحفل ويعلن أن يعطي هذا الطفل مبلغا من المال ، ويرعاه من خلال تكفله بإكمال دراسته في أرقى المدارس وحتى لو احتاج الأمر أن يبتعث إلى خارج البلاد ، أو لفت نظره مقدم الحفل بحسن الإلقاء وإجادته للغة العربية بل والقراءة دون ورقة يمسك بها بيده ، فيتعهد بأن يرعى هذا الشاب ويهتم به ويمنحه هدية قد تكون مالا أو سيارة أو منزلا ، بل وقد يهدي له إبنته زوجة على سنة الله ورسوله لقاء ما وجد فيه من روعة الصفات ، ومثله الشاعر الفحل ولا عب الكرة الذي لا يخطئ الهدف ، وغيرهم كثير ممن نجد أن الهبات نزلت عليهم كالغيث من السماء ، لكننا بمجرد انتهاء الحفل أو المناسبة أو المباراة نجد صاحب الوعد الأكيد يتوارى عن الأنظار فجأة وكأنه قالب ثلج أو فص ملح ذاب لا أثر له ، بل إن الموعود لو عرف منزله أو مقر عمله أو شركته ووصل إليه وقال له أين ما وعدتني به تجده يختلق الأعذار بحجة أن مشغول ، فيقول له لعلك تأتي غدا أو بعد غد أو الأسبوع القادم أو الشهر القادم أو لا يتوفر الآن وغيره من الأعذار المعلبة حتى يمل صاحبه ويتركه في حال سبيله دون جدوى فيكون مثل عرقوب أو أشد . أقول : كل هذه الخواطر جاءت على بالي حينما قرأت قبل فترة عبر بعض الصحف ومواقع النت وعلى لسان منتصر الزيدي ، هذا المواطن العراقي الذي لم يحتمل احتلال الولاياتالمتحدةالأمريكية للعراق فقام خلال حفل وداعي للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن وأثناء تمثيله لإحدى القنوات التلفزيونية العراقية بقذف الرئيس بوش بحذاءيه الاثنين تعبيرا عن سخطه وعدم رضاه عنه ، فقام معظم العرب وألقوا المعلقات من القصائد تمجيدا لهذا البطل الذي رفع رأس العرب – بصرف النظر عن الرأي الشخصي حول ما قام به – لكن الذي يهمني هي تلك الوعود التي انهالت عليه من قصور ومبالغ مالية وسيارات وعروض تلفزيونية وبطولة مسلسل ، وحتى بلغ الأمر ببعضهم أن تنافسوا بإهدائه بناتهم زوجات له لقاء بطولته . والخلاصة ، أتدرون ماذا قال خلال المقابلة ؟ لقد قال وكله أسى بأن كل ما قيل لم ير منه شيئا ، بل إنه خسر عمله ومنزله ويعيش مع أسرته فقيرا معدما بعد أن تم فصله من القناة التي يعمل بها ، بل إنه يخشى على حياته ، بل والطريف أنه يقول حتى الزوجة لم أرها فمن يدلني على والدها ؟ وهنا أؤكد أن بعض العرب فعلا ظاهرة صوتية ومواعيد عرقوبية.. أسعد الله أوقاتكم..