الكثير من الأسئلة يمكن طرحها بعد قراءة تقارير مؤسسة دولية حقوقية تتمتع بقدر جيد من الاحترام، مثل «هيومان رايتس ووتش»، حول الصراع القائم في بورما بين الغالبية «البوذية» وأقلية «الروهانغ» المسلمة، من حيث توصيف الصراع على أنه اضطهاد ديني، وحرب أهلية، والدعوات المتكررة من المنظمة إلى وقف التحريض من رجال الدين البوذيين ضد المسلمين، ووقف الاضطهاد الممنهج من حكومة بورما للأقلية المسلمة. على رغم هذه التوصيفات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، إلا أن أحداً لم يصف البوذيين بأنهم مجرمون يضطهدون الآخرين، ويمارسون التطهير العرقي، والأعمال الإرهابية ضد جزء من شعبهم، أو التعامل معهم على غرار التعامل مع الدعاة المسلمين الطائفيين والمحرضين على العنف في البلدان العربية، أو التعامل مع البوذية بالأوصاف التي يتم التعامل فيها مع الإسلام ليل نهار في وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً بالحديث عن الحال الجهادية الإسلامية، إن صحت التسمية، كأفعال دموية متطرفة تصدر عن متعطشين إلى الدماء. من جانب آخر، لماذا تعتبر الإساءة إلى اليهودي «عداءً للسامية» يعاقب عليه القانون في الكثير من دول العالم، بينما تعتبر الإساءة إلى المسلم «إسلاموفوبيا»؟ ما الفرق بين المفهومين اجتماعياً وقانونياً؟ كل المسألتين تقع في إطار متقارب، يمكن معالجته من خلال بحث دوافع هذه التسميات ومعناها، وأسباب هذا التنميط ومغزاه، فعلى سبيل المثال: مفهوم العداء للسامية يحوي حمولة تاريخية هائلة في التراث المسيحي، ينظر لهذا التراث على أنه سبب المآسي التي تعرض لها اليهود، إبتداءً من «الغيتو» في المدن الأوروبية، وحتى محاولات الإبادة خلال الحرب العالمية الثانية، كذروة لهذا العداء من النازيين، بينما الحديث عن «الإسلاموفوبيا» يحتوي الكثير من التعذر والمجاملة، باعتبار «الفوبيا» سلوكاً غير عقلاني، وبالتالي هو يصدر عن نزوع نفسي واجتماعي لا يملك الإنسان رادعاً له، ومن هنا يكون السلوك ضد المسلم مجرد فعل لا عقلاني من شخص غير مسؤول مصاب ب«فوبيا» ناتجة عن تسربات نفسية وتنشئة اجتماعية، وهنا يمكن التساهل معه وعدم إدانته قانونياً وأخلاقياً، بينما العداء للسامية هو فعل قصدي متعمد وعنصري، ومن هنا فهو مدان بشكل كامل أخلاقياً وقانونياً، أما عن سبب هذه التفرقة فلها الكثير من التفسيرات. الأول: مرتبطة بمسألة الصورة النمطية، بحيث تم تنميط المسلم على أنه إرهابي، وعنيف، ومن هنا يتم استحضار هذا المسلم مع كل حادثة دموية، لذا على سبيل المثال سارعت بعض الصحف والقنوات الأميركية إلى الحديث عن «مشتبه به» سعودي في انفجار «بوسطن» قبل أيام، ونقل هذا الاتهام عبر إحدى القنوات العربية، بينما اتضح أن لا مصدر موثوق للخبر، وتم نفي القبض على أي مشتبه به في الحادثة من السلطات التي تتناول التحقيق في الموضوع، كما حدث في الحادثة الإرهابية التي ضربت «النروج» قبل أعوام، عندما سارعت إحدى الصحف العربية إلى إعلان مسؤولية منظمة إسلامية إرهابية عن الحادثة، فتبين أن مرتكب العملية يميني مسيحي متطرف بعيون زرقاء وشعر أشقر. هذا التنميط عزز صورة الإسلام بأنه دين عنف، بينما لم يقل هذا الأمر على البوذية، على رغم أن المنتمين للدينين قاما بالأفعال نفسها تماماً في بعض المناسبات، وهذا التنميط هو الذي يجعل الأعذار تقدم في حال الإساءة إلى مسلم من خلال استخدام وصف «الإسلاموفوبيا»، بينما لا يتم الحديث بالمنطق ذاته عن اليهودي و«العداء للسامية»، كما لا يجعل وسائل الإعلام تصف الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين بأنها أعمال إرهابية، بينما يتم استخدام المصطلح مع أفعال المقاومة الفلسطينية التي تجد سنداً قانونياً لها حتى في تشريعات الأمم المتحدة! التنميط بهذه الطريقة هو نتيجة لعوامل جعلت وسائل الإعلام ترسخ هذه الصور في أذهان الناس، وجعلت القوانين والمفاهيم تصاغ على هذا الشكل من التفرقة، فهناك سوق سياسية وأمنية ضخمة قائمة على مسألة «شيطنة» الإسلام، فاليمين المتطرف في أوروبا، ولأسباب سياسية «انتخابية»، واقتصادية، وعنصرية، قاد حملات «شيطنة» للمهاجرين الذين ينحدر غالبيتهم من دول إسلامية، هذه الحملات أدت إلى أمرين: زيادة المتعاطفين مع أفكار اليمين المسيحي العنصري، والضغط على الأحزاب الليبرالية، بل اليسارية في بعض الأحيان، لتبني أجندة هذا اليمين، وإن بصورة مخففة، لكسب أصوات الناخبين. كما أن مسؤولي الأمن في أوروبا مستفيدون من هذه الحملات، لإعطائهم صلاحيات تحكمية أوسع، مثلما حدث في اضطرابات الضواحي في باريس، على رغم وجود إجماع «حتى مع الحزب اليميني الفرنسي» بأن الأحداث مرتبطة ب«تفاوت طبقي» لا مسألة صراع هويات دينية، لكن هناك سوقاً أمنية قائمة على «شيطنة» الإسلام، مكونة من عشرات الشركات الأمنية، ووسائل الإعلام، ومئات المحللين والإعلاميين العرب الذين يطرحون أنفسهم كخبراء في الحال الإسلامية، وكل ما يرغبون فيه هو إثبات الانطباعات والصور النمطية المتوارثة عن المسلمين منذ كتابات الاستشراق الأولى، إلى آخر عملية إرهابية اتهم فيها مسلمون... وتمرر هذه الصراعات بصورة حرب رموز، من منع المآذن في سويسرا، وحتى تغريم من تلبس النقاب في فرنسا. من هنا، لا يوجد مصلحة لوسائل الإعلام لتشكيل صورة نمطية عن البوذية كدين عنف، أو البوذيين كدعاة إبادات عرقية واضطهاد ديني، بينما يوجد لها الكثير من المصالح في وصف الإسلام والمسلمين بهذه الصفات. * كاتب سعودي. [email protected] @balrashed