بدا معظم النواب الأعضاء في لجنة التواصل النيابية في حيرة من أمرهم وهم يبحثون عن أدق التعابير في توصيفهم للحائط المسدود الذي وصلت إليه اللجنة في اجتماعها الثاني أمس. وانبرى بعضهم إلى القول: «أمضينا أكثر من ساعتين في حوار الطرشان بحثاً عن قواسم مشتركة تدفع في اتجاه التوافق على قانون انتخاب مختلط يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي»، فيما اختصر البعض الآخر الأجواء التي سادت الجلسة بقوله إن المثل الشعبي القائل «دق الماء تبقى ماء» يختصر المأزق الذي نتخبط فيه. ومع أن النائب في حزب «القوات اللبنانية» جورج عدوان كان حدد مدة 5 دقائق من انعقاد الجلسة لاختبار مدى الاستعداد للدخول في صلب النقاش حول العناوين الرئيسة المتعلقة بالقانون المختلط بذريعة أنه ينتظر من ممثلَي «حزب الله» النائب علي فياض و «التيار الوطني الحر» النائب آلان عون أن يدليا بدلوهما للمرة الأولى معلنين وجهتي نظرهما من هذا القانون، فإن الأخير رفض التعليق وطلب من زملائه المؤيدين المختلط طرح ما عندهم من أفكار في القانون أو في غيره. أما فياض، فحرص في مداخلته على أن يقتبس من رئيس المجلس النيابي نبيه بري قوله «إننا نؤيد ما يجمع عليه الفرقاء المسيحيون» قبل أن يبادر النائب في حركة «أمل» علي بزي وبالنيابة عنه إلى طرح مشروع لقانون مختلط يساوي بين الأكثري والنسبي. ورد النائب في «المستقبل» أحمد فتفت على فياض بقوله: «يعني أنكم مع إبرام صفقة بين الشيعة والمسيحيين حول قانون الانتخاب، فأين البلد من هذا الطرح وكيف يمكننا من خلاله تحقيق الشراكة الوطنية؟». مع أن بري كان عبر عن هذا الموقف قبل أن يطرح مشروعه في خصوص المختلط. وأوضح فياض: «أنا لا أقصد الدخول في صفقة مع حليفنا التيار الوطني الحر، وما أقوله يتجاوزه إلى الفرقاء المسيحيين الآخرين». وقال إن «حزب الله» مع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ويدعم كل الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار إضافة إلى «أننا نتطلع مع حلفائنا إلى هذا الاستحقاق للحصول على الغالبية النيابية في البرلمان، لا سيما أن المجتمع الدولي يدعم إنجازها وعدم تأجيلها. لكن معظم المشاريع المطروحة تصب لمصلحة قوى 14 آذار وتتعارض مع تحقيق التوازن السياسي وتأمين صحة التمثيل المسيحي وتوفير الغموض البناء الذي يصعب على أي طرف قراءة نتائج الانتخابات قبل إتمامها». وتدخل عضو «جبهة النضال الوطني» النائب أكرم شهيب وقال إن «اللجنة النيابية التي تجتمع اليوم غير مكلفة رسمياً من البرلمان ونحن الأعضاء فيها تطوعنا من أجل البحث عن قواسم مشتركة حول القانون المختلط وبالتالي من الأفضل أن نتوافق على بعض العناوين من أن نذهب إلى الجلسة النيابية في 15 أيار (مايو) المقبل ونحن على اختلاف». وسأل شهيب: «كيف سيكون الوضع في هذه الجلسة في حضور 128 نائباً بينما نحن في اللجنة 10 نواب لا نستطيع التوصل إلى حد أدنى من القواسم المشتركة؟». وقال إن تلويح البعض بالعودة إلى مشروع اللقاء الأرثوذكسي ما هو إلا شهوة عابرة، في إشارة إلى قول عون «إننا نبحث في المختلط وغيره». وتحدث النائب فتفت مجدداً وقال: «نحن في الأساس كنا مع قانون الانتخاب القائم على النظام الأكثري لكننا عدلنا موقفنا رغبة منا في الوصول إلى توافق حول المختلط لأننا نريد إجراء الانتخابات في موعدها ومن لا يرِد فليعلن موقفه من دون مواربة». وعاد عدوان إلى القول: «الرئيس بري طرح مشروعه الذي يساوي فيه بين الأكثري والنسبي ونحن في «القوات» نعتبر أن هذا الطرح يشكل قاعدة انطلاق للوصول إلى قانون توافقي يتلاقى عليه الجميع إضافة إلى أن هناك مشاريع أخرى مطروحة»، في إشارة إلى المشروع الذي تقدمت به «جبهة النضال الوطني» والذي ينص على 70 في المئة أكثري و30 في المئة نسبي. وتوافق شهيب وفتفت وعدوان سيرج طور سركيسيان على طرح جميع هذه المشاريع ومناقشتها في لجنة التواصل، باعتبار أنها تشكل مروحة واسعة من القوانين الجامعة لمبدأ اعتماد المختلط. وقال هؤلاء: «نحن هنا لنستمع إلى آراء الزملاء ممن أحجموا حتى الآن عن إبداء آرائهم في المختلط» خصوصاً أن بزي عاد وجدد طرحه اقتراح بري في هذا الخصوص، لكن اللافت كان في قول عون: «كنا سمعنا بهذه المشاريع وأبدينا رأينا فيها». ورد شهيب: «يبدو أن هناك من يصر على الإحجام عن إبداء رأيه في المختلط وكأنه ما زال يراهن على مشروع آخر». فيما جدد النائب في «حزب الكتائب» سامي الجميل تمسكه بتصغير الدوائر الانتخابية. وعاد عدد من النواب المؤيدين المختلط إلى اعتبار أن «كل ما سمعه من أحاديث حول مشاريع انتخابية لا يمت بصلة إلى المختلط». ولاحظ شهيب أن هناك من يريد ربط قانون الانتخاب بتشكيل الحكومة الجديدة وهو يتصرف الآن كمن يستخدم موقفه من القانون ورقة ضغط لتسهيل تأليفها كما يريد. فرد فياض وعون بأنهما لا يربطان قانون الانتخاب بالحكومة. وأجمع عدد من النواب من دعاة التوافق على المختلط، على أن النقاش الذي ساد الجلسة «يعيدنا إلى المربع الأول في البحث عن قانون مختلط لا بل إلى نقطة الصفر». وأكدوا أن اجتماع اللجنة الثلثاء المقبل لن يحمل أي جديد ما لم تتسارع الاتصالات لتحقيق حد أدنى من الخرق يسمح فعلاً بالدخول في صلب البحث عن أفكار مشتركة لقانون مختلط توافقي. صيغة عدوان... والملاحظات الثلثاء وكانت اللجنة استكملت المناقشات والبحث من اجل التوصل إلى جامع مشترك، وبعدما طرح كل عضو هواجسه وملاحظاته تقدم النائب عدوان بمنهجية وصفت بأنها «عملية لتقريب وجهات النظر لتسهيل المهمة»، ووزع على الأعضاء جدولاً انطلاقاً من اقتراح الرئيس بري ليضع كل عضو ملاحظاته على ما يوافق عليه أو لا يوافق عليه وتقديم الملاحظات بالتفصيل على كل نقطة مختلف عليها، ومن ثم عرض الجدول بما هو متقارب ومتباعد ليطرح على النقاش خلال جلسة الثلثاء المقبل. وسترى اللجنة ما إذا كانت تستطيع إنهاء الموضوع بشكل توافقي في الجلسة المقبلة للتوصل إلى تقديم اقتراح للهيئة العامة. وأكد رئيس اللجنة روبير غانم أن «لا موقف مسبقاً لأي من أعضاء اللجنة». وقال: « نحن منفتحون على أي شيء يوصل للتوافق، ولا فيتو على أي اقتراح، والأبواب ليست مقفلة في أي اتجاه». وقال فياض في تصريح خارج الجلسة إن «موقفنا إيجابي وتسهيلي يسعى إلى دفع التوافق إلى الأمام. نحن مستعدون للموافقة على ما تتوافق عليه القوى المسيحية ولتتفق في ما بينها على أي مشروع انتخابي، وعندما تتوافق على صيغة ما وليسموها ما يشاؤون إن كانت صيغة مختلطة أو غير ذلك نحن سنوافق عليها وعلى الجميع ألا يتحسس من هذا الموقف إذ من شانه تذليل العقد. وجاهزون للموافقة من دون تردد على أي صيغة تؤمن صحة التمثيل المسيحي». ورد فتفت على فياض قائلاً: «تقدمنا بالكثير من الاقتراحات وأردنا أن يبدأ النقاش من اقتراح الرئيس بري، وحتى هذه اللحظة هناك فرقاء لم يتقدموا باقتراحات تؤكد رأيهم باقتراح بري وألى أين يمكن الوصول به». وأضاف: «ما قاله الزميل علي فياض هو عود على بدء، وهذا ما حصل في موضوع اللقاء الأرثوذكسي، ومن هذه الناحية ما من جديد وكأنها محاولة لحشر تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في زاوية المفاوضات». ورأى أن «من لا يفتح أوراقه الثلثاء المقبل ويضعها على الطاولة لا نية لديه للتوافق ونحن بانتظار الثلثاء. ويجب أن يقول كل شخص ما يريد من تعديلات على اقتراح الرئيس بري وما هي ملاحظاته ونتمنى من كل الأطراف التي اعتبرت أن طرحه يبنى عليه أن يعطينا ما هي إرادته بهذا الموضوع، لا أن يقول نحن مع المسيحيين، نحن قدمنا تنازلات كثيرة وذهبنا من القانون الأكثري إلى القانون المختلط وقبلنا أن يبدأ الطرح من طرح بري، ولم نر تنازلات من الفريق الآخر». وأعلن عدوان «أننا أمام حلين الأول أن نطلع اللبنانيين خلال جلسة الخميس (بعد جلسة الثلثاء) على حد أقصى بما يجب أو إعلان أننا لن ننجح بذلك». ولفت إلى أن «الرئيس بري اقترح قانوناً انتخابياً اقرب إلى التوافق». وشدد على أن «من يراهن على انه لن تكون هناك جلسات للهيئة العامة ولن يُطرح قانون جديد وسيتم التمديد للمجلس أو العودة للستين رهانه خطأ»، معتبراً أن « البلد لا يتحمل إلا قانوناً توافقياً وسنحاول الوصول إليه أو نذهب للتصويت في المجلس ولا عودة لقانون الستين». أما عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب آلان عون، فأيد ما طرحه فياض وأكد «أننا منفتحون على أي صيغة تؤمن معيار صحة التمثيل ولا نريد حصر الموضوع بالقانون المختلط». وأكد النائب سامي الجميل أن «ليس لدينا أي نية لعرقلة أي شيء واعتراضنا يتم بشكل ديموقراطي وحضاري»، معرباً عن شعوره بأن «هناك طبخة تطبخ بمكان ما لتمرير قانون يعيدنا إلى ما هو أسوأ من قانون الستين». وأعلن أن «اعتماد القضاء كدائرة انتخابية في الأكثري هو عودة إلى الستين واعتماد الدوائر الكبرى في النسبية يعني عودة البوسطات وإغراق الأصوات بالكتل الكبيرة ونحن سنعترض على هذين الطرحين»، مؤكداً أن «ليس المهم تغيير القانون فقط بل إيجاد قانون افضل من الموجود». وأمل من كل الفرقاء الإتيان باقتراحات تحسن التمثيل في جلسة الثلثاء. أما النائب علي بزي الذي توجه والنائب فياض فور انتهاء الجلسة إلى دارة الرئيس بري للتشاور وإطلاعه على ما دار داخل اللجنة وما خلصت إليه فقال ل «الحياة»: «إن صيغة الرئيس بري فيها الكثير من التنازلات وهو تقدم بها كرئيس للمجلس النيابي وليس كرئيس لحركة أمل وهي بمثابة خلطة تأخذ في الاعتبار مواقف كل الأطراف وتجعل الكل يربح، وأكدت أمام اللجنة باسم الرئيس بري أن أي شيء يحظى بالتوافق من قبلكم نحن نوافق عليه».