بعدما أخفقت اللجنة «الفرعية» النيابية اللبنانية في التوصل إلى صيغة توافقية في شأن قانون الانتخاب، تسلمت اللجان المشتركة المهمة، فانطلقت في جلستها الصباحية امس، والتي ستتواصل على مدى أربعة أيام بجلسات صباحية ومسائية، بدرس مشاريع واقتراحات القوانين الانتخابية المدرجة أمامها وفي مقدمتها مشروع اللقاء الأرثوذكسي. وتميزت الجلسة التي ترأسها رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري الذي وصف نواب يعارضون «الأرثوذكسي ل «الحياة» دوره بأنه «استيعابي»، بمشاركة قوى 14آذار التي تخلت عن مقاطعتها معتبرة أن درس القوانين الانتخابية مستثنى منها. فحضر رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، والنواب بطرس حرب وأحمد فتفت وجورج عدوان ومروان حمادة. وسبقت الجلسة لقاءات في مكتب بري: الأول ضمه والسنيورة ومكاري والثاني مع حرب والثالث مع عدوان والرابع مع حمادة. وفي صالون النواب عقد فريق الأكثرية اجتماعاً تنسيقياً لجهة كيفية التعاطي مع حضور نواب «المستقبل»، ثم توجه إلى مكتب بري للقائه. وتحولت الجلسة إلى ما يشبه الجلسات العامة وبدأت بالتوسع في النقاش القانوني والميثاقي وفي مناقشات خارجة عن الموضوع، وكان الملاحظ، وفق نواب، أن المناقشات حول «الأرثوذكسي» الذي تناولت المادة الأولى منه «كرست الانقسام السياسي القائم بعدما انقسم المجتمعون إلى جبهتين متقابلتين واحدة تدافع بقوة عنه وثانية تصفه بمشروع فتنة. فيما اعتبرت غالبية النواب أن بري «يعمل على قانون انتخاب جديد، وأن القانون المختلط هو الأفضل». وتمثلت الحكومة في حضور وزراء الداخلية مروان شربل والخارجية عدنان منصور والعدل شكيب قرطباوي والإعلام وليد الداعوق. وفي بداية الجلسة رحب رئيس المجلس بنواب «المستقبل»، وقال:»اسمحوا لي جميعاً وباسم الجميع أن أرحب بكل أخ من الإخوة الحاضرين الذين في ابتعادهم عن بعضهم بعضاً ولا أقول مقاطعتهم، فكلما ابتعدنا عن بعضنا سنرى نتائج وخيمة، ليس في المجلس النيابي وحسب، بل في كل لبنان، وكلكم يعلم ماذا يدور حولنا، وحرب الصناديق الانتخابية لا يفترض أن تكون إلا لمصلحة لبنان، وليس لطائفة أو مذهب، وإذا لم نتفق مع بعضنا فهناك خطر على لبنان». وبعد كلمة بري، وتلاوة رئيس اللجنة الفرعية النائب روبير غانم تقرير اللجنة، ومداخلة للنائب حرب رفض فيها المشروع الأرثوذكسي، أدلى مكاري بمداخلة طلب فيها تصحيح الخطأ الشائع «إذ لا يجوز أن يسمى هذا القانون «القانون الأرثوذكسي» لأن هذه التسمية توحي بأنه قانون تتبناه الطائفة الأرثوذكسية وهو حتماً ليس كذلك. هذا الالتباس قد يكون ناجماً عن أختصار لفظي، ولكن ما لا لبس فيه على الإطلاق أن الطائفة الأرثوذكسية تلفظ هذا القانون». وأكد أن «هذا القانون مخالف لدستور القيم الأرثوذكسية، وليس فقط للدستور اللبناني ولروح اتفاق الطائف وللميثاق الوطني، وعندما أقول دستور القيم الأرثوذكسية، أتحدث هنا عن قيم الانفتاح ومحبة الآخر التي شدد عليها قادتنا الروحيون أمس. ونحن معهم نجدد التأكيد أن الأرثوذكسية تنبذ كل روح فئوية، وستبقى صامدة أمام رياح التعصب والقوقعة، وأن لبنان سيبقى أرض لقاء وانفتاح، وبالتالي لا يمكن أن يحمل قانون الانغلاق صفة الأرثوذكسي». وأضاف : «من أجل حماية الملكية الفكرية، سموه قانون إيلي الفرزلي، مع الاحترام وحفظ الألقاب، فهو حتماً ليس ملكية فكرية للطائفة لأنه لا يعبر أصلاً عن الفكر الأرثوذكسي، بل هو سلعة تجارية مقلدة لتحقيق الربح الانتخابي. سموه القانون الطائفي والمذهبي. سموه قانون المتاريس. أو قانون المزايدات. أو الفتنة. سموه قانون تصفية الحسابات بين بعض المسيحيين، ولكن لا تحسبوه على كل المسيحيين. سموه قانون ألان عون ونعمة الله أبي نصر. قانون الإصلاح والتغيير. سموه قانون الأحزاب الثلاثة، ولكن بالله عليكم لا تلصقوه بمن يصلبون بالثلاثة». وبعد اعتراض من نواب كتلة «المستقبل» على المشروع الأرثوذكسي ورفض السير فيه أو التصويت عليه لأنه لا يحظى بتأييد مجمل مكونات الشعب وإنما يزيد الشرخ ويؤدي إلى تفتيت البلد بسرعة ويحوله إلى مجموعات طائفية ومذهبية عدا عن انه ينتهك نصوصاً في الدستور ويتناقض مع العيش المشترك، رد بري قائلاً: «لن انهي المناقشة بالتصويت على المشروع. دورنا ونحن نناقش المشروع الأرثوذكسي هو ان نطبخ قانوناً. جميعنا هنا ونحن نواصل المناقشة للتوافق عليه». وعكس كلام بري اطمئناناً لدى نواب «المستقبل»، فأكدوا «ان لا مشكلة لدينا إذا كان الموقف كذلك». شهيب يعوّل على «منطق الجمع لدى بري» وأكد عضو «جبهة النضال الوطني» النائب أكرم شهيب «أننا نسعى إلى توافق وإلى تفاهم اكثر من الدوحة وأقل من الطائف». وإذ اكد أن «الأرثوذكسي لن يمر»، معولاً على منطق الجمع لدى الرئيس بري، اعتبر في مداخلة داخل الجلسة أن «مشروع الأرثوذكسي اغتيال للاعتدال وقتل للحياة السياسية وإنهاء للأحزاب لمصلحة المذاهب والتطيف فيها». وقال ان «ما عجزت عنه الحرب اللبنانية يجب الا نعطيه بالقانون. فقانون الستين جاء على أساس انتهاء الحرب الى لا غالب ولا مغلوب». وتوجه الى بري قائلاً: «انت يا دولة الرئيس تحدثت عن ان تكون حرب الصناديق لمصلحة الوطن وليس لمصلحة الطوائف والمذاهب ونحن معك. ونحن مع التوصل الى قانون يمثل روحية اللاغالب واللا مغلوب ويراعي هواجس الجميع. ان شباب لبنان ينتظرون إلغاء الطائفية السياسية فهل نأخذهم نحن الى المذهبية السياسية، ونحن طرحنا اقتراحاً متقدماً في هذا السياق ولم نلق تجاوباً». وأيد فتفت كلام شهيب عن أن «الأرثوذكسي» اغتيال للاعتدال. ثم عاد وتبناه الرئيس السنيورة في تصريح له خارج الجلسة. ثم تحدث عضو كتلة «الكتائب» النائب سامي الجميل وبعدما دافع عن «الأرثوذكسي». شدد على ان هدف «الكتائب» تصحيح التمثيل المسيحي «فهناك ظلم كبير يلحق بالمسيحيين منذ 23 سنة تجب معالجته». لكنه اعتبر ان «الحل يكون بالاقتراح الذي تم عرضه ويقول بإنشاء مجلس شيوخ وباللامركزية الإدارية. وإذا كنا حريصين على التمثيل الصحيح فعلينا العمل على الصيغ المشتركة لتحقيق الإجماع والتمثيل الصحيح، وفي حال عدم التوصل الى مثل هذه الصيغة فنحن ذاهبون للتصويت على الأرثوذكسي». ودافع النواب العونيون، لا سيما ألان عون وإبراهيم كنعان ونعمة الله أبي نصر، عن «الأرثوذكسي» بقوة. وقال أبي نصر ان «النواب المسيحيين في بعض الدوائر جاؤوا الى النيابية على طريقة «الكومسيون» ولذلك ندعم مجيئهم من قبل الناخب المسيحي». ورد عليه فتفت قائلاً: «هذه عقلية تجار في النظر للموضوع وليست عقلية سياسية. وعلى كل حال مشروعكم يظلم كل الطوائف ما عدا الطائفة اليهودية». اما كنعان فلفت إلى «اننا لن نساوم على المشروع الأرثوذكسي». وقال: «نحن مع التوافق ولكن ليس على حساب المناصفة والدستور، وكل قانون لا يؤمن المناصفة الفعلية لن نمشي فيه»، داعياً الى الذهاب للتصويت على «الأرثوذكسي». فيما سأل ألان عون: «هل تحقيق المناصفة الحقيقية يشعر الآخرين بالغبن؟». وقال: «الأرثوذكسي حاز غالبية الكتل النيابية في «الفرعية» وانه يؤمن مناصفة ومشاركة فعلية للمسيحيين لا ان يكونوا تبعيين». وفيما التزم النواب المنتمون الى كتلة بري في الجلسة الصباحية بالصمت، وكذلك نواب «القوات اللبنانية»، دافع النائب علي فياض (حزب الله) عن موقفه الذي كان ادلى به في اللجنة «الفرعية» بتأييد المشروع الأرثوذكسي، واكد «ميثاقيته ودستوريته» لأنه يؤمن التمثيل الصحيح ويريح المسيحيين ويؤمن لهذه الناحية العيش المشترك كما جاء في الدستور. وسأل المعترضين بحجة انه يزيد من المذهبية في البلد بالقول: «الا يختار الناخب مرشحه وفق القانون الحالي على أساس مذهبي؟». وقال: «للحريص على المساواة والعيش المشترك هناك مشروع واحد يلبي كل المتطلبات التي وردت في الدستور هو لبنان دائرة واحدة مع النسبية. اما كل الاقتراحات والمشاريع المقدمة فتسجل عليها الملاحظات نفسها التي تسجل على الأرثوذكسي». وقال النائب مروان حمادة ل»الحياة» ان «هناك قانونين يفجران البلد، الأرثوذكسي والستين»، مؤكداً أننا «سنعود الى المختلط بناء على التوازن» وقال: «لن نصل الى التصويت على الارثوذكسي والجلسة طويلة والرئيس بري اعطى النقاشات مداها وقد تستمر الى ما بعد «الويك اند». وتوقع ان «يعاد طرح صيغة رئيس المجلس المختلطة مع تعديلات تتناول بعض ما ورد في مشروع فؤاد بطرس والنائب الجميل». السنيورة: «كالمستجير من الرمضاء بالنار» وبعد انتهاء الجلسة قال السنيورة: «عندما اغتيل اللواء وسام الحسن، كان هناك موقف لتيار المستقبل بمقاطعة أي جلسات تحضر فيها الحكومة. ولكننا قلنا إن الاجتماعات من أجل إقرار قانون الانتخاب ستكون مستثناة من هذه المقاطعة، وعلى ذلك جرى أكثر من جهد نيابي للتوصل الى صيغة يتفق عليها جميع المشاركين». واضاف: «ما يستدعي الحضور والمساهمة هو أن هناك أمراً معروضاً على المجلس وعلى اللبنانيين، وهو «اللقاء الأرثوذكسي»، فهذا الطرح يؤدي عاجلاً الى تفتيت البلد، وتفاقم الوضع المتشنج للأسباب التي شهدناها خلال الفترة الماضية». وقال: «واليوم جرى استعراض مطوّل، بدءاً بهذا الاقتراح. ومجمل المناقشات كانت تتم بهدوء وبرغبة من الجميع بالاستماع الى الرأي الآخر، ونحن أدلينا بوجهة نظرنا بوضوح وحاولنا نحن وغيرنا أن ندلي بدلونا من أجل المعالجة، لكن هذا الطرح هو كمن يحاول حل مشكلة، ليقع في مشاكل أدهى وأكبر منها، وهو ما سميناه كالمستجير من الرمضاء بالنار». وحذرمن ان هذا «المقترح يؤدي الى إخلال ومناقضة العيش المشترك، كما انه ينتهك الدستور ويخرقه في أكثر من نص واضح لا سيما في مقدمته». وقال: «على رغم موقفنا المعترض على الاقتراح الآيل الى اعتماد الأسلوب المختلط أي النظام الأكثري مع النظام النسبي، ولأسباب عددناها في أكثر من مناسبة، وبحسب ما ذكر الرئيس نبيه بري عند ترؤسه للجلسات فان من اهم الامور التي حصلت خلال هذه المرحلة، هو الموقف الذي تقدمت به كتلة المستقبل من أجل أن نخطو خطوة باتجاه إيجاد القواسم المشتركة التي يمكن أن نبني عليها للتوصل إلى مشروع قانون يحظى بتأييد وموافقة مجمل مكونات الوطن». وذكّر بأن «الرئيس بري لطالما اشار الى اهمية أن يحظى القانون بموافقة اغلب المكونات حتى ولو كانت فيه بعض المثالب كمشروع، ولكن عندما يكون في وضع يحظى بموافقة أغلب المكونات فهو القانون الأفضل». وقال: «اعتقد انه لا يزال هناك إمكانية للبحث جدياً داخل جلسات اللجان المشتركة المقبلة في أروقة المجلس وخارجه من أجل التوصل إلى قواسم مشتركة، وهو الأمر الذي وعد الرئيس بري من جهته في السير به، ونحن من جانبنا سنقوم بهذا المسعى من اجل التوصل إلى هذا القاسم المشترك الذي يحافظ على القواعد الاساسية التي بني عليها لبنان ويذكرها الدستور في مقدمته».