بعد تأجيل استمر بضعة أشهر، قرر عامر وكنده الزواج بعدما وصلا إلى مرحلة لم يعودا يشعران فيها بأن هناك انفراجاً قريباً للأزمة في سورية، قد يمكّنهما من إجراء مراسم زفاف طبيعية كما كانا يأملان. وفي مراسم نصف علنية عقد العروسان زفافهما الذي اقتصر على المقربين من كلتا العائلتين وبعض الأصدقاء الذين لم يتجاوز عددهم الخمسين مدعواً. لم يتوقع عامر وكنده أن «ليلة العمر» ستكون بهذه الطريقة، وأن شهر العسل سيقتصر على التنقل الحذر بين عدد من مطاعم دمشق القديمة. ولكنهما، مع ذلك، كانا سعيدين بأنهما تمكنا من الزواج في هذه الظروف السيئة. يقول عامر: «كنت أفكر دائماً بأنني ربما أفقد أحداً من عائلتي أو من عائلة خطيبتي. وعندها سيكون مجرد التفكير بالزواج أمراً مستحيلاً. لذلك قررنا التنازل عن غالبية الأحلام التي كنا ندخرها للمناسبة والخطط التي وضعناها سوية أثناء خطوبتنا، وأجرينا زواجنا على هذه الشاكلة». لا شك في أن عامر وكنده أكثر حظاً من آلاف الفتيات والشبان السوريين الذين لم يعد لديهم أي أمل في المستقبل، فضلاً عن مسألة الزواج. يقول محمد: «بعد سنتين كاملتين على ارتباطنا، أجبرت على فسخ خطوبتي بعدما فقدت عملي وصرت بالكاد أتمكن من سداد إيجار الشقة التي أعيش فيها. كما أن الظروف الأمنية حالت دون تمكني من زيارة منزل خطيبتي في منطقة برزة التي تشهد أحداثاً دامية. فكانت تمضي أسابيع من دون أن نرى بعضنا، الأمر الذي فاقم الأمور، ودفعنا في اتجاه إنهاء الخطوبة». في السنوات السابقة، كانت بداية فصل الصيف تشهد آلاف المناسبات السعيدة، من زيجات وخطوبات... وغيرها. واليوم، أصبحت هذه المناسبات نادرة، وإن وجدت فتكون ضمن طقوس ضيقة للغاية. في المقابل، لا يكاد يمر يوم من دون مأساة أو حادثة مؤلمة، حتى بات من النادر ان تجد بيتاً من بيوت السوريين لم يشهد مصيبة أو يلامس جرحاً عميقاً. خليفة شاب في الخامسة والعشرين من العمر قُتل على أثر اشتباك عنيف دار بالقرب من أحد الحواجز قبل شهر واحد فقط على موعد زفافه. وعند تشييعه إلى مثواه الأخير، أصرّ أصدقاؤه على أن يُلبسوه بدلة العرس ويهتفون له بالعريس الشهيد. يقول شقيقه نورس: «كان خليفة في طريقه إلى المطبعة لوضع اللمسات الأخيرة على بطاقة الدعوة الخاصة بزفافه عندما وقع الاشتباك وأودى بحياته. وإلى اليوم لا نزال غير مصدّقين ما جرى. فوالدتي لا تخرج من غرفتها إلا نادراً، وترفض تلقي التعازي بشقيقي. وخطيبته في حال ذهول، ولم تتجاوز صدمتها بعد. والأسرتان دخلتا في حال حداد مفتوح بعدما تحولت المناسبة السعيدة التي كنا ننتظرها إلى مأتم حزين». تحصد الحرب أرواح السوريين بلا استثناء رجالاً ونساء، شباناً وفتيات، فتأخذ معها كل الأحلام الجميلة فجأة، وتحيل أيامهم كوابيس من دون سابق إنذار. وعندما لا تحصد أرواحهم، فإنها تدمر ما تبقى لهم من أشياء تعينهم على المضي في حياتهم اليومية. تقول نعمت التي لم يمض على زواجها أكثر من سنة: «كنا نقيم، أنا وزوجي، في مدينة حمص عندما اشتعلت الأماكن من حولنا. فاضطررنا إلى مغادرة المنزل قبل أن يسقط على رؤوسنا. تركنا فيه كل الأشياء التي أفنينا عمرنا للحصول عليها من دون أن نتمكن من إخراجها». وبعد فترة، علمت نعمت أن الحي الذي كانت تعيش فيه تعرّض لقصف شديد، وأن البيوت الناجية من القصف تعرضت للنهب لاحقاً بعدما أصبح خالياً من سكانه. وتضيف: «لا تفارق مخيلتي صورة أشيائنا وهي تباع على نواصي الطرقات أو ينعم بها أشخاص آخرون لم يتعبوا يوماً لجلبها ولا تربطهم بها أية أحلام، بينما نحن أصحابها نعيش في شقة متواضعة في دمشق، لا يوجد فيها أي شيء مما حلمنا به وأمضينا سنوات طويلة للحصول عليه». تؤثر الأحداث الجارية عميقاً في حياة السوريين، وتتعدى في تأثيراتها مسائل القتل اليومي والتدمير الهمجية إلى عمق الحياة الاجتماعية. وترتفع في شكل ملحوظ نسبة الأرامل، وتزداد حالات الطلاق لأسباب مختلفة. ويعتكف الشباب السوري عموماً عن الزواج أو الارتباط بسبب تردي الأحوال التي تتدهور باستمرار وتذهب نحو الأسوأ على مختلف الصعد، آخذة معها اللحظات والمناسبات السعيدة التي باتت نادرة الحدوث أو شبه معدومة في خضم الحزن الذي يخيم على البلاد.