«مكره أخاك لا بطل»، مقولة تنطبق على الكثير من شباب الجزائر المقبل على الزواج. فصدمة الواقع توقظهم من أحلامهم الوردية، خصوصاً إذا كان الواقع مرتبطاً بالعادات التي ترسخت في المجتمع بفعل تداولها بين الأسر خصوصاً في المناسبات الدينية مثل الأعياد، وتحرص النساء على تطبيقها قبل الرجال. ذلك أن فترة الخطوبة ليست سمناً على عسل بالنسبة لكثيرين خصوصاً إذا كانت طويلة. ففي البداية يكون الشاب مطالَباً بإيفاء وعده بالتقدم للخطبة وبعدها تبدأ الطلبات التي تفرضها عادات الأسر الجزائرية ولا يمكن كثيرين أن يحيدوا عنها وخصوصاً تلك التي ترافق الأعياد كالفطر والأضحى ويطلق عليها في اللهجة المحلية «المهيبة». «المهيبة» أو «العطية» هدية خاصة بعيد الفطر في الجزائر يقدمها الشاب لخطيبته بعد أيام من العيد ولكن يجب أن تكون متميزة جداً، ويأخذها أهل العريس لبيت العروس وتتألف من ألبسة نسائية خاصة بالأعراس وأقراط من الذهب ومجموعة من العطور والصابون ومختلف أنواع الزينة، وباقة ورد، هذا فضلاً عن صينية من الحلويات التقليدية. وغالباً ما تقدم الأسرة «المهيبة» بضم الميم للخطيبة بعد ثلاثة أيام أو أسبوع من العيد، وبات كثيرون من الشباب يعتبرونها عبئاً يثقل كاهلهم قبل الزواج لأنها أصبحت عبارة عن تنافس مادي بين الفتيات. وعلى اختلاف المستويات الاجتماعية للأسر الجزائرية تبقى «المهيبة» عادة مقدسة احتفظت بها الأسر وتقدمها للعروس قبل زواجها في كل مناسبة دينية من عيد الفطر أو الأضحى وحتى المولد النبوي الشريف لتصبح من الطقوس التي تتنافس فيها الأسر والفتيات المقبلات على الزواج بشيء من التباهي لأنها تؤشر إلى التقارب بين الزوجين والعائلتين. وتقول كريمة تيجاني (45 عاماً)، وهي أم لأربعة أولاد، إن «المهيبة» أصبحت عند الغالبية غاية بحد ذاتها وليست وسيلة لتمتين العلاقات الأسرية، لأنها ارتبطت وفق رأيها، بحجم الهدية ونوعها التي يقدمها الشاب لخطيبته وخصوصاً في بعض الولايات التي لا تزال متمسكة بضرورة وجود خاتم أو سوار أو عقد من الذهب في كل «مهيبة» لأن قيمة الهدية تعني أن الشاب يهتم بخطيبته. وترى تيجاني أن المقبلات على الزواج يرين في هذه العادة اهتماماً كبيراً من أهل العريس وخصوصاً إذا كانت قيمتها باهظة فتصبح وسيلة لتفاخر العروس بين صديقاتها وقريباتها. وبات كثيرون من الشباب المقبلين على الزواج يواجهون معضلة كبيرة اسمها «العادات» المتوارثة، والتي كانت في السابق بسيطة جداً، ولا تتطلب كثيراً من المال لكنها أصبحت اليوم فرصة للتنافس بين الخطاب من جهة، وسبباً لمشاكل كبرى بين العائلات من جهة أخرى، خصوصاً أنها تدفع إلى الغيرة بين الأصهار والأزواج وزوجات الإخوة. وفي حال لم تظفر الخطيبة بهدية مميزة بسبب إمكانات الشاب وقدراته المادية، تحدث «المهيبة» خلافاً كبيراً يوضع معه الارتباط على المحك. ويقول حسين زياني (29 عاماً) وهو مقبل على الزواج، إن فترة الخطوبة يفترض أن تكون وقتاً مناسباً لتعرف الشاب بخطيبته وتبادل الزيارات بين العائلتين خصوصاً بعد قراءة الفاتحة، «لكنها في الواقع تتحول إلى سلسلة من تبادل الهدايا التي ترهق كاهل الشباب خصوصاً أولئك الموظفين الذين يقومون بتكوين مستقبلهم خطوة خطوة». ويكشف جمال سعيدي (30 عاماً) أنه جرب مجاراة مثل هذه العادات وفي النهاية فسخ خطوبته بسبب تفاصيل دقيقة تتعلق ب «المهيبة» تسببت في صراع بين أسرة الخطيبين لتنتهي الحكاية بالانفصال. ويلفت سعيدي إلى أن هذه العادات تكبد الشباب مصاريف كبرى خصوصاً إن طالت فترة الخطوبة وطال موعد الزفاف الذي يراه سعيدي شبه مستحيل بالنسبة لشاب يريد تكوين مستقبله وبناء عش الزوجية على أسس متينة، «في زمن طغت عليه الماديات». وباتت مثل هذه العادات والتقاليد الاجتماعية تثير غضب الشباب المقبلين على الزواج وتضع مستقبلهم على كف عفريت، لأنها تقيس مدى حب الشاب لخطيبته وتعلقه بها بمقاييس مفرطة في المادية. فهي تتسبب في صرفهم المال قبل إتمام الزواج وغالباً ما تؤدي إلى الانفصال وزيادة العزوبية أو العزوف عن الزواج أصلاً. وفي كسر لهذا التقليد سعى البعض ممن يرى فيه تمظهراً اجتماعياً لا فائدة منه إلى عدم الالتزام به مقابل توفير مصاريف تأسيس البيت الزوجي. ويقول علي محمدي (32 عاماً): «لولا أن الأسرة ألزمتني بتقديم «المهيبة» لخطيبتي لما فعلت. فأنا تفاهمت معها على تجاوز هذه العادات لتأثيث البيت ودفع مختلف تكاليف حفل الزفاف». ويذهب محمدي إلى القول إن هذه العادات هي بداية للانفصال، «لأن ثمن التمرد على القوالب الاجتماعية باهظ وهو ليس سهلاً في مجتمع تقليدي. فالفتاة تجد نفسها بين نارين فهي لا تريد تبذير أموال خطيبها ولا يمكنها الخروج عن عادات أسرتها وأسرة الزوج التي تريد أيضاً التفاخر بالهدايا التي قدمها ابنها لتبدأ المشاكل». وتحصي مصالح الأحوال الشخصية على المستوى الوطني ما يزيد عن 3500 حال طلاق بالفاتحة أي عملياً فسخ الخطوبة في السنة، وتدرج تلك الأعداد ضمن خانة الطلاق لأن القانون الجزائري يفرض عقد قران مدني موثق في البلدية وقسم الأحوال الشخصية لتتم قراءة الفاتحة.