استطاعت أوركسترا قطر الفلهارمونية في الحفل الكلاسيكي الذي أحيته أمس بقيادة المايسترو نادر عباسي على مسرح الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون أن تمد جسوراً موسيقية بين الشرق والغرب من خلال المزج بين المقامات العربية ذات أرباع النغم وبين قوالب الموسيقا الكلاسيكية الغربية إضافة إلى توليفة جميلة من عازفين ينتمون إلى ثلاثين جنسية مختلفة منها عشر جنسيات عربية . وبدا هذا الدمج واضحاً منذ مقطوعة تحية لمؤلفها مارسيل خليفة وهي عبارة عن مقطوعة إيقاعية بحركة موسيقية واحدة تتقدم فيها آلة الطبلة التي لعب عليها السوري جورج أورو بتمكّن واضح لتشارك بقية الآلات السيمفونية في تطور يتدرج من نغم بسيط تؤديه آلة الكمان منفردة لتختتم بطريقة مميزة وبانسجام واضح بين الإيقاعات الشرقية والنمط الموسيقي الكلاسيكي الغربي. كما قدمت أوركسترا قطر الفلهارمونية الكونشيرتو العربي الذي قال فيه مؤلفه خليفة: إنه تعبير عن الارتباط العضوي بين اللغة الموسيقية ومرجعياتها الواقعية في أرضنا وذاكرتنا وتراثنا بحيث تكون الموسيقا بمثابة لسان كوني وحيد يملأ الفضاءات ويجمع ثقافتين موسيقيتين لافتاً إلى أنه بحث في ذاكرة عربية غنية بالإيقاعات والمقامات مؤسساً من خلالها موسيقا جديدة باستعاراتها ولغتها وحتى بسرديتها تقوم على صيغة جدلية مع المستمع الذي يمنح العمل الموسيقي حياة متجددة. وأضاف خليفة أن الكونشيرتو العربي محلي قبل أن يذهب إلى العالم فهو يحمل في ذاته سمات إنسانية تعني مستمعاً من خارج المكان ويحمل مشتركاً منطلقاً من خصوصية محلية يسعى لاختراق نسيج الحياة الثقافية في البلدان الأخرى ولاسيما أن الموسيقا ليس لها وطن حقيقي فهي تتحرك في فضاء إنساني حاملةً في طياتها أرضا وتاريخا. الجدير بالذكر أن التخت الشرقي المشارك في الكونشيرتو العربي تألف من خمسة عازفين سوريين على مستوى موسيقي عال هم كنان أدناوي على العود.. فراس شارستان على القانون.. جورج أورو على الطبلة والرق..محمد عثمان على البزق.. مسلم رحال على الناي وقد أدوا عزفا منفردا استطاع أن يثبت ما أراده مارسيل خليفة من قدرة الآلات الشرقية على الاندماج مع مجموعة كبيرة من آلات الأوركسترا الغربية دون التخلي عن خصوصية الموسيقا الشرقية. وعادت أوركسترا قطر الفلهارمونية في جزء الأمسية الكلاسيكية الثاني لتقدم السيمفونية التاسعة لأنطونين دفورجاك والتي ألفها عام 1893 على سلم إي مينور وسماها من العالم الجديد مدرجاً فيها العديد من العناصر النموذجية في الموسيقا الأمريكية دون أن تخفى في بعض المقاطع آثار الموسيقا الفلكلورية التشيكية. وافتتحت الأوركسترا الحركة الأولى بإيقاع بطيء ومرافقة من آلة التشيلو مع قرع على الطبول ونغمات متآلفة متلاحقة تصدر من آلات النفخ لتتزايد حدتها فتنطلق جميع الآلات بحماس وسرعة كبيرتين لتعود السيمفونية إلى حركتها البطيئة مرتكزة على ملحمة هنري وودسورث لونغفلو التي حملت عنوان أنشودة هياواثا ثم تنتقل إلى حركة سريعة استوحيت من رقصة الهنود الحمر خلال الاحتفال بإحدى المنا سبات وهي مفعمة بالحيوية والفرح لتختتم السيمفونية بجمع أفكار الحركات الثلاث. يذكر أن أوركسترا قطر الفلهارمونية تأسست في تشرين الثاني 2008 وتضم أكثر من 101 عازف يمثلون 30 جنسية مختلفة وتنظم حفلات موسيقية محليا وعالميا بغية التعريف برسالة دولة قطر وتشجيع الناس على الاستمتاع بهذا المزيج المتميز من الموسيقا العربية والموسيقى الغربية ونشر رسالة سلام وتناغم وانسجام في العالم.