من الأسباب الرئيسية لفجوة الغذاء العربية إسراف بعض العرب في تناول الغذاء، ومزاحمة الحشرات المُضرّة والماشية للإنسان على المساحة الزراعية المحدودة، وطبيعة التفضيلات الغذائية للمواطن العربي، وندرة مصادر المياه في المنطقة مع ضآلة مساحة المراعي الطبيعية فيها. وحاضراً، تعرّضت المنطقة العربية لغزو عددٍ من أسراب الجراد الصحراوي Desert Locust، وصل عددها في السرب المُفرد إلى 30 مليون جرادة. وتضمّ المنطقة العربية، خصوصاً مصر والسودان، ملايين الأفدنة المزروعة بالبرسيم وال «دراوة»، وهي نباتات تستخدم في تغذية المواشي، مع ملاحظة أن الماشية والطيور تستهلك كميات كبيرة من الحبوب التي يستعملها البشر غذاء. وتمتنع بعض المجتمعات العربية، مثل الصومال، عن تناول كثير من أنواع السمك، على رغم توافرها في سواحل الصومال التي تضربها موجات الجفاف على نحو شبه متلاحق. الجراد كمصدر للحوم يكمن بعض الحلول غير التقليدية لمشكلة الغذاء المتفاقمة عربيّاً، في تغيير التفضيلات الغذائية للمواطن العربي، وتنمية المراعي الطبيعية، والاستفادة القصوى من المساحات المزروعة، والعمل على تدوير مخلّفات الزراعة، وترشيد استهلاك الماشية للحبوب مع توفير بدائل في تغذيتها، وتطوير أنواع الماشية القليلة الاستهلاك نسبياً كالماعز والطيور والأسماك وربما الجراد أيضاً! هناك صورة مُرعِبَة عن الجراد. ويُشتهر عنه أنه يسبب أضراراً شديدةً للغطاء النباتي ومحاصيل الحقول. وأحياناً، يصل طول سرب الجراد إلى كيلومتر. وتقدر أسراب هذه الحشرة الكبيرة الحجم نسبياً على التهام قرابة 100 ألف طن من النباتات الخضراء في اليوم، ما يكفي لغذاء نصف مليون فرد لمدة عام. لذا، اقترح بعض الخبراء على المصريين تغيير عاداتهم الغذائية، والاعتماد على الجراد مصدراً للبروتين، ولا سيما في ظل ارتفاع أسعار اللحوم ونقص الغذاء وتدني مستوى معيشة قطاع كبير من الناس. وأشار هؤلاء إلى أن أكل الجراد حلال عند عموم علماء المسلمين، ويؤكل في اليمن والسعودية. ويعتقد أهل منطقة حائل السعودية أن أكل الجراد يشفي من كثير من الأمراض مثل الروماتيزم (آلام المفاصل)، وتأخر نمو الأطفال، وآلام الظهر، والضعف الجنسي. ويتراوح سعر كيس الجراد (يحتوي قرابة 25 كيلوغراماً) بين 190 و300 ريال سعودي، بل يصل إلى 500 ريال للأنواع الجيّدة. وعلى أقل تقدير، يمكن أن يستخدم الجراد غذاءً للطيور. وعلى غرار الجراد، تؤكل الضفادع في عدد من الدول كفرنسا والصين والسودان. وفي هذه الدول، يعتبر طبق الضفادع بالسمسم وجبة شهيّة. كما أن حساء الضفادع يلقى قبولاً كبيراً في الأوساط الشعبية في الصين. وفي أوقات سابقة، أفتى الشيخ محمد بن صالح العثيمين بجواز أكل الضفادع. مُخلّفات الزراعة وحشائشها تمكن الاستفادة من المخلفات الزراعية، مثل قشّ الرز وقصب السكر وسيقان الذُّرَة وبقايا حصاد المحاصيل وغيرها، في تغذية الماشية والماعز. ومن الشائع أن يعمد الفلاح المصري إلى حرق قشّ الرز والذُّرة بعد الحصاد، ما يؤدي إلى تلوث البيئة وإهدار هذه الموارد المهمّة. كما تمكن تربية ملايين من رؤوس الماعز والأغنام بالاعتماد على حشائش مُضرّة للبشر تنبت في كثير من المناطق الزراعيّة. ومن المستطاع استخدام الماعز وسيلة بيولوجية في مكافحة الحشائش المُضرّة في حقول الفاكهة. ومن الممكن رعي قطعان الماشية في حقول القطن والقمح والفاصوليا والفول السوداني والبطاطا الحلوة والعادية، بعد حصاد المحاصيل، بهدف التخلّص من المُخلّفات الزراعية والاستفادة من بقايا المحاصيل. وفي السياق نفسه، عمد بعض الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية، إلى تنمية المراعي الطبيعية عن طريق جلب بذور حشائش صحراوية تتحمل الجفاف والملوحة، من أميركا وأستراليا والعراق. ويؤدي هذا الأمر إلى تقليل الاعتماد على الحبوب والأعلاف التقليدية، ما يجعلها محفوظة للاستخدام البشري. تتصف المساحة الزراعية في مصر بالصغر الشديد، ما لا يسمح باستخدام الميكنة الحديثة في عمليات الزراعة. واستطراداً، تستغرق المقاومة اليدوية للحشائش المضرة في الحقول، مجهودات كبيرة من الفلاحين. وكذلك تُخلّف المقاومة الكيماوية للحشائش آثاراً مُضرّة على صحة الإنسان، كما تخفض مستوى تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق العالمية. وثمة من يقترح استخدام الدجاج والبطّ والنعام والإوز بنوعيه الصيني والأفريقي، في المقاومة البيولوجية للأعشاب والحشرات المُضرة في المزارع. «تطهير» النيل يعاني نهر النيل وفروعه من انتشار ورد النيل والحشائش والطحالب الضارة والقواقع الناقلة لدودة البلهارسيا وغيرها. قديماً، استخدم المصريون سموماً للقضاء على هذه القواقع، ما ألحق ضرراً بالنظام الحيوي وحياة الأسماك في النيل، وكذلك الحال بالنسبة إلى محاصيل الزراعة وصحة الإنسان. وفي بعض الدول، تسخّر سمكة ال «إستاكوزا» في القضاء على هذه القواقع كنوع من المقاومة البيولوجية. وحقّقت نجاحاً كبيراً في الحد من انتشار ال «بلهارسيا»، لكنها تكاثرت بشكل أضرّ بالأنواع الأخرى من الأسماك. وثمة من يقترح استخدام الأوز والبطّ كي تحدّ من ال «إستاكوزا» والقواقع والطحالب وورد النيل معاً، إضافة الى كونها مصدراً للبروتين. ومن المستطاع تربية السمك والبطّ والأوز في الأنهار وحقول الرزّ. ومارس المصريون زراعة السمك في حقول الرزّ، لكنهم لم يمارسوا تربية البط والأوز فيها. ومن الممكن أيضاً جلب أنواع من الأسماك الكبيرة التي تتغذى على ال «إستاكوزا». وكذلك يمكن العمل على نشر مزارع السمك عند شواطئ البحار والأنهار. * أكاديمي مصري