تستقبل مقابر الأحساء في أيام العيد وفود الزائرين، ليس لأداء مراسم الدفن أو العزاء، بل لإدخال «الفرح والسرور» على نفوس الموتى كما هو متعارف في الأحساء، إذ تخصص فترة العصر في هذه الأيام لمشاركة الأقارب الموتى احتفال العيد، في عادة لم تنقطع منذ زمن بعيد. ولا تزال تفرض نفسها كواحدة من أبرز تجليات صلة الرحم. وأثارت هذه العادة الجدل في الأوساط الدينية والمجتمعية، بين «الرفض»، بوصفها من «البدع والخرافات»، وبين من يجدها «أمراً محبباً ومحفزاً للنفس على تذكّر الموت وعدم نسيان الموتى من الأقارب والجيران والأصدقاء». وبعيداً عن هذا الجدل وتبعاته، تواصل المقابر استقبال زوارها بملابسهم الجديدة في مناسبة ربما لا تبدو متسقة مع «الموت». وعلى رغم أن عادة زيارة الموتى منتشرة في مجتمعات إسلامية عدة، وبخاصة مصر وسورية والعراق، إلا أن توقيت الزيارة يختلف في الأحساء عن بلاد الشام مثلاً، ففي الأخيرة تبدأ باكراً قبل طلوع الشمس. بينما في الأحساء تتم غالباً في فترة العصر، ولعل للظروف المناخية أثراً واضحاً في هذا التوقيت، وهي هنا تقتصر على الرجال من دون النساء، بينما في الشام مفتوحة للجنسين. وفيما يحمل السوريون والعراقيون النبتات الخضراء الصغيرة التي يهرعون لزراعتها أول أيام العيد بجوار قبور ذويهم قبل بدء الاحتفال بالعيد، يحمل الأحسائيون في زيارة أقاربهم الموتى، ماء الورد وأعواد الريحان وينثرونها على قبور ذويهم، لتتحول رائحة المقبرة إلى موجة من رائحة الورد والريحان. ولا يوجد تفسير دقيق لسبب اختيار ماء الورد وورق الريحان ليكون «هدية القبر»، ويرى بسام عبدالله أنه «ربما يكون ماء الورد تكريماً للتراب الذي يضم الأعزاء، ولتضفي رائحته شيئاً من الراحة والسكينة، وفي الأحساء يسكب ماء الورد في المناسبات السعيدة للتعبير عن الفرح، ومشاركة الموتى بالعيد مناسبة فرح، لذا كان ماء الورد حاضراً». إلا أن زيارة الموتى لا تخلو من مشاهد الدموع، والصور التي تحوّل الابتسامة إلى حزن، وينقل عبدالمنعم البريه إحدى تلك الصور: «كنا نقرأ القرآن في سكينة وهدوء قبل أن يفاجئنا صوت طفلين انكبا على قبر والدتهما التي ماتت قبل أشهر في حادثة مرورية، مشهد لا يمكن أن يوصف إلا بالمؤلم». ولا يتمالك البعض نفسه خلال زيارة ذويهم المتوفين فينفجرون بالبكاء، على رغم مرور أعوام على موتهم. ويتذكر البريه «تعودنا على بكاء أحد الجيران، الذي يدخل في حال هستيريا حين يقف أمام قبر زوجته التي كان يحبها إلى حدّ الجنون. وآخرون يتفجعون حين يتذكرون أقاربهم الذين لن يحتفلوا معهم بالعيد، وهو الأمر الذي يدفعهم لمشاركتهم هذه المناسبة، وهم في قبورهم». وتستمر الزيارة من ساعات العصر الأولى وحتى آذان المغرب، ولثلاثة أيام متتالية، ويقول حبيب جابر: «المار للمرة الأولى أمام أسوار إحدى المقابر ربما يشعر برهبة المشهد، وحين يعلم بسبب الزحام سيتفاجأ بوفاء الأحياء لأمواتهم، والعيد من المناسبات التي يجب أن نستذكرهم ونشاركهم، ونحن لسنا مجانين، بل أوفياء فقط»، مضيفاً: «تقتصر الزيارة في الغالب على الرجال، وتبدأ بشكل عشوائي من دون الإعداد أو الترتيب المسبق، وغالباً ما تكون هناك تجمعات تسرد فيها قصص من رحلوا، ونسترجع الذكريات ونضحك على رغم كآبة المكان، ونشعر بالرضا وبسعادة من هم تحت التراب». وعبّر حبيب عن شروده بمنظر «الأبناء برفقة الأحفاد يزورون أجدادهم وأقاربهم، ليتعلموا صلة الرحم حتى مع الأموات وليس الأحياء فقط». ويسرد الآباء قصصَ وحكايات الأجداد للأبناء، بعد أن يفترشوا الأرض غير مبالين باتساخ ثياب العيد الجديدة. وعلى رغم كثافة الحضور إلا أن السكينة تطغى على المكان في مشهد مهيب، ويكون الحديث داخل المقابر همساً أو بصوت هادئ، احتراماً لخصوصية المكان بحسب تفسير البعض.