احتفل النجفيون وزوار المدينة من مختلف المحافظات العراقية بأولى أيام العيد يوم أمس على الطريقة التقليدية بزيارة مقبرة «وادي السلام» قرب مرقد الإمام علي، وهم يحملون الشموع والبخور وماء الورد لينثروه على قبور ذويهم. وفيما أعلن المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني وبقية المراجع الاربعة في النجف يوم العيد أمس الاثنين، احتفل أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بالعيد يوم الأحد.ومع إطلالة نهار العيد في النجف، تمتلأ شوارعها، وخصوصاً المدينة القديمة، بحشود الزوار القادمين من مختلف محافظات العراق. ويشهد الصحن الحيدري في النجف دخول عشرات الآلاف من الزوار إلى مرقد الإمام علي بن أبي طالب لأداء مراسم الزيارة. وبعد زيارة هذه المراقد، تتجه الحشود الغفيرة من الزوار الى مقبرة النجف «وادي السلام»، إحدى أكبر المقابر في العالم الإسلامي. وتمتد هذه المقبرة على رقعة واسعة من أرض النجف، ويعود تاريخ نشوئها إلى نحو ألف عام، ويقصد مسلمون شيعة هذه المقبرة لدفن أمواتهم فيها تبركاً بوجود مرقد الإمام علي قربها. وتضم قبوراً لأشخاص من دول العالم المختلفة مثل إيران والهند وباكستان والبحرين والسعودية وغيرها، إضافة الى المدن العراقية. وتشهد مقبرة «وادي السلام» المترامية الأطراف، على رغم صعوبة الحركة في ممراتها الضيقة، ازدحاماً منقطع النظير، منذ الصباح حتى المساء، وعلى مدى أيام العيد، وإن كان اليوم الأول هو الأشد ازدحاماً. وعلى رغم أن يوم العيد يفترض أن يكون يوماً للفرح والسرور، إلا أن الحال في مقبرة «وادي السلام» يكون مختلفاً تماماً. فعلامات الإرهاق والحزن والتعب تبدو على وجوه الجميع، ومنظر النساء الجاثيات أمام قبور أبنائهن أو أزواجهن أو إخوانهن أو آبائهن، وهي تحمل في الغالب صوراً للموتى يحرص الأهالي على تجديدها بين فترة وأخرى، يعكس صورة مأسوية لبلد لم يفارقه طعم الموت منذ سنين طويلة. والى جانب ذلك، هناك مقابر للمجهولي الهوية في مقبرة «وادي السلام»، ممن يدفنهم «محسنون»، حين لا يتعرف عليهم أحد من ذويهم. ويقول علي جاسم ل«الحياة»: «اعتدت على زيارة قبور المجهولين باستمرار وقراءة سورة الفاتحة وآيات من القران الكريم. فهؤلاء لا يزورهم أحد». ويضيف: «لا شك في أن لهؤلاء أحبة يتمنون معرفة قبورهم وزيارتها، بخاصة في العيد، ونحن نفعل ذلك نيابة عنهم». ويشير إلى «أنهم مظلومون، ونحن نزور قبورهم ونترحم عليهم، ونطلب لهم المغفرة، لعل الله يرحمنا ويعطينا الأجر والثواب». وتوجد في مقبرة «وادي السلام» مئات من قبور مجهولي الهوية الذين يُنقلون الى دوائر الطب العدلي، بخاصة في بغداد. وبعد مرور ثلاثة أشهر من عدم التعرف عليهم، يُنقلون الى مقبرة النجف، ليدفنوا في مقابر مجهولي الهوية، بعد تثبيت صورهم وعلاماتهم ومقتنياتهم في سجلات خاصة، وتوضع على قبورهم أرقام تسهل التعرف عليهم من ذويهم. وجرى بالفعل التعرف على كثير منهم. ومقابر مجهولي الهوية لا تقتصر على المسلمين أو العراقيين، إنما يرقد فيها ضحايا من ديانات وجنسيات متعددة. يقول بسام هادي (36 عاماً) من أهالي الكاظمية: «تعرفت على صورة أبي من خلال الصور التي عرضوها لنا في المقبرة». وأوضح: «خرج أبي ذات يوم ولم يعد، ولم نستطع الوصول إلى الطب العدلي خوفاً من القتل، وأعلمونا بأن هناك جثثاً في مقبرة النجف». وقال مدير مكتب الدفن رحيم الحسناوي ل«الحياة»: «ربما لم يكن أحد يتوقع أن تتسع هذه المقبرة لكل هذه القبور». وأضاف: «في ثمانينات القرن الماضي كانت طاحونة الحرب العراقية - الإيرانية سبباً بتوسع هذه المقبرة. وكنا نحن عمال الدفن نقوم بالعمل في كل يوم وكانت النعوش التي تأتي تحمل العلم العراقي». وتابع: «في تسعينات القرن الماضي، كان للحصار حصة في زيادة عدد الموتى. وكانت غالبية الموتى من الأطفال والنساء». ومن أبرز الشخصيات الدينية التي دفنت في مقبرة وادي السلام الشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ الطوسي والشيخ الانصاري والسيد الخوئي والسيد محمد صادق الصدر والسيد محمد باقر الصدر الذي دفن سراً في ثمانينات القرن الماضي في مكان مجهول ثم دُفن فيها بعد سقوط النظام السابق عام 2003.