أخفق إمام مسجد بلال بن رباح في عبرا الشيخ أحمد الأسير في رهانه على زحف مريديه أمس إلى مقره ليكون يوماً غير مسبوق في تعبئته للحملة التي يقودها ضد «حزب الله» وحركة «أمل». واقتصرت المشاركة على مئات عدة ما اضطره إلى البقاء في المسجد ومحيطه، والاكتفاء بخطاب ناري فيما سمح لبعض وسائل الإعلام ب «التسلل» إلى مكان التجمع الذي أقامه لعل تغطيتهم لخطابه تساهم في تنفيس الاحتقان لتكون ترضية له كي «يفش خلقه» من دون أن يحدث إرباكاً في عاصمة الجنوب. ولاحظ من تابع وصول مؤيدي الأسير إلى عبرا أن إجراءات الجيش لضبط الأمن في محيط عبرا وداخل صيدا كانت عادية. وقال مواكبون لتحركه إن دعوته إلى التعبئة استعداداً ليوم الزحف لم تكن بالمستوى المطلوب لا بل أقل من توقعاته، للاعتبارات الآتية: - إن الأسير، كحالة خاصة في صيدا لم يعد في مقدوره أن يأخذ بعض مؤيديه إلى خياراته على رغم أنهم يقفون إلى جانب شعاراته. لكنهم يأخذون في الاعتبار أن الأولوية لحفظ استقرار المدينة وعدم إرباكها لما يترتب عليه من تداعيات سلبية تغرقها في الشلل. - على رغم أن ما يطرحه الأسير ما هو إلا رد فعل على ممارسات «حزب الله»، فإن معالجة الآثار السلبية لمثل هذه الظاهرة تستوجب توفير الحلول لأسبابها بما فيها توقيف المتهمين بقتل شابين من صيدا وثالث يحمل الجنسية المصرية وإحالتهم إلى القضاء للتحقيق معهم وتحديد المسؤولية، حول علاقتهم بإطلاق النار على مؤيدي الأسير الذين ساروا وراءه عندما دعا إلى إقفال شقق حزبية عائدة للحزب. - إن دعوات الأسير لم تلق أي تجاوب من مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين وجواره، بعدما نصحه عدد من المسؤولين في المجموعات الإسلامية المتشددة بأن يقتصر يبقى تحركه سلمياً. - لم ينجح الأسير في تحقيق حد أدنى من التواصل مع بعض المجموعات الإسلامية في عين الحلوة التي كانت أبلغته ترحيبها بوجود مؤيدين له، شرط أن لا يتحولوا إلى حالة خاصة في المخيم لئلا تتحمل مسؤولية رد فعلهم غير المنضبط لا سيما بعد نجاحها في كسب الاعتراف بها من القوى السياسية في صيدا والسلطة اللبنانية المعنية بمتابعة ملف العلاقات اللبنانية - الفلسطينية. - إن الأسير اعتقد بأن دعوته إلى الزحف أمس إلى عبرا ستلقى تجاوباً من بعض المجموعات الإسلامية في البقاع والشمال، لكنه اقتنع على رغم إصراره على المبالغة، بأن زعماءها يدعمونه من بعيد لا نية لديهم للتوجه إلى صيدا للوقوف معه، خصوصاً أنه حاول لمرات عدة التوجه إلى هاتين المنطقتين لكنه لم يلق التجاوب او التأييد «الشعبي». - إن تصرف بعض الأطراف الرسمية على أن الأسير وحده هو المسؤول عن التوتر الحاصل في صيدا وعبرا أدى إلى كسبه بعض العطف بذريعة أن المسؤولية تقع على عاتق الفريق الآخر وهذا ما يتطلب البحث عن علاج سياسي. - إن الأسير أخفق في الترويج في كل تحرك يقوم به لنظرية أن القوى الأمنية تفرض حصاراً على مقره في عبرا بينما تصرف النظر عما يحصل في أمكنة أخرى. وعلمت «الحياة» أن الأسير اتصل أخيراً برئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة شاكياً الحصار الامني. وقالت مصادر مواكبة إن السنيورة لم يحدد أي موقف من كل ما سمعه من الأسير واكتفى بالاتصال برئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي عاد وأبلغه بعد مراجعته قيادة الجيش بأن لا حصار. وكشفت أن اتصال الأسير بالسنيورة بقي في إطار الشكوى ولم يتفرع منه أي تبادل لأحاديث أخرى، وقالت إن لا صحة لكل الاتهامات التي يكيلها الفريق السياسي في صيدا المتحالف مع «حزب الله» من أن تيار «المستقبل» يدعمه وأنه على تنسيق معه. وشددت على أن يوجه الاتهام إلى الذين يغذون التوتر السياسي والطائفي في صيدا، وعلى أن من يبدي حرصه على أمنها واستقرارها عليه أن يكون متوازناً في تعاطيه مع فعل «حزب الله» ورد فعل الأسير ولا يعترض أحد على الدعوة إلى اجتماع موسع شرط توفير الحلول للوضع الشاذ بدلاً من حصر التهم بفريق دون الآخر. وأكدت أن لا مشكلة لدى «المستقبل» في حضور مثل هذا الاجتماع، خصوصاً أن نائب صيدا بهية الحريري كانت السباقة في الدعوة إليه وهي لم تأخذ في الاعتبار اختلافها مع رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد وزارته في جولة شملت جميع الأطراف، لأنها لا تقف أمام أي عائق طالما أن الهدف التهدئة في المدينة. لكن مصادر أخرى تبدي تحفظاً عن بعض التحركات التي يدعو لها الأسير وتسأل عن الرابط بينه وبين الشيخ عمر بكري فستق المقيم في طرابلس وكان مطلوباً في السابق من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي للتحقيق معه، وجرت في حينها مداخلات أدت إلى نقل ملفه من بيروت إلى قصر العدل في بعبدا - جبل لبنان - ليصار إلى الإفراج عنه بكفالة مالية بعد تولي النائب في «حزب الله» نوار الساحلي الدفاع عنه. وحذرت هذه المصادر من لجوء البعض إلى استغلال ما يسمى ب «ظاهرة» الأسير لتوظيف تحركه في اتجاه آخر، مؤكدة صعوبة استغلالها ليأخذ صيدا إلى خيارات أخرى. وعلمت «الحياة» من مصادر أمنية في صيدا بأن هناك من تسلل ليلاً إلى حائط مدرسة الراهبات في عبرا الذي يفصل بين مبناها ومقر الأسير. وكتب عليه عبارة: «هذا العقار برسم البيع». واستدعى التصرف المشبوه - بحسب المصادر نفسها - تحركاً لقطع الطريق على من يحاول تهديد إدارة المدرسة التي تضم أكثر من 1700 تلميذ غالبيتهم ينتمون إلى العائلات الإسلامية في صيدا. وسارعت النائب الحريري إلى الاتصال بمديرة المدرسة مستنكرة ومؤكدة ضرورة الحفاظ على هذا الصرح التربوي ومبدية استعدادها للانتقال من منزلها والإقامة معها في عبرا. لذلك هناك من يعتقد بأن من يغذي ظاهرة الأسير ينتمي إلى أطراف سياسية متنافرة تجاهر بالوقوف إلى جانبه مع أن لكل منها حساباتها الخاصة، إضافة إلى التضخيم الإعلامي في تغطية تحركاته الذي يسهم في تكبير حجمه. وكان الأسير طالب في خطبة الجمعة الدولة ب «إرسال موفد لأخذ سلة المطالب، والأولى لكم أن تحاوروا أمثالنا، فبين يدي شباب بالآلاف يدفعونني دفعاً إلى ثورة لا تبقي ولا تذر». وكرر أنه لا يحمل مشروعاً مذهبياً.