لم تحمل المساعي التي تواصلت نهار أمس أي حل لموضوع الاعتصام الذي بدأه قبل يومين إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، حيث نصب وأنصاره وبينهم نساء وأطفال، خيمة على اسفلت اوتوستراد نزيه البزري- المسلك الشرقي للمدينة قاطعين الطريق أمام حركة السير، ورافعين شعار رفض «أي سلاح خارج الدولة كي تعود الهيبة للدولة وللجيش وكي نعيش بكرامة». وسجل بعد الظهر انتشار للجيش اللبناي في شوارع المدينة. وعلى رغم اجتماع فاعليات صيدا في حضور الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة في المجلس البلدي للمدينة صباحاً وإعلانهم رفض تحرك الأسير، اكد الأسير المضي في التحرك «حتى لو اجتمع مجلس الأمن»، ودعا إلى تجمع يقام غداً الأحد في مكان الاعتصام. وكانت فاعليات صيدا السنية والشيعية والمسيحية اجتمعت في حضور الأمين العام ل «تيار المستقبل» أحمد الحريري ومفتي صيدا والجنوب الشيخ سليم سوسان ومفتي صيدا الجعفري الشيخ محمد عسيران ورئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة محمد صالح ورئيس جمعية التجار في صيدا علي الشريف ونائب رئيس البلدية إبراهيم البساط ورئيس البلدية السابق عبدالرحمن البزري ووفد من التجار المتضررين وإمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود وممثلين عن الكنيستين المارونية والكاثوليكية وممثل عن «الجماعة الإسلامية» بسام حمود ومحمد عسيران. وقاطع النائب السابق أسامة سعد الاجتماع معتبراً أن «هذه الأمور تتعلق بالدولة وهي من يجب أن تجد حلاً للموضوع». اعلان صيدا وصدر عن المجتمعين بيان أطلق عليه اسم «إعلان بلدية صيدا» وتلاه البساط، وشدد على «التمسك بالعيش المشترك والحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية واحترام الدستور والتعبير الحضاري السلمي والرأي الآخر من دون إلحاق التعطيل والأذى بمصالح المواطنين»، ودعا إلى «التمسك بالدور الوطني لصيدا عاصمة الجنوب والمعبر والمقصد». وأكد ضرورة «فتح كل الطرق وعدم اللجوء إلى هذا الأسلوب، مع احترام كل الآراء»، متمنياً أن «يحذو جميع اللبنانيين هذه الخطوة». وتحدث خلال الاجتماع المفتي سوسان الذي أكد ألا «مكان للتخوين في المدينة، ومن غير المقبول أن تكون صيدا عرضة للتجاذب»، مشيراً إلى أنه يريد أن يسمع «صدى لأصواتهم في ضواحي صيدا لأنهم حريصون على كل الجوار كحرصهم على صيدا». وقال السنيورة: «هدفنا إعادة الاعتبار للدولة ولدورها وهيبتها وأن نعمل من أجل أن تصبح صيدا مقصداً»، ورأى أن «هناك من يعمل لإظهار لبنان أو مناطق من لبنان في حال تفلت وانفلات وتوتر. والرد على من يريد أن يحيك هذه المؤامرات يكون بالمسارعة إلى التصدي لأهدافها وأحداثها». وذكر السنيورة بموقفه وفريقه السياسي خلال أحداث طرابلس، وقال: «حين وقعت بعض المؤسسات والأجهزة الأمنية في بعض الأخطاء كان موقفنا واضحاً أي أننا ضد الممارسات الشاذة لكننا مع مرجعية الدولة ومع حصرية السلاح بيد الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية». وأضاف: «تذكرون حين ذهبنا إلى طرابلس وعقدنا اجتماع كتلتنا هناك أعلنّا موقفنا واضحاً وطالبنا بأن تكون المدينة تحت سلطة الدولة لا أن تكون تحت رحمة المسلحين لأي جهة انتموا». قطع الطرق يضرب مبدأ الدولة وزاد: «لم نوافق يوماً على قطع أي طريق لأنه ليس أسلوباً حضارياً ويضرب مبدأ الدولة ووحدتها ويمهد الطريق أمام المصطادين في الماء العكر، ويعطي من يريد تخريب لبنان الحجة لتوتير الأوضاع في البلد وافتعال المشكلات. أعداء لبنان لهم مصلحة في افتعال المشكلات في لبنان فهل نتجاوب معهم؟». وذكّر بموقفه خلال «تلك الأيام التي تعرضنا فيها للتجربة المعروفة حين لجأ البعض بحجة الاعتراض وممارسة حق التعبير إلى محاولة حصار الحكومة في السراي وتعطيل وسط العاصمة وقطع الطرق والأرزاق». وأضاف: «نحترم رأي من أعلن الاعتصام في صيدا ونحترم الأهداف التي أعلنها وله الحق في ممارسة حريته وحرية التعبير عن رأيه وما يؤمن به، لكننا في ذات الوقت نكرر موقفنا وهو أن حرية المواطن تقف عند حدود حرية غيره»، وقال: «صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه حين قال: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»، ونحن لا يجوز أن نسمح بإلحاق الأذى بأي أحد مهما كان السبب»، مطالباً بفتح كل الطرق في صيدا «وأن يصار إلى أن يحذو حذو هذا الموقف جميع اللبنانيين في كل مكان من لبنان وليس فقط كما يروج الآن على طريق مطار رفيق الحريري الدولي». «من عمل قوم لوط» ورفض الشيخ ماهر حمود في كلمته «استخدام النساء والأولاد كدروع بشرية كما يفعل البعض»، مؤكداً أن «أقرب المقربين للشيخ الأسير يستنكرون ما يقوم به»، لافتاً إلى أن «قطع الطريق أمر من عمل قوم لوط ولا يجوز في الدين والعقل والوطنية ومدان، وعلى القوى الامنية اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع تمدد الاعتصام لقطع الطريق كاملاً،فهذه التحركات قد تؤدي إلى فتنة». ثم شدد البزري على ضرورة «الحفاظ على مصالح أهل المدينة»، مؤكداً أن «ما حدث في الشمال وبيروت لم ينعكس على صيدا لأن صيدا تحت سقف الدولة». واعتبر بسام حمود باسم «الجماعة» في الجنوب أن «ما نشهده هذه الأيام نتيجة تراكمات، وما يقوم به الأسير قد نتفق معه ببعض الأمور ونختلف معه بأخرى، ونحن ضد هذا الأسلوب الذي يتبعه لأنه يسبب ضرراً لأهل المدينة وجوارها». وشدد على «مرجعية الدولة واحترام مصالح الناس». وذكر الشيخ عسيران ب«العدو الاسرائيلي المتربص بنا»، وقال: «علينا ان نكون في قتال معه لا قتال بعضنا بعضاً»، وتوالت كلمات لتيارات اسلامية وفاعليات تشكو من تداعيات تحرك الاسير على صيدا. الأسير يرد وعلى الفور، رد الأسير، من موقعه في الاعتصام وعبر وسائل الاعلام التي كانت في بث مباشر، على فتوى حمود وعلى كلام السنيورة، وقال في حضور الداعية عمر بكري الذي انضم الى المعتصمين: «أهل صيدا يعرفون إذا كان الشيخ ماهر يعرف بالدين أم لا. هو شبهني بقوم لوط الذين قطعوا الطرق، أتصور أن رأس قوم لوط هو (الأمين العام لحزب الله) حسن نصرالله الذي قطع الطرق في وسط بيروت لمدة سنوات، ولم نسمع ماهر حمود يقول هذا الكلام. أما بالنسبة للرئيس السنيورة وغيره، فنحن نسمعه منذ عام 2005 على لسان قادة 14 آذار الذين قادوا ثورة الشباب الأحرار ضد الجيش السوري، لكن لم يتابعوا فلول النظام السوري. هناك منهج موجود الآن، إما القبول بالهيمنة والسكوت، وإما عدم القبول بها، لكن على طريقة سعد الحريري والسنيورة وأمثالهم، أن ننزل إلى الضاحية الجنوبية كي نساوم على دم رفيق الحريري، ونكمل إلى قطر والمسدس في رأسنا، وبعدها إلى بشار المجرم. هذه سياسة الانبطاح، هناك ناس يريدون هذه السياسة». وأضاف: «هناك سياسة جديدة سبقني إليها الشباب الأحرار، وهم الشباب المسيحيون والدروز والسنة والشيعة الذين نزلوا إلى وسط ساحة الحرية بالوردة البيضاء للجيش، وأخرجوا الجيش السوري المجرم. نحن بدأنا بانتفاضة سلمية. قطعنا الطريق، مثل ميدان التحرير في وسط القاهرة. وبالنسبة للمتضررين، سأعلن عن حل في خطبة الجمعة» (لاحقاً أعلن عن بيع قطعة أرض يملكها للتعويض على أصحاب المحلات المتضررين). وأكد أن «الطريق لن تُفتح نهائياً، حتى لو اجتمع مجلس الأمن وليس المجلس البلدي. الأجهزة الأمنية أجهزتنا، ومن أهم نتائج حراكنا أن تعود الهيبة للدولة ومؤسساتها. وإذا أخذت الأجهزة الأمنية قراراً بسبب هيمنة السلاح أن تواجهنا بالرصاص، سنتقبل الرصاص بصدور عارية». وأكد أنه يتفهم «تخوف البعض على اقتصاد البلد، ولكن هذا الاقتصاد «كلو رايح» في سراب بسبب هذا السلاح. هناك جماعة يأخذون مالاً نظيفاً من إيران ولديهم مؤسساتهم الخاصة وشبابهم يأخذون المعاشات آخر الشهر، وشوية زعران من عندهم يقطعون طريق المطار. كيف ينتشر الاقتصاد؟». وقال: «نحن نقطع الطريق على حزب المقاومة وحركة أمل المهيمنين على البلد كلها، وهذه بداية، حتى الآن لم نصل إلى النهاية». وأعلن أن الطريق لن يفتح «إلا إذا جاء من يقنعنا أن حزب المقاومة وحركة أمل قبلوا بمساع جدية لعلاج السلاح خارج الدولة»، ساخراً من طاولة الحوار التي وصفها ب«طاولة غوّار». ورأى أن «قطع طريق المطار ليس حقاً أبداً»، مؤكداً أن «طريق صيدا- بيروت مفتوحة». وأعلن عن «خطوات تصعيدية»، وقال: «أقسم بالله يا نصرالله ويا بري لن أتركك تنام الليل، إذا كنت لا تريد تحسين أدائك معنا، وسأجعلك تدفع ثمنها غالياً قضية توقيف المرأة بطفلها الرضيع 5 ساعات بالريو». وفي خطبة الجمعة، سأل الداعين إلى فك الاعتصام «بدءاً من رئيس جمهورية إلى أدنى شرطي إلى الصيداويين. ما البديل لمعالجة هيمنة السلاح علينا وعلى لبنان ومرافق الدولة؟ ما البديل عن هذه الانتفاضة السلمية؟». رد شاكر البرجاوي ولاحقاً، رد انصار رئيس «التيار العربي» شاكر البرجاوي على مواقف الأسير بالتجمع على طريق السفارة الكويتية في بئر حسن (مدخل الضاحية الجنوبيةلبيروت) احتجاجاً، وانضم اليهم عدد من انصار حركة «الناصريين المستقلين» (المرابطون) لبعض الوقت ثم غادروا المكان. وأوضح رئيس التيار شاكر البرجاوي ل «المؤسسة اللبنانية للارسال» ان الرسالة من وراء التجمع رفض «التجييش الطائفي والمذهبي والتحريض على الفتنة والجهل بكل شيء عبر محاولة استثارة غرائز شباب في الطائفة السنية للاستفادة الشخصية، ونحن لم نقطع الطريق بل اقمنا اعتصاماً على جانبي الطريق لنقول للدولة قومي بمهامك».