لم تمنع النتائج المرتقبة للاقتراع الذي دعا إليه مسؤول إحدى المجموعات السلفية إمام مسجد بلال بن رباح في منطقة عبرا في صيدا الشيخ أحمد الأسير وحصره بأعضاء مجلس الشورى الذي يتزعمه للوقوف على مقترحاتهم لمواجهة تمدد «حزب الله» في عاصمة الجنوب، مجلس الدفاع الأعلى الذي رأسه رئيس الجمهورية ميشال سلميان مساء أول من أمس من الطلب من القيادات الأمنية، خصوصاً قيادة الجيش، التشدد في مواجهة الإخلال بالأمن والإساءة الى الاستقرار العام والإبقاء على أجواء الاضطراب التي يمكن البعض استغلالها لإشعال فتنة مذهبية. وجاء تشدد مجلس الدفاع الأعلى في مواجهة الإخلال بالأمن بعد قراره سحب اقتراح تحويل صيدا الى منطقة عسكرية الذي كان طرحه وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في جلسة مجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التي سبقت عقد مجلس الدفاع، علماً أن المجلس لم يأخذ به. ويفترض أن يساهم قرار مجلس الأمن بمنع الإشاعات التي ما زالت تنتقل من حي الى آخر في المدينة من أن تؤثر سلباً في هيبة الدولة في إمساكها بزمام المبادرة بما يمكنها من التدخل من خلال القوى الأمنية الشرعية لقطع الطريق على من يحاول استدراج صيدا الى الفتنة. ويبدو الشيخ الأسير محشوراً ولن يكون في مقدوره اللجوء الى التصعيد في وجه «حزب الله» الذي يفترض به التعاون الى أقصى الحدود والمبادرة الى تسليم الأشخاص الذين وردت أسماؤهم الى المراجع الأمنية والقضائية باعتبارهم مشاركين في الاشتباك الذي حصل بين محازبيه وآخرين من مناصري الأسير. وفي هذا السياق، علمت «الحياة» أن مجلس الدفاع الأعلى توقف أمام الاشتباك الذي شهدته صيدا عصر الأحد الماضي واستعرض بعض الأسماء المشتبه بأنهم من مطلقي النار، ورأى ضرورة لتحرك القضاء اللبناني باعتبار أن توقيفهم واستجوابهم يدفعان في اتجاه تثبيت التهدئة وتوفير الفرصة أمام صيدا للخروج من حال الحذر التي تسيطر عليها، وتحاول النائب بهية الحريري من خلال المبادرة التي أطلقتها أن تعيد الوضع فيها الى طبيعته، خصوصاً أن تحركها يحظى بتأييد هيئات المجتمع المدني التي تجاوبت مع دعوتها الى ارتداء اللباس الأسود حداداً على أرواح الضحايا الذين سقطوا جراء الاشتباك وتعبيراً عن رفضهم لبعض المواقف التي صدرت اعتقاداً من أصحابها بأن المشكلة صيداوية بامتياز. وأكدت مصادر صيداوية أن الحريري لم تنحز في دعوتها الى أي من طرفي الاشتباك وإنما قررت الانحياز كلياً الى جانب حماية السلم الأهلي والحفاظ على الاستقرار العام لأن لبنان يكفيه من المشكلات التي يرزح تحت وطأتها، وليس في حاجة الى مشكلة جديدة، وكيف إذا كانت هذه المشكلة تهدد التعايش بين أبناء صيدا من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية. ولفتت المصادر الى أن الحريري التي ما زالت تتواصل مع أبرز المكونات السياسية والروحية في المدينة، نجحت في تحييد مخيم عين الحلوة وفي عدم جر الفلسطينيين المقيمين فيه لتكون لديهم مواقف مختلفة من الطرفين المتنازعين. ورأت أن لقرار الفصائل الفلسطينية ومسؤوليها في عين الحلوة دوراً في وأد الفتنة ومنعها من أن تتمدد، وهي تلاقت مع الحريري في موقفها الرافض محاولات خطف صيدا وأخذها الى المكان الذي لا تريده. وأوضحت المصادر أن الحريري قالت كلمتها ولن تنجر الى سجال مع هذا الطرف الصيداوي أو ذاك، أو تدخل في مهاترات لا تخدم التوجه الرامي الى حماية السلم الأهلي. وأشارت أيضاً الى أن الاختلاف السياسي القائم يجب ألا يكون عائقاً أمام التوافق على توفير الحماية للمدينة وجوارها، وقالت إن الحريري أبدت منذ اللحظة الأولى لوقوع الاشتباك انفتاحاً على بعض من هم على اختلاف معها، لكن هؤلاء لم يمارسوا الدور الضاغط على «حزب الله» والشيخ الأسير لوضع حد للتوتر الذي فرض على المدينة، وإنما انحازوا الى جانب هذا الطرف أو ذاك، ما يصعب عليهم القيام بدور فاعل لوأد الفتنة. وشددت المصادر على أن الدولة قادرة على إعادة الحياة الى صيدا، شرط أن تحزم أمرها وألا تستقيل من واجباتها حيال أبناء صيدا. وأبدت ارتياحها الى موقف رئيس الجمهورية ودوره الريادي في محاصرة الفتنة ومنع تمددها الى أحياء أخرى. جدوى زيارة الأسير وتوقفت المصادر أمام الزيارة الأخيرة لوزير الداخلية لصيدا وتعاملت معها على أنها ضرورة لرعايته مباشرة اجتماعات مجلس الأمن المركزي، لكنها سألت عن جدوى زيارته الأسير مع أن شربل كان أبلغ مجلس الدفاع الأعلى أنه لم يزره وأن جولته اقتصرت على تعزية ذوي الشابين اللذين سقطا في الاشتباكات علي سمهون ولبنان العزي والأخير والده مؤهل في قوى الأمن الداخلي. وأوضحت المصادر المواكبة للجهود الرامية لإعادة الهدوء الى صيدا أنها ليست ضد تعزية شربل ذوي الضحيتين، لكن كان عليه التريث لبعض الوقت الى حين نجاح الجيش اللبناني وقوى الأمن في السيطرة على التوتر لئلا يلجأ البعض الى استغلال واجب التعزية وتقديمه وكأنه تشجيع للشيخ الأسير لتصعيد موقفه على رغم أن موقف شربل واضح ولا يحتاج الى أي تأويل. واعتبرت المصادر أن المسؤولية تقع على الشيخ الأسير في وقف كل أشكال الشحن والتعبئة، كما تقع وبشكل أكبر على قيادة «حزب الله» التي يطلب منها أن تبادر الى إحداث صدمة إيجابية تحدث انفراجاً على أن تبدأ بتسليم المشتبه بهم للتحقيق معهم. مع أن البعض أخذ يشيع نقلاً عن مصادر قضائية أن الحزب سيتجاوب مع مسعى تسليمهم لكنه يفضل أن تتم الخطوة بعد الانتهاء من مراسم الاحتفال بذكرى عاشوراء. وقالت إن هناك مسؤولية على تيار «المستقبل» وهي مماثلة للمسؤولية الملقاة على عاتق بعض الأطراف الصيداوية الحليفة ل «حزب الله» التي عليها أن تبادر، لما لها من تأثير في «حزب الله»، الى إقناعه بضرورة إعادة النظر في تعاطيه مع المناطق المختلطة، أكانت في صيدا أم في أمكنة أخرى. وأوضحت أن وقوف حلفاء «حزب الله» الى جانبه من دون لفت نظره الى ضرورة ضبط إيقاعه السياسي في تعاطيه مع صيدا لن يوفر المناخ لاستيعاب التوتر ومنع تكراره. وقالت إن ما ينسحب على هؤلاء ينسحب أيضاً على تيار «المستقبل» في تعاطيه مع الشيخ الأسير، على رغم أنه لم يكن مؤيداً لاعتصامه أخيراً في صيدا ولا لبعض مواقفه أو تحركاته خارج المدينة. وأكدت أن عودة الهدوء الى صيدا تتطلب من «حزب الله» والشيخ الأسير التواضع بدءاً بمراجعة مواقفهما، كما تتطلب من وحدات الجيش ممارسة أقصى التشدد ضد المخالفين، وهذا ما بدأ يظهر في الأيام الأولى التي أعقبت الاشتباك في حي التعمير. الى ذلك، كشفت مصادر وزارية رفيعة ل «الحياة» أن هناك اعتبارات حالت دون تبني مجلس الوزراء مطالبة شربل بتحويل صيدا منطقة عسكرية قبل أن يصرف مجلس الدفاع الأعلى النظر عنها نهائياً. وأكدت المصادر أن وزراء «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط كانوا أكثر تشدداً في رفضهم مبدأ تحويل صيدا منطقة عسكرية، وقالت إن الوزراء غازي العريضي ووائل ابو فاعور وعلاء الدين ترو شرحوا وجهة نظرهم انطلاقاً من أن لا مبرر للإقدام على مثل هذا التدبير العسكري وأن الجيش اللبناني بمساعدة القوى الأمنية الأخرى قادر على فرض الأمن ومنع الإخلال به، خصوصاً أن هذه المهمة ملقاة عليه وأن تطبيقها على الأرض ليس في حاجة الى تدبير عسكري من نوع تحويل عاصمة الجنوب منطقة عسكرية. ولفتت الى أن أبو فاعور اضطر للخروج أكثر من مرة من قاعة مجلس الوزراء للتشاور مع النائب الحريري ونجلها نادر مدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وقالت إن النائب الحريري وقفت ضد هذه الفكرة التي من شأنها أن تحدث شللاً في صيدا وأن تزيد من منسوب الحذر بدلاً من أن «نتعاون جميعاً لإعادة الحياة الطبيعية إليها». وعددت المصادر نقلاً عن وزراء «جبهة النضال الوطني» أسباب عدم حماستهم لتحويل صيدا منطقة عسكرية أبرزها: - إن التشدد في القرار السياسي يساعد على حفظ الأمن وهذا ما يحرص عليه رئيس الجمهورية، وهو كان وراء الإسراع في تعزيز انتشار الجيش في صيدا فور وقوع الاشتباك وإعطاء التعليمات بعدم مراعاة من يخل بالأمن، إضافة الى مبادرة الأطراف الى رفع الغطاء السياسي لتمكين الجيش من بسط سيطرته من دون أي مراعاة. - حصلت حوادث مماثلة في عكار وطرابلس ولم يتخذ أي قرار بتحويلهما منطقتين عسكريتين، وتحويل صيدا منطقة عسكرية يمكن أن يقود الى «تعميم» هذه التجربة على مناطق أخرى في حال تمددت إليها الاشتباكات، وهذا يعني الإعلان التدريجي عن حال الطوارئ في كل لبنان. - إن الجيش اللبناني، باعتباره العمود الفقري لحفظ الأمن، قادر على التدخل لإنهاء أي توتر وبالتالي لا مبرر، طالما أن القرار موجود، لتحويل صيدا منطقة عسكرية يمكن أن تؤدي الى إحداث شلل عام فيها بينما نتطلع لإعادة الهدوء إليها وتنشيطها. - لا مصلحة للبنان في ظل الأوضاع السائدة في المنطقة في أن يعطي انطباعاً للخارج بأن الحكومة تحبذ تعميم إعلان حالة الطوارئ تدريجاً على المناطق اللبنانية لما يترتب عليها من تداعيات تضر بسمعته فيما نجهد لإقناع دول الخليج العربي بإعادة النظر في قرارها عدم تشجيع رعاياها على زيارة لبنان. وعليه، كان لرئيس الجمهورية دور في سحب فكرة تحويل صيدا منطقة عسكرية من التداول وأن يكون البديل التشدد في فرض الإجراءات، خصوصاً أن تحويلها يتطلب إجراءات فوق العادة تشمل كيفية التعامل مع «البؤر الأمنية» الواقعة على تخوم صيدا والمقصود بها مخيمي عين الحلوة والمية ومية، إضافة الى الانفلاش العسكري لبعض التنظيمات والأحزاب المحلية، مع أن معالجتها تتطلب تشدداً من الدولة داخل أحياء صيدا لأن لا مبرر لوجود مجموعات ذات طابع عسكري ومعروفة الولاء والانتماء، وتنتشر من حين الى آخر في أحياء المدينة كلما حصل إشكال.