ما عدا شركتين أو ثلاث فقط، فإنه لا يمكن الحديث عن وجود شركات عقارية كبيرة يمكن أن تسهم في حل أزمة الإسكان التي يعيشها كل بيت سعودي. وبنظرة فاحصة لسوق العقار، فإن 99 في المئة من العاملين هم مسوّقون فقط. فهذا مكتب، وبجواره مكتب آخر، ومكتب ثالث، وهكذا. وعلى أطراف الأحياء هناك «صندقة»، بجانب «صندقة» أخرى، والجميع يعرض أراضي، وحينما تنتقل بين مكتب وآخر، أو من «صندقة» إلى أخرى، فإن العرض يكون هو نفسه. فالأرض نفسها تعرض عند هذا وعند هذا وعند ذاك. بل لا أجاوز الحقيقة إن قلت إن هذه «الصنادق» عملها تدوير قطعة الأرض الواحدة بين عقاري وآخر، ورفع السعر مرة بعد أخرى. ولا أدري كيف تسمح وزارة الشؤون البلدية والقروية، وأمانات المدن - خصوصاً الرياض - بهذا الوضع، فإن كانت لا تسمح للمطاعم والبقالات وغيرها من الأنشطة باتخاذ «صنادق» تولّد لها الكهرباء من بطارية السيارة، فلماذا تغض الطرف عن هذه «الصنادق»، غير المرخصة بالتأكيد، التي لا تضيف للسوق شيئاً سوى رفع سعرها بالتدوير، ودخول أكثر من مكتب في البيعة الواحدة. عودة لشركات التطوير العقاري، فالحقيقة أن ما حصل خلال الأعوام الخمسة الأخيرة لا يخدم تاريخها كثيراً، فما حصل هو أن كثيراً من هذه الشركات تحولت من مطورة إلى مسوّقة أراضٍ فقط، فنشاط الكثير منها لم يتعدَّ بيع وشراء الأراضي على الورق، وتدوير، ونفخ الأسعار، بشكل لا يخدم القطاع ولا يخدم الاقتصاد. ما تحتاجه السوق اليوم من المطورين هو أن يكونوا اسماً على مسمى، ومع إقرار نظام التمويل العقاري الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، فإن تكاتف الجهازين الحكومي والخاص لحل أزمة الإسكان أصبح ضرورة حتمية تمليها ظروف السوق، لتعديل التشوّهات التي حصلت فيها. فمن جانب الحكومة، وأخصّ وزارة الشؤون البلدية - ومعها أمانات المدن- ووزارة الإسكان، يتطلب الأمر إيجاد مركز أعمال لخدمة المطورين والعقاريين، وإنهاء إجراءات المخططات والفسوح والرخص من مكان واحد، وبأسرع وقت، وأقل كلفة. من ناحية المطورين، فالأكيد أن زمن التدوير ورفع، ونفخ أسعار الأراضي الخام أو «البلكات» ولّى إلى غير رجعة. فمؤشرات السوق تقول إن الارتفاع وصل حده الأعلى، ولم يعد المواطن - حتى مرتفع الدخل - قادراً على شراء الأرض عند هذه الأسعار «المستعرة» التي وصلتها نتيجة احتكار وتدوير الأراضي. فالمطلوب من شركات التطوير العقاري حالياً، أن تسعى إلى خلق القيم المضافة للأراضي، من خلال التطوير الشامل من تخطيط الأرض، وإيصال الخدمات إليها، حتى البناء وتسليم المفتاح للمشتري الأخير. وهذه الخطوة - التي يخدمها مركز الأعمال الحكومي كما أشرنا سابقاً - ستؤدي إلى أن تنفي السوق الدخلاء عليها، من أصحاب «الصنادق» و«غرف الحديد»، في المرحلة الأولى، وهو ما يجعل أسعار الأراضي تنخفض إلى ما يساوي حجم الطلب الفعلي، يتبعه اندماج ملاك الأراضي المخططة مع مطورين لبنائها. تليها «خلطة» أو تزاوج فعلي بين أموال المصارف وجهود المطورين، ولاسيما أن نظام التمويل العقاري يسمح للمصارف بإنشاء شركات عقارية تابعة لها، ومن المتوقع أن تستحوذ هذه الشركات على الحصة الأكبر من السوق، أسوة بالشركات الاستثمارية، وشركات التأمين التي أنشأتها المصارف سابقاً. وأختم بأن ما تحتاجه السوق حالياً هو «خلطة» من الأموال، والأفكار، وتيسير الأنظمة، والعمل الحقيقي، لنصل إلى النتيجة المأمولة، وهي سكن لكل مواطن، كل بحسب دخله ومقدرته. وأعود للتأكيد على أن أزمة السوق الأولى هي أزمة تنظيم، وإدارة، وتأخر وزارة الشؤون البلدية والقروية والأمانات في اتخاذ إجراءات تفك الخناق عن السوق، وتوقف المضاربة والاحتكار فيها. ولذا فإن إنشاء مركز أعمال للقطاع «خصوصاً في المدن الثلاث الكبرى»، ليقدم معلوماته ونصائحه للمشترين، ويدعم ويبارك جهود المطوّرين، ويخدمهم بأسرع وقت، هو الخطوة الأولى لحل الأزمة التي طال أمدها، وتجذّرت، وخيمت آثارها السلبية على كل أب، وعائل، وموظف. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. ibnrubbiandr@