أحدث الخلط بين مفهومي «المطور العقاري» و «التاجر العقاري» ارتباكا واضحا في آليات عمل السوق العقاري، من واقع اختلاف الأدوار والقيم والضوابط التي تحكم عمل كل منهما، ما يبرز قيمة وأهمية التصنيف العقاري بحيث تتضح الواجبات ويتم تحديد المسؤوليات بصورة دقيقة أمام المستهلكين الذين قد يدخلون للتجار من بوابة التطوير ويخطؤون في كيفية الحصول على الخدمة التي يطمحون اليها. هناك فوارق جوهرية بين مصطلحات السوق والقطاع العقاري، وتحدد تلك الفروقات طبيعة وماهية عمل الأطراف المختلطة، لكن السوق العقاري يعاني حزمة عشوائيات تنظيمية وسلوكية تخلط الحابل بالنابل، وبالتالي ظهور بعض السلبيات التي لا تتوافق مع أساسيات صناعة العقار وفرص نموه وتطوره. ومن المؤكد أن الجميع يعملون تحت مظلة واحدة، وربما هدف واحد، لكن فض الاشتباك بين المصطلحات العقارية يسهم في العمل بنظامية وحيوية أكثر بدلا من تغليب الأبعاد الذاتية في تحقيق الأرباح الخاصة على حساب العامة، وبالتالي ارتفاع إيقاع البحث عن تلك الأرباح واحتكار الأموال والفرص من غير تقديم قيمة حقيقية للمجتمع المحيط. "اليوم" تتبعت مسارات المصطلحات العقارية واستقصت كيفية عمل المطورين والتجار العقاريين واستيعاب السوق لدور كل منهما بعيدا عن أي مظاهر للخلط الذي يؤثر سلبا على أداء السوق وتحقيق أهدافه الاستراتيجية من خلال الوقوف على آراء عدد من الخبراء العقاريين. الشركات العقارية تواجه معوقات في تسويق مشروعاتها السكنية نتيجة غلائها غير المبرر من قبلها وتجاوز أرباح الوحدة السكنية 300 بالمائة محققين بذلك أعلى ربحية نائب رئيس اللجنة العقارية في غرفة الشرقية خالد أحمد بارشيد يؤكد أن المطور العقاري يدخل مع التاجر العقاري في تطوير الأرض سواء بالشراكة أو تسويقها عبر المزادات العقارية، مشيرا الى أنه ليس شرطا أساسيا أن يملك المطور العقاري الأرض، بينما التاجر هو الذي يقوم بشراء الأرض واستقطاب المطور ليقوم بتطويرها أو تسويقها. وعزا بارشيد توجه كثير من المستثمرين وشركات تطوير العقاري إلى المشاريع التي تقتصر على تطوير البنى تحتية، إلا أنه نتيجة تلقائية للجدوى الاقتصادية المتحصلة من هذه المشاريع مقارنة بمشاريع العمران سواء كانت أحياء سكنية أو تجارية أم غيرها، وأضاف أنه يوجد هناك كثير من المعروض السكني الذي لا يوجد من يشتريه، وقال : " هناك كثير من الوحدات السكنية التي لا تجد من يشتريها، وذلك نتيجة طبيعية للتكلفة العالية التي تكبدها المستثمر في مجال المنازل والتطوير العمراني، ما أنتج مساكن مرتفعة السعر، لا تتناسب وقدرة المواطن ذي الدخل المحدود أو حتى المتوسط". وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة عمار العقارية عبد الهادي القحطاني أن المطور العقاري هو الذي يضع بصمته على الأراضي ليسعى إلى بناء الأرض وأحيائها بجميع خدماتها سواء في البنية التحتية أو الفوقية بما فيها تلبية جميع احتياجاتها. كما أن التطوير العقاري ينقسم الى شقين، الأول: بناء البنية التحتية، والثاني: إعمار المنازل أو الأبراج حسب التصميم والشكل الذي يراه مناسبا بعد إعداد دراسة كاملة للأرض الخام. وأشار القحطاني الى أن هناك فئة قليلة لدينا من المطورين العقاريين بالمنطقة يستفيد منها جميع أطراف المجتمع بما فيها المستهلك، لا سيما أن هناك فئات كثيرة بالمجتمع تمزج بين المطور العقاري والتاجر العقاري أو الوسيط العقاري، مضيفا أن بعض المستثمرين تمتد رؤيتهم الى تطوير الأرض وبعضهم يستثمرها من أجل الربح بعيد المدى ومنهم قليل المدى. وأوضح أن التاجر العقاري أو المستثمر ينظر الى الربح السريع الذي يقوم من خلال التداول في الأراضي بالصفقات العقارية بمدة قصيرة لأجل الفائدة الشخصية، مشيرا الى أن هناك فجوة كبيرة في قطاع العقار بعدم إيجاد تصنيف لها يخضع لتشريعات ومعايير من خلال هيئات أو لجان تصنف الشركة، حيث إن كثيرا من العقاريين يجمعون جميع خدمات العقار في مكتب صغير ما تتسبب في عشوائية بالعقار. ويرى الرئيس التنفيذي لمجموعة الكاف التجارية خالد الكاف أن المطور العقاري هو من لديه فكر يأخذ به العقار كصناعة ومهنية وفن بحصوله على أرض خام ويقوم بتطويرها وتخطيطها وإنشاء البنية التحتية حتى تكون صالحة للاستخدام، حيث إن المطور العقاري يساعد على بناء المنطقة سواء من خلال بناء مشاريع سكنية أو أبراج أو مصانع أو فنادق. كما يقوم باعطائك حلولا عقارية وإعداد دراسة شاملة لأي مشروع عقاري، بينما التاجر العقاري عبارة عن مستثمر يبحث عن الربح كملاذ آمن أو لديه سلة محافظ جزء منها العقار هدفه الرئيس الربحية فقط، لكن يعطيني منتجا أستفيد منه أو يخدم به الدولة. كما أن لديه رؤية شخصية للاستفادة الخاصة لنفسه فقط. وقال رئيس شركة ازدان العقارية فيصل الزهراني: المطور العقاري غالبا هو الذي يبحث على بناء أراض خام بإخراج منتجات عقارية يستفيد منها المجتمع ما بين سكنية وصناعية وترفيهية. كما أنه يبحث عن حلول جذرية بالسوق العقاري ، وبالتالي تكون تحت مظلة خدمة المجتمع، بينما التاجر العقاري يسعى وراء الربحية بحيث تكون نظرته قريبة المدى لجلب الربح السريع في أي طريقة حتى وإن كانت تضر المجتمع بوجهة نظر شخصية وليست مجتمعية. وأوضح مدير عام مجموعة العفالق العقارية عبد الله العفالق أن التاجر العقاري هو الذي يستثمر الأرض لمدة محدودة بغرض البيع والشراء والمضاربة بالأراضي، وبالتالي الهدف الرئيس الربحية، بينما المطور العقاري ينظر إلى بناء الأرض الخام لتخدم جميع الأطراف المعنية ما بين تاجر ومستثمر ومستهلك، مؤكدا أنه ليس هناك فرق بين التاجر والمطور العقاري. ورفض المهندس سعد المعمر العبدالكريم إطلاق مسمى "مطور عقاري" بالمعنى الحقيقي على أي ممارس في سوق العقار ما لم يقدم خدمات متكاملة في المساكن، وقال : "لابد أن تكون هناك قيمة مضافة يقدمها المستثمر في مشاريعه العقارية. كما أنه من الضروري التميز في التصميم المعماري والداخلي للوحدات السكنية واستغلال الفراغات، وكذلك التصاميم التفصيلية لكل فراغ داخلي بما يكون قيمة مضافة للمشروع، فغالبا إذا صلح التصميم صلح ما بعده". وطالب العبد الكريم بضرورة وجود خدمة الصيانة من قبل المطور العقاري لعملائه وأيضا خدمات ما بعد البيع المستمرة، وقال : "التطوير العقاري عبارة عن إيجاد خدمات لا تتوافر مسبقا في أي منشأة، إذ أن دمج هذه الخدمات مع العقار يعني توفير خدمات أرقى للمستخدم الأخير، وإذا وصل التطوير العقاري بخدماته إلى مستوى ما تقدمه الفنادق من خدمات، فإنه حينها سيكون المطور ناجحا بكل المقاييس". وأشار إلى أن البناء الاعتيادي الذي يقوم به التاجر فقط من أجل البيع السريع للوحدات السكنية ليس تطويرا عقاريا، وكذلك إلى القيمة المأمولة من التجديد في البناء مثل إنشاء فكرة جديدة للمشروع العقاري، كالفلل المكتبية أو المفهوم الجديد في الشقق السكنية أو غيرها. وأكد" إذا وصل العميل الى مرحلة أنه غير مضطر للخروج من منزله أو المكان الذي يقطنه من أجل خدمات بسيطة مثل البقالة أو المطعم أو الحلاق أو غيرها فإنه حينها يطلق على المشروع الذي يقيم فيه مشروع تطوير عقاري". من جهته، أشار المستثمر العقاري المهندس عبد الرحمن المعيبد إلى ضرورة الاتفاق على وجود الفرق بين تاجر العقار والمطور العقاري، وقال : "العقاري تخصصه أراض، بينما المطور العقاري تخصصه البناء والأحياء". وأضاف "متى ما اتفقنا على تعريف المطور بأنه شخص يقوم بتطوير الموقع للحصول على بيئة سكنية جاهزة متكاملة، فإنه يمكننا بذلك معرفة أهمية المطور العقاري، فالتطوير العقاري عبارة عن فكر وإبداع وحلول". وعن دور المطور العقاري، قال: " يقوم المطور العقاري بإنشاء بيئة كاملة جاهزة للسكن، تحتوي على جميع المرافق الأساسية للحياة بصورة مبدعة، لذلك فمن ميزات التطوير العقاري المنشودة السكن المريح وهو من أهم مقومات الراحة للمواطن وذلك ما يتطلع اليه المطور العقاري، وما ننشده هو وجود تطوير عقاري بفكر متجدد يرتقي بالجانبين الحضاري والجمالي للمجتمع، ويعكس صورة جميلة للطفرة التي تمر بها البلاد"، مؤكدا أن الإشكالية في اختلاط المفاهيم عند البعض، إذ توجد هناك مشاريع بناء، لكنها تتم دون إشراف هندسي أو مراقبة وبمواصفات سيئة وقد تكون خطرة كذلك.
شراء المطورين أراض غير خدمية وفوضى « قرارات» تعرقل تنفيذ المشاريع العقارية أجمع خبراء عقاريون على أن من المشاكل التي يواجهها المطور العقاري عوائق كبيرة في بيع الوحدات السكنية بعد إنشائها والتي تمت دراستها بما يناسب شريحة معينة من المجتمع، مشيرين إلى أن قرارات تصدرها الجهات المعنية تؤخر تنفيذ المشاريع العقارية نتيجة شراء المطورين أراض غير خدمية. وقال العقاريون إن المطورين العقاريين في المملكة لم يتمكنوا من بيع 30 بالمائة من عقاراتهم التي أنشؤوها نتيجة غياب الشريحة المستهدفة ودخولهم سوقا تنافسية بين عدة مطورين الأمر الذي أصبح دخول المطورين بشكل عشوائي دون وجود آلية معينة لدخولهم. يؤكد رئيس شيخ طائفة العقار في جدة عوض الدوسي أن السوق العقاري في المملكة يعاني دخول المطورين العقاريين بشكل فردي مما تسبب في مشكلة في عدم بيعهم العقارات التي تم إنشاءها في عدة مناطق في المملكة من قبل المطورين والتي لم تسهم في القضاء على أزمة الإسكان التي تواجهها المملكة. وقال الدوسي إن دخول منافسين جدد في السوق العقارية في محافظة جدة يعرضون عقارات للبيع بأسعار لا تتجاوز 210 ألف ريال للشقة الواحدة في ضاحية الخليج أدى إلى نشوء سوق تنافسية قوية وحققوا أرباحا خيالية نتيجة شرائهم قطع أراض كبيرة تتوفر بها الخدمات شمال غرب جدة، مضيفا أن تجار العقار لديهم مكاتب ويعملون كوسطاء للشركات المطورة للعقار في استقطاب العملاء والمستهلكين. ضوابط وشروط وأوضح المهندس أحمد المهندس، أحد ممولي شركات تطوير العقارات في محافظة جدة أن مطوري العقار يسعون إلى تطبيق الشروط والضوابط التي تحميهم ولكنها لا تحمي المستهلك أو الممول لأنه يرى أنه لن يتضرر إذا تأخر سنة أو سنتين أو ثلاث دون ضوابط أو شروط، فهذه النظرة تتعارض معي كممول حينما التزم معه في تمويل المشروع خاصة أننا نطرح منتجات تمويلية غير تقليدية وفق الشريعة الإسلامية مع الالتزام بعدم التأخير والاستلام والتسليم في أوقات محددة، لذلك فإننا نعتبر أن هذه من أهم المعوقات وأنها إحدى المشكلات التي يمكن أن تسمح لهذا الشخص الذي اتفقت معه على تمويله أن يتنصل عن هذا العقد باعتباره المالك للمشروع. وقال المهندس "من خلال خبرتنا البسيطة في التمويل العقاري نعمل بكل جد لإيجاد حلول للسلبيات والمشكلات السابقة لأن لغة الحوار بيننا والمطورين في الوقت الحالي فيها شيء من التوافق الجيد على جميع الأبعاد من ناحية الشروط والضوابط والعقود والأسعار، ولكن أرى أن التمويل العقاري يحتاج إلى التثقيف لأنه مسؤولية الجميع". وأضاف "إننا بالفعل بحاجة إلى بعض التنظيمات خاصة التي تتعلق بالرهن العقار، ولكن ذلك لن يعيقنا عن انطلاقتنا مع المطورين والمهم وجود كيانات وشخصيات اعتبارية مسؤولة قادرة على التفكير مع بعض وبالتالي خلق سوق مزدهرة ومنظمة". واستطرد المهندس " ليس هناك أي تمويل حقيقي بالمفهوم الذي يعمل به كما في الدول المتقدمة التي تعتمد على التمويل العقاري في دورة رأس المال، فلو ذهبنا إلى البنك لما وجدنا أي تمويل من تلك البنوك لأي مطور عقاري لأن البنوك قبل 10 سنوات لا تقدم أي تمويل للمطورين العقاريين حتى بدأت الأمور تتطور تدريجياً إلا أنها لم تتطور إلى المستوى المأمول، أما تمويل الأفراد فقد كان هذا القطاع متوقفاً حيث أن البنوك لم تكن ترغب في تمويلهم بل كانت تركز على التمويل الشخصي في حين أن التمويل العقاري غير موجود". العلاقة بين الممول والمستهلك من جهته، قال رئيس لجنة التثمين والمزادات في غرفة جدة عبدالله الأحمري إن المطورين العقاريين بدؤوا بأعداد قليلة قبل أعوام ثم بشكل أو بآخر فتحوا باب المساهمات والجزء الكبير من المساهمين اشتروا أسهما ودخلوا بها سوق الأسهم ولم يستطع المقترضون من إكمال منازلهم مما جعلهم يقعون في مشكلات عديدة ما زالت قائمة، وهنا يجب أن يأتي دور شركات التمويل العقاري المتخصصة التي لديها قدرة كبيرة على فهم دور المطور العقاري وتقدير احتياجاته، والمعادلة التمويلية التي يتم طرحها له، وكذلك مراعاة الطلب النهائي واحتياجاته وكيفية التعامل معه. وبين الأحمري أن عدم وجود أنظمة تؤطر العلاقة بين الممول والمستهلك جعل التمويل العقاري ناقصاً، والآن توجد خمسة أنظمة بصدد الإقرار ومن ضمنها الرهن العقاري الذي يعد المحرك الرئيس والأساسي في التمويل العقاري فإذا تم من هذه الأنظمة فسيكون للتمويل العقاري شأن كبير في عملية التطوير العقاري بشكل جيد. وتابع "أحد أهم العوامل التي ساعدت على تنامي مشكلة الإسكان تركيز شركات التطوير العقاري خلال السنوات الماضية على بناء مساكن لأصحاب الدخل المرتفع، والتي لا تمثل سوى 10 بالمائة من الأسر بدلا من تلبية الطلب على المساكن الأرخص تكلفة، لكن المحللين يرون أن ذلك الأمر بدأ يتغير مع تأسيس شركات تركز على بناء مساكن لمتوسطي الدخل تراوح قيمتها بين 700 و800 ألف ريال". مشاكل التسويق وأوضح فهد سيبان السلمي، أحد كبار تجار العقار في محافظة جدة أن صناعة التطوير العقاري في السعودية ما زالت في بداياتها خاصة في مجال الاستصناع "نحن باعتبارنا كتجار عقاريين يجب أن يكون البيع على الخارطة، أحد مصادر التمويل، حتى يستطيع أي شخص أن يبني ويطور إضافة إلى رأس مال المطور العقاري الذي يساعده على تحقيق عائد مجز ويجعلك تعمل في المشروع بشكل كامل. وكشف السلمي أن السوق العقاري في بعض المناطق يفتقر إلى شركات تطوير عقاري كون القطاع يواجه تحديات وأزمات، وقال "دورنا يقتصر على بيع وتسويق الوحدات السكنية التي يتم تطويرها من قبل شركات التطوير العقاري فقط، فالشركات العقارية تواجه معوقات في تسويق مشروعاتها السكنية نتيجة غلائها غير المبرر من قبلها وتجاوز أرباح الوحدة السكنية 300 بالمائة محققين بذلك أعلى ربحية". وأشار السلمي إلى أن بعض الشركات العقارية الخاصة بالتطوير لا تقوم على دراسة الفرص الاستثمارية المتاحة في المحافظات ولكي تسهم تلك الفرص بصورة إيجابية في تنمية المجتمع لابد أن تخلص الدراسة إلى تحديد مجموعة من المشروعات يجب أن تكون في صدارة اهتمامها نظرا لأن لها علاقة بقطاعات تنموية مهمة مثل قطاعات الخدمات الصحية، الخدمات التعليمية، الزراعة، الصناعة، التدريب، إدارة المهرجانات والمنتديات، التطوير العقاري، والسياحة والمدن الترفيهية.