كم سيكون جميلاً ما قاله وزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي في لقائه عبر برنامح الثامنة مع داود، لو كان يتحدث عن خطة استباقية، لتجنب أزمة إسكان متوقعة، بعد خمسة أعوام. أما وأن أزمة الإسكان تضرب بأطنابها على كل شبر في مدننا الكبرى، ولزمن ليس باليسير، فإن جميع ما ذكره الوزير هو أقل من ربع الحل فقط. فأزمة الإسكان في الرياض مثلاً لن يحلها إضافة 7500 منزل جديد ستبنيها الوزارة، بعد ما شاء الله من السنين، وما زالت أرضها بيضاء لا تسر المنتظرين. إلا أنه للأمانة، جاء لقاء وزير الإسكان منطقياً، ومقنعاً، وتحدث عن خطط تنفذ، ومساكن تصمم، وأخرى قادمة. وهذا جميل ومبهج، على رغم أن اللقاء لم يتطرق بالتفاصيل إلى حجم الإنجاز الفعلي، الذي تشير كثير من التقارير الصحافية إلى ضآلته، مقارنة بالمخطط والموقع بموجبه العقود. كما لم يتطرق اللقاء إلى استراتيجية الإسكان، والعوائق التي أخرت إنجازها كل هذا الوقت. ومع ذلك فالوزير الضويحي - من وجهة نظري - كان موفقاً في خروجه للإعلام، فقد أرسل للجميع رسالة تقول إنه يعي حجم المشكلة، ويعترف بصعوبتها، ويسابق وفريقه الزمن لحلها، وهو ما يبعث بعض الطمأنينة لدى المنتظرين من المواطنين. وهو حوار منطقي وإيجابي، مقارنةًُ بحديث وزير الاقتصاد والتخطيط الذي خرج قبله، وقلل من حجم المشكلة، وساق أرقاماً تخالف الواقع، وظهر وكأنه يتحدث عن مجتمع آخر لا نعرفه. ومثل هذا الحديث لا شك يبعث الإحباط في النفوس، ويعمّق الهوة بين ما يراه ويعتقده المسؤول، والواقع الفعلي الذي يعانيه الناس. عموماً، ما قاله الضويحي ليس كافياً لحل أزمة طال أمدها واستفحلت، وأصبحت حديث الإعلام والمجالس ووسائل التواصل الاجتماعي، فواقع الأسعار فاق كل قدرة واحتمال ومنطق، ورواتب الموظفين لا تكفي لشراء أصغر قطعة أرض على أطراف المدن، حتى لو ادخروها كلها لأجل ذلك السنوات الطوال. وقروض الصندوق العقاري لا يستفاد منها حالياً لعدم وجود أراض بأسعار مناسبة، لتنفيذ القرض عليها، وكثير من هذه القروض جاهز للصرف مع وقف التنفيذ. كما أن قروض المصارف التجارية لا تكفي لعدم كفاءة الرواتب للحصول على مبالغ ضخمة لشراء الأراضي، ومن استطاع فعلاً الشراء فلن يستطيع الاستفادة من قرضه العقاري، لأن الأرض ستكون مرهونة للمصرف التجاري، ولن يقرضه الصندوق العقاري على أرض مرهونة. وزارة البلديات وأمانات المدن لا تحرك ساكناً لحل الموضوع، على رغم أنه يجب أن يحظى بالأولوية على جدول أعمالهما. فلا حديث من جانبهم عن رسوم على الأراضي البيضاء، ولا إعادة للنظر في تعدد الأدوار، ولا خفض إضافي في أمتار «الارتدادات» على جوانب المباني، كما أن فسح المخططات الجديدة يأخذ عندهم الوقت الطويل بحسب شكوى كثير من المطورين. النتيجة الطبيعية لذلك هي تمديد الأزمة، وتأخير الحل، وانتظار الناس، وقلق الآباء. وما لم يأت التدخل عاجلاً، وعلى كل المستويات، ومن كل جهات الحكومة المسؤولة عن حل الأزمة، فلا يخالج العاقل شك أننا «سنستمر في مصارعة طواحين الهواء 20 عاماً مقبلة، معتقدين بأننا في طريقنا لحل أزمة الإسكان، لنكتشف حينها أننا لم نبدأ بعد»، وما بين الأقواس هو ما ختم به الزميل الجميل رئيس تحرير الاقتصادية سلمان الدوسري، مقالته «أين الأرض يا سادة؟»، فعودوا إلى ما كتبه الزميل وغيره، لتعرفوا أن الأزمة لم تعد تحتمل. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. ibnrubbiandr@