وضع الأسقف الأرجنتيني خورخي ماريو برغوليو، غداة انتخابه حبراً أعظم واختياره اسم فرنسيس الأول، نفسه على طريق سلفيه يوحنا بولس الثاني وبنيديكتوس السادس عشر، من خلال إعلانه في رسالة وجهها إلى رئيس الجالية العبرية في روما، أمله في المساهمة في تقدم العلاقات بين اليهود والكاثوليك «بروح من التعاون المتجدد». وفي القاهرة، أملت مشيخة الأزهر «بتوجه جديد» يسمح باستئناف الحوار المعلق مع الفاتيكان منذ مطلع 2011، احتجاجاً على اتهام البابا السابق بنيديكتوس السادس عشر الإسلام ب «العنف». وقال محمود عزب، مستشار إمام الأزهر أحمد الطيب لشؤون الحوار: «نتمنى التوفيق للبابا الجديد المتحدر من أميركا اللاتينية التي تضم شعوباً متدينة مثل الشرق، وان يؤسس لحوار توافقي حول القيم العليا المشتركة التي تحفظ للإسلام كرامته، وتحققها على أرض الواقع». والأكيد أن انتخاب كرادلة الفاتيكان الأرجنتيني برغوليو حبراً أعظم، أدخل الكنيسة الكاثوليكية في «عالم جديد» يتناسب مع متطلبات استجابتها لسيرها السريع على خطى الإصلاح والتغيير، وسط فضائح وصراعات داخلية، وتحديات تقدم التيار العلماني في أوروبا وخارجها، وانتشار المد الإسلامي في أفريقيا وآسيا. وبات أسقف بوينس آريس أول أميركي لاتيني وأول راهب يسوعي يشغل هذا المنصب الذي شغر الشهر الماضي بعد الاستقالة المفاجئة للبابا السابق. واختار اسم القديس فرنسيس، للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة وتاريخ هذا القديس الذي عُرف بتقربه من «الفقراء والمستضعفين والمتعفّفين في الأرض»، والذي نأى الباباوات السابقون من ربط أسمائهم الحبرية به، لأنه يمثل الناس البسطاء. وأكد حسم الانتخاب في التصويت الخامس بعد أقل من 24 ساعة من بدء المجمع الانتخاب (الكونكلاف)، فاعلية وسرعة استجابة إحدى «المؤسسات الديموقراطية الانتخابية» الأكثر قدماً وعراقة وصرامة في العالم، لمطالب الإصلاح والتغيير. كما عكس حرص مجمع الكرادلة على تلبية رغبة المؤمنين في إظهار الكنيسة مزيداً من الشفافية ومعالجة الظلم الناتج من ارتكاب رهبان فاسدين، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، انتهاكات في حق أطفال، من دون أن ينالوا العقاب والإقصاء الضروريين، بحجة «غسل الغسيل الوسخ في الدار». وأفقدت هذه الفضائح الكنيسة الكاثوليكية كثيراً من صدقيتها. البابا فرنسيس الذي وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه «بطل الفقراء والمستضعفين بيننا»، يعلم جيداً أن الثقل الذي يحمله على كاهله ثقيل وصعب، وأن أتباع الكنيسة الكاثوليكية في العالم غير مستعدين لانتظار وقت أطول لتحقيق الإصلاح الضروري، والتجديد الذي يتناسب مع متطلبّات العصر والحداثة. لذا، لم تكن تحيته للبابا السابق بنيديكتوس السادس عشر، مجرد تحيّة بروتوكولية، بل كانت تأكيداً بأنه سيواصل الإصلاح و «التحقيقات» التي بدأها سلفه وسرّب خادمه الشخصي باولو غابرييلي، جزءاً منها للصحافة، ما عرّضه للمحاكمة والطرد من الفاتيكان. وسيجد البابا المنتخب الذي طالب خلال إطلالته الأولى على حشد المؤمنين في ساحة القديس بطرس بأن يصلوا له قبل أن يمنحهم بركته، سيجد على طاولته عدداً كبيراً من القضايا يجب حلها، في مقدمها مسألة الشفافية المالية، وملف مصرف الفاتيكان المعروف باسم «يور». كما يجب أن يحدّث حكومة الفاتيكان المعروفة باسم « كوريا رومانا»، وقادها خلال سنوات حبرية بنيديكتوس السادس عشر الكاردينال الإيطالي تارتشيسيو بيرتوني. ويعرف البابا فرنسيس بأنه معتدل وصاحب منحى إصلاحي. ويحظى باحترام كبير بين أقرانه الذين يقدرون اندفاعه ونمط عيشه المجرد من أي تباهٍ. وهو ناضل خلال الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976 - 1983)، للحفاظ على وحدة الحركة اليسوعية، وقاوم «الاحتلال» البريطاني جزرَ الفوكلاند.