على بعد أمتار مني كان الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتجول في ممرات معرض الكتاب الدولي بالرياض، أتفاءل بهذا الرئيس، وأعلم أنه يجاهد من أجل تحسين الطريق الرابط عقلياً وفكرياً بين الهيئة والمجتمع، ولا أخفي تذمري لحظتها من الطابور الطويل المصاحب، وحجم البشوت الذي يعمق فكرة الخوف من قيادات الجهاز وأنه الجزء اللافت الأساس من كاريزما رجل الهيئة، وصانع الهيبة المنتظر أن تؤثر وتتأثر وتقوم. كثير من حالات الاندفاع وأساليب العلاج المتوافرة في ملفات الهيئة لم تعد صالحة في الزمن الحالي، أو أنها ذات حضور عكسي لا يتفق مع الأجندة والرغبات العامة للهيئة، ومن هنا لا علاج سوى التغيير المدروس بعناية. رئيس الهيئة يحمل تطلعات مختلفة ورؤى حديثة ستثمر عن نتائج مبهجة، ولو لم يكن منها إلا خطوات المحاولة وإعلانها لكانت إغراء لذيذاً، فضلاً عن الإشارات الخاطفة لتغير الأفكار والليونة في التعامل معها، والتقاطع بما يليق بالجهاز ويرفع من وعي العقول ودرجة التعاطي الاجتماعي. الفكرة الجديدة تمثلت في رغبة الهيئة في إيفاد بعض موظفيها إلى الخارج لدراسة اللغة الإنكليزية، وهي فكرة جريئة، شريطة أن تنتقي المتحمسين لا أن تذهب إلى خانة التكريم وتحفيز المقربين ومكافأتهم، والتركيز على تسجيل الأرقام التي لا تنعكس جودتها على الواقع، لكن اللافت في الفكرة أن «الابتعاث» المبتلى بغطاء متشدد صاحب ولادته ونموه المفاجئ، أصبح مفهوماً لائقاً ومستوعباً وجاذباً لجهاز لم يكن يؤمن بالتغيير في زمن أغبر مضى لكنه يتغير الآن بما يبهج. عدد الأفراد من جهاز الهيئة الذين تتطلب الحاجة تعلمهم اللغة الإنكليزية يختلف من مدينة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، فالحاجة إلى اللغة في «الظهران» ليست كالحاجة إليها في «أبها»، وفي «الرياض» ليست ك«تبوك» مثالاً، يجب ألا نطير مع الفكرة في الابتداء، لأن الناتج هو من سيحدد القيمة والجودة، لكن مجرد الاقتناع بفكرة الابتعاث وأن لها انعكاسات قيمة فتلك هي الثمرة الأساس لتغير العقلية القارئة والمتماسة مع حاجات ولوازم الواقع، جميل من رئيس الهيئة هذا الحس المختلف والرغبة الجارفة في صنع جو جديد وودي بعد أعوام التضاد والخصام والهجوم، وعقب أعوام طويلة كان فيها مجرد إعلان الخطأ عن الجهاز ورجالاته أو كشفه بمثابة خط أحمر. الطريق الرابط يضاء شيئاً فشيئاً برغبات مثل هذه، وتعيين النساء في الجهاز - كتصريح آخر معلن - سيكون خطوة أخرى تفتح الآفاق على مساحات نجهلها، وستظهر عقول تؤمن بالوصاية والقوامة أكثر من أي شيء آخر، صحيح أن موضوع تعلّم اللغة كان متأخراً، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، وسأظل قارئاً لحالات الإنصات والاستماع والتدقيق والعمل وخوض التجارب المدفونة سابقاً من زاوية تفاؤل، واعتبرها شتلات مهمة في مزرعة التغيير الجاد الموجب، الذي ستتغير معه بلا شك كامل التشكيلة العقلية والإدارية. [email protected] @alialqassmi