بعينين يشوبهما التعب، ويد تحمل قطعة «كرتون» تستخدم ك «بساط» وأخرى تحمل زجاجة «ماء»، يتحدى الحاج الجزائري منصور محمد كل ذلك ب «ابتسامة» لكل من يمر أمامه، وهو يعرض المياه التي معه على من يرى عليه بوادر تعب. في سعادة تشير إلى الكثير عما خلفها، يقول الحاج منصور ذو ال 82 من العمر ل «الحياة»: «ابتسم لي الحظ أخيرا،ً حينما فزت بالقرعة بعد محاولتي الثانية لجمع مبلغ الحج، فقبل خمسة أعوام استطعت جمع 90 ألف ريال سعودي غير أنني حينما أردت أن أتقدم للحج أصيبت زوجتي بمرض السرطان فاضطررت لإنفاق جل المبلغ في علاجها، لكن إرادة الله أخذتها للرفيق الأعلى قبيل أن يتيسر لكلينا الحج». ويضيف الحاج منصور وهو يغالب دمعاً أحال ابتسامته إلى حزن: «حينما فقدت شريكة حياتي آليت أن أحج وأن أجعل الحج لي كفرض وأن أجتهد في فعل الصدقات نيابة عنها، فاستعددت منذ صدور اسمي وجمعت قرابة الخمسة آلاف ريال سعودي فقط لشراء مياه ومظلات وأطعمة وسجادات لتوزيعها ثواباً لمن فقدتها». وكان «الادخار» و«الصبر» هما الطريقان الوحيدان لدى الحاج منصور لأداء فريضة الحج، إذ قال: «أعمل كعامل خدمة في الميادين والمؤسسات الحكومية بمدينة وهران وأقوم بالتحميل وأحصل على ما يقارب 2000 ريال خلال الشهر، وأقوم بادخار 1250 منها للحج، والبقية أسهم فيها مع ابنيّ في توفير حاجات أسرتنا من مأكل ومشرب، واحتجت إلى 72 شهراً حتى أستطيع جمع مبلغ ال90 ألف ريال، وعند اكتماله توجهت لله داعياً ألا يحرمني الحج ويسهله لي، مستذكراً محاولتي السابقة حينما اعترضتني ظروف مرض زوجتي ووفاتها». ويصف مشاعره حينما وقعت عليه القرعة، إذ أبلغه أكبر أبنائه بخروج اسمه ضمن حجاج التنظيم الرسمي التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقوله: «زف لي ابني باتصال هاتفي نبأ وقوع الاختيار علي هذا العام لأسجد لله سجدة شكر، ومع بزوغ صبح اليوم الآتي اتجهت لاستكمال إجراءاتي وتسارعت الأيام حتى أصبحت داخل مكةالمكرمة وفي تلك اللحظة التي وطأت قدمي أرض السعودية لا يمكنني وصف فرحتي لدرجة أنني وددت أن أحتضن كل من أقابله، لكني خشيت أن اُتهم بالجنون، وكنت أسارع الخطى لكي تكتحل عينيّ برؤية الكعبة، وما إن وقعت عيني على الكعبة شرفها الله حتى هبطت على قلبي سكينة افتقدتها منذ زمن بعيد، لأشعر أن كل الحياة لا تساوي هذه اللحظة».