كلما قابَلَتْه مبتسماً في الطريقِ الذي لا تغيّره، همست في سرِّها: يا له من مزعج! مرّ يومان دون أن تقابله، فشعرت لأول مرة بالانزعاج! * خيبة.. خيبتان.. ثلاث خيبات.. سمعتهُ أمُّه يعدُّ بهذه الطريقة، فنهرته. سألها: كيف كنتِ تعُدِّين يوم أن كنتِ بعمري؟ فكَّرَتْ قليلاً ثم قالت: حلم.. حلمان.. ثلاثة.. قاطعها: وهل تحقق شيءٌ منها؟ تجهَّمَت قبل أن تجيب: لا..! ابتسم وهو ينظر إليها بطرف عينه، ويكمل: أربع خيبات.. خمس خيبات. * سألتُها بقلق: في طريقي إلى قلبك، رأيتُ الكثيرَ من الجثث! أجابت ببراءة: في وقت انتظاري لك، ماتَ الكثيرُ من الرجال..! * أصدقاءً كانوا. قلوبُهم طائراتٌ ورقية بيضاء. مرَّتْ بهم ضحكتُها كالريح.. وفرقَّتهُم. ولم يمسكْ بها أحد. ولم يبق منهم أحد. ومن يومها وهي تبكي.. وحيدة..! * مات. قصَّت ابنتُه شعرَها قصيراً كما تحب. غيّر ابنه «مزعل» اسمه إلى «سعيد». اكتشفت زوجتُه، بعد عشرين عاماً من العبوس، أنها تعرف كيف تبتسم! * هربَ من ضجيجِ العالم، وزحامِ الناس. اتخذَّ في طرفِ الكونِ الواسعِ مقعداً صغيراً، و ورقةً وقلماً. وحين بدأ يكتبُ بهدوء.. ضجَّ الكونُ في صدره! * جاءتْ بوجهٍ رمادي. نزعتْ أحزانَها، علقَّتْها على روحي واحداً واحداً، حتى توردّتْ، وترمدتُ أنا. قالت: «لا تجعل روحَك مكبًّا لنفايات الآخرين». ورحلتْ مبتسمة.. * كانت كلمَّا ودعتُها قالت لي: ستعود.. وأعود.. إلا هذه المرة، حين ودعتُها، ابتسمتْ فقط.. فأصبحَ طريقُ العودة مليئاً بابتساماتٍ مرعبة، تجعلني لا أعود! * - ما اسمك؟ - سعيد. - وهل أنت كذلك؟ - لا، أنا لست كذلك، أنا سعيد. - وهل أنت سعيد؟ - نعم، أنا سعيد، ألا تفهم؟ - اممم.. ما أسعدك حقاً! * دمعتان.. أربع.. ست.. طوفان.. ومات السجينُ غرقاً في حبسه الانفرادي الذي لا ينفذ إليه الضوء ولا الهواء. وكُتِبَ فوق ملفه «حالة انتحار»! * فجّر الموت قنبلته بإحكام. تقطعت الحياة إلى ملايين القطع. وحين أفاقت القطع، لم تتعارف جيداً وتجتمع بل تعاركت. فصارت كل يومٍ تموتُ قطعةٌ من الحياة! * ينتظرُ أرضاً، ينتظرُ قرضاً، يؤمِّلُ نفسَهُ أن يبني له وطناً صغيراً في وطنهِ الكبير. وحين جاءه الدور، اختير له قبرٌ بمقاس القبور الأخرى، فدخله دون اعتراض