محمد زويد العتيبي أحد المتخصصين الذين لهم باع طويل مع الوظيفة والتدريب ويملك رؤية واضحة في ذلك. وفي حوارنا معه، يحذرنا من تفشي شركات التدريب السوداء، التي تلتهم المال ولا تمنح النتاج. مضيفاً، بعض المقترحات لتطوير العمل الوظيفي لاستيعاب الكفاءات ومنح الفرص للأجيال الجديدة، وخلق بيئات عمل تكفل الإنتاج والتطوير اللازم لذلك. العتيبي عضو هيئة التدريس في معهد الإدارة العامة ومنسق قطاع الموارد البشرية منذ عام 1429، وكان معه هذا الحوار: يقال عن من يمتهن العمل الإداري بأن الأمر فطري لديه، هل كان كذلك معك؟ - جزء منه فطري، وهو استعداد لدى الشخص لممارسة العمل الإداري، ولكنه يصقل، ويطور بالدراسة والتدريب والممارسة. برأيك ما مدى تأثير الفكر الإداري حين نسقطه على قضايا المجتمع؟ - نحن نستفيد من الفكر الإداري المعاصر مثلنا مثل أي مجتمع آخر. فعلى سبيل المثال: لو نظر إلى الوضع الإداري في المملكة نجد أننا استفدنا من مخرجات الفكر الإداري في تنظيم أجهزتنا الحكومية، تبسيط إجراءاتها، تطبيق الحكومة الإلكترونية. ولو رجعنا إلى الخلف لأعوام عشرة سابقة نجد أن التنظيم وإنجاز الأعمال في بعض الأجهزة الحكومية اختلف. هناك أجهزة حكومية بسطت إجراءاتها وأصبحت تستخدم التقنية بشكل فعال، وأصبح المواطن يلاحظ الفرق في تقديم الخدمة بين الماضي والحاضر، فمثلاً: هذا ما حدث في الأحوال المدنية، الجوازات، الجامعات، معهد الإدارة العامة، وغيرها من الأجهزة. الدراسة أم التدريب ما الذي تتوقع أننا بحاجة إليه أكثر في المرحلة التي نمرّ فيها: الدراسة أم التدريب؟ - نحن نحتاج إليهما معاً، الدراسة ضرورية، خاصةً في حصول المواطن على مؤهل البكالوريوس، والتدريب مهم لتأهيل المواطن لممارسة العمل الإداري أو التقني أو المهني بشكل فعال، وهما مكملان لبعضهما البعض، ولا يجب الاستغناء عن أحدهما. منذ زمن ومعهد الإدارة العامة يأخذ على عاتقه تطوير الإدارة الحكومية وأساليبها، ولا يزال هذا التطوير نظري عندما، يصطدم تطبيق التغيير لدى الأجهزة الحكومية، ما سر هذه القطيعة المعرفية التطبيقية بينكما، على رغم من أنكم تنتمون إلى بيئة واحدة؟ - أعتقد من خلال المعايشة للتدريب أن هذا الرأي مبالغ فيه، ولكن تحدث كثير من الموظفين الذين يحضرون دورات تدريبية في البرامج الإشرافية أو بعض البرامج التخصصية كبرامج الإدارة المكتبية أو برامج الحاسب الآلي أنهم لا يمكنون من أجهزتهم من الاستفادة من تطبيق المعارف والمهارات التي حصلوا عليها، إذا كان هذا صحيحاً فالمسؤولية تقع على الأجهزة الحكومية. فإرسال الموظف إلى حضور برنامج تدريبي في مجال معين هو استثمار في هذا الموظف، تصرف الجهة عليه مبالغ مالية، ويستقطع جزء من وقته ليتفرغ للتدريب، لذا أعتقد أنه من المهم تمكين الموظف من تطبيق المعارف والمهارات التي اكتسبها في العمل، لكي ينجز أعماله ومهماته بكل فعالية واقتدار. نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية واحدة، وتختلف تطبيقاتها في الإدارات الحكومية، لماذا هذا اللبس؟ يعود هذا الوضع من وجهة نظري إلى سوء فهم تطبيق بعض مواد الخدمة المدنية أو قرارات مجلس الخدمة المدنية من المختصين في إدارات شؤون الموظفين، نحن كثيراً ما نشير إلى ذلك في برامج إدارة الموارد البشرية للموظفين، ونوضح لهم بعض المواد والقرارات التي يحدث فيها لبس أو اختلاف في التطبيق بين بعض الأجهزة الحكومية. وزارة الخدمة المدنية من وجهة نظري عليها مسؤولية في متابعة تطبيق بعض مواد الخدمة المدنية أو قرارات مجلس الخدمة المدنية التي قد تسبب هذه الإشكالية، والعمل على توحيد المعاملة والتطبيق لهذه القرارات بين الأجهزة الحكومية المختلفة. ولحل هذه الإشكالية أرى أنه أن تكون العلاقة وثيقة بين الأجهزة الحكومية ووزارة الخدمة المدنية في تطبيق المواد والقرارات الخاصة بشؤون الموظفين تحقيقاً للعدالة في المعاملة. كثير من الموظفين والموظفات ليس لديهم رغبة في التدريب والتطوير، ولكنها من متطلبات الترقية. أليس في ذلك هدر للموارد المالية؟ - أعتقد أن ذلك ذكاء من المشرع السعودي عندما وضع الترقية كأحد معايير المفاضلة بين الموظفين من شاغلي المراتب من الأولى إلى العاشرة ووضع لها نقاط. من وجهة نظري التدريب عامل رئيس في رفع كفاءة الموظف. إن إتاحة الفرصة للموظف في الحصول على برامج تدريبية ضروري لتطوير أدائه. لذلك تكون الترقية أحد عناصر المفاضلة، تشجع الموظف في المطالبة بالتدريب والضغط على الإدارة لإتاحة الفرصة له بالتدريب. ولكن أعتقد أن أفضل أنواع التدريب هو التدريب المرتبط بعمل الموظف، فهناك مسؤولية كبيرة على إدارة التطوير الإداري والإدارة التي يعمل بها الموظف في ترشيح الموظف للبرامج التدريبية ذات العلاقة المباشرة في عمله. قديمة جداً نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية في السعودية قديمة جداً، وقد عفا عليها الزمن، ألا ترى أنه يجب أن يلحقها التطوير؟ - أنا أخالفك الرأي في هذا الشأن، بل دأب مجلس الخدمة المدنية على إصدار لوائح تنفيذية مطورة لمواضيع الخدمة المدنية المتعددة. على سبيل المثال: لائحة الترقيات المطورة صدرت في عام 1424ه، لائحة الإعارة المطورة صدرت في عام 1423ه، لائحة النقل المطورة صدرت في عام 1424ه، لائحة إنهاء الخدمة المطورة صدرت في عام 1423ه، لائحة الإجازات المطورة صدرت في عام 1426ه، لائحة تقويم الأداء الوظيفي الجديدة صدرت في عام 1427ه، وأخيراً لائحة الحقوق والمزايا المالية المطورة صدرت في عام 1432ه. ولكن بعض هذه اللوائح كان التطوير بها جيداً وفعالاً، ويلبي رغبات الخبراء والموظفين، وبعض التطوير متواضع. ومن وجهة نظري من اللوائح الجديدة المميزة، لائحة الإجازات المطورة، لائحة الإعارة، لائحة تقويم الأداء الوظيفي، لائحة الحقوق والمزايا المالية. أما اللوائح التي كان تطويرها متواضع، فمنها على سبيل المثال: لائحة الواجبات الوظيفية، لائحة الترقيات. المسمى الوظيفي للموظفين، لماذا يجري التلاعب به داخل الوزارات؟ هذه مشكلة أزلية في بعض الأجهزة الحكومية، لا أدري ما مسبباتها الرئيسة. ولكن في الحقيقة هي ظاهرة غير صحية، وتؤثر في ترقية الموظف، وكذلك على استفادته من التدريب. اقترح أن تُقوّم كل جهة حكومية بدراسة الوظائف، وتحديد الموظفين الذين يزاولون عملاً يختلف عن مسمى وظائفهم التصنيفية وأسباب حدوث ذلك، ومعالجته عن طريق تحوير الوظائف أو نقل الموظف للوظيفة المناسبة، ومتابعة سجلات الوظائف. وأقترح أيضاً أن تجري وزارة الخدمة المدنية دراسة ميدانية شاملة لعدد من الوزارات للوقوف على أسباب المشكلة وتحديد أسبابها، هل الأسباب تعود إلى الأجهزة الحكومية أم تعود إلى خطة التصنيف المطبقة ووضع حلول واقعية وعلمية لها. ألا ترى أن نظام الخدمة المدنية أغفل سياسة الشكوى وتنظيمها وحماية مقدمها من سطوة المشتكي في النظام؟ - أعتقد أنه لم يغفل سياسة الشكوى. فالموظف الذي يعتقد أنه ظلم من قرار إداري أو غيره، يستطيع أن يتقدم بشكواه إلى المسؤول الأول في الجهاز، وإذا لم ينصف وكان محقاً في دعواه يستطيع التقدم لديوان المظالم ضد إدارته. ولكن الملاحظ هنا أن كثيراً من الموظفين يتردد في شكوى رؤسائهم، لأنهم يعتقدون أن رؤساءهم المباشرين سيضايقونهم ويضعونهم تحت المجهر، وربما يحرمه من بعض المزايا والمكافآت كالترشيح للتدريب أو التكليف خارج وقت الدوام الرسمي. إلا أن هذا التخوف والحذر يعتمد إلى حد كبير على نوع المظلمة، فإذا كانت بسيطة ولا تحتاج إلى تصعيد فمن الأفضل غضّ النظر عنها، أما إذا كانت كبيرة فأبواب المسؤولين في الجهاز مفتوحة، ثم بعد ذلك أبواب ديوان المظالم مفتوحة. التدريب والإستثمار هل لدينا بيئة استثمارية ناجحة للتدريب الأهلي؟ - من وجهة نظري أعتقد أن هناك حاجة للتدريب الأهلي، وكثير من الأجهزة الحكومية أو الأهلية تدرب موظفيها لدى مؤسسات تدريبية أهلية. لكن الإشكالية أنه لا يوجد في السوق شركات تدريب أهلية معتبرة، سوى شركتين أو ثلاث. كثير من شركات التدريب الأهلية هي عبارة عن دكاكين تقدم التدريب عند الحاجة، وتستعين بالمدربين من مصر والأردن في التدريب خلال مدة البرنامج فقط. هذا النوع من التدريب لا يؤسس لإيجاد شركات تدريب أهلية قوية. لذلك اقترح أن تندمج شركات التدريب الأهلية في المدن الرئيسة في شركات أهلية كبيرة، وأن تستعين بالمدربين السعوديين المؤهلين، ليكونوا مدربين دائمين. نعيش أزمة توظيف، ما المخرج منها؟ - نعم نعيش أزمة توظيف، ولكن من المفارقة أن الشركات السعودية الكبرى في معظم المدن السعودية الكبيرة كجدة أو الرياض أو الدمام تجد أن الموظفين غير السعوديين يعملون في مجالات الموارد البشرية، المحاسبة، المبيعات، المستودعات، الهندسة، ويحصلون على رواتب مجزية. كذلك نجد المدن الصناعية الكبرى في مختلف المدن السعودية معظم العاملين فيها من غير السعوديين في مجالات ليست معقدة أو صعبة، وكذلك الحال في المستشفيات الكبيرة التي تعج بها المدن، نجد أن كثيراً من الأطباء والممرضين والممرضات والفنيين والأخصائيين غير سعوديين. هذه الحقائق غير الغائبة عن المسؤولين تضع الإنسان في حيرة. هناك فرص وظيفية متاحة لغير السعوديين وبرواتب مجزية، وهناك كثير من الخريجين في التخصصات المختلفة لا يجدون عملاً. أعتقد أن الحل من وجهة نظري يتمثل في تشكيل فريق عمل من وزارة العمل، المجلس الاقتصادي الأعلى، وزارة الداخلية، وزارة التعليم العالي، وزارة المالية، وزارة الخدمة المدنية، لوضع خطة لمدة (5) أعوام واضحة المعالم لتوطين السعوديين في الأعمال السابقة من خلال إصدار السياسات اللازمة، إلزام رجال الأعمال ومسؤولي الشركات المساهمة والمصانع بهذه السياسة. ووضع برنامج تثقيفي وتوعوي في الإعلام، الجامعات، والمساجد، لتغيير ثقافة الشباب السعودي المتعلقة بالعمل. الاجتماع مع كبار رجال الأعمال والمسؤولين في القطاع الخاص، ووضعهم أمام الأمر الواقع، والوضع الذي يعيشه كثير من أبنائنا، وأن هذه مسؤوليتهم، ويجب أن يسهموا في حلها حلاً عملياً منهجياً، لأن البديل الآخر نتائجه المستقبلية كارثية على البلد. فليس من العدل والحكمة أن ينهل المستثمر السعودي أو غير سعودي من خيرات البلد، ويكوّن الثروات الطائلة، ويتجاهل دوره الوطني أو الاستثماري في توظيف أبنائنا وتدريبهم ومساعدتهم في شغل الوظائف بالشركات والمؤسسات. الموظف الحكومي مرفّه هل الموظف الحكومي مرفّه، وهو من دون بدل سكن ومن دون تأمين صحي؟ - أعتقد أن منح الموظف السعودي بدل سكن أصبح ضرورة خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، يؤيد هذا التوجه من وجهة نظري أمور كثيرة. فمثلاُ في الأعوام الثلاثة الأخيرة، تحولت بعض الأجهزة الحكومية من مظلة نظام الخدمة المدنية إلى مظلة نظام العمل والعمال، وأصبح الموظفون يتمتعون بمزايا مالية تختلف عن إخوانهم الآخرين العاملين في الأجهزة الحكومية الأخرى، مثل: مضاعفة راتب شهر رمضان، وإعطائهم بدل سكن. وفي الحقيقة، لا أجد هناك اختلافاً في أعمال أولئك الموظفين في هذه الجهات الحكومية التي تحولت من مظلة نظام الخدمة المدنية إلى نظام العمل والعمال، بل هم يمارسون أعمالهم السابقة نفسها. ومن وجهة نظري، «العدالة واجبة في منح المنافع والتعويضات والحوافز والمكافآت المالية لسائر العاملين في القطاع الحكومي. ثانياً يتردد كثير من الموظفين عندما تتم ترقيتهم في مدينة غير المدينة التي يعمل بها، ويتنازل عن هذه الترقية على رغم أن الترقية حافز مادي ومعنوي جيد، وتؤدي إلى تطور الموظف وظيفياً. وأحد الأسباب الرئيسة في عدم رغبته في الترقية، أنه ينظر إلى الفرق المادي الذي سيحصل عليه بعد الترقية والتكاليف التي يتطلبها الانتقال إلى مدينة أخرى، بخاصة مصاريف السكن في المدينةالجديدة. لذلك وجود بدل السكن سيشجع الموظفين على قبول الترقية. أما بالنسبة إلى التأمين الصحي، فأنا في الحقيقة أميل إلى عدم تغطية المواطنين بالتأمين الصحي، لأن التأمين الصحي له مضار اقتصادية كثيرة. ومن فضل الله لدينا المستشفيات المركزية الكبيرة، وهناك جهود الدولة في زيادة استيعابها، وإنشاء مستشفيات جديدة. وعلى ضوء هذه المعطيات أرى منح الموظف بدل علاج شهري مثلاً قدره 1000 ريال، يمنح لكل موظف مراجعة المستشفيات الأهلية في الحالات المرضية الخفيفة. أما في الحالات التي تحتاج إلى تنويم فيعالج الموظف في مستشفيات وزارة الصحة أو الحرس الوطني أو القوات المسلحة المختلفة. برامج تدريبية البرامج التدريبية لها تأثير طويل المدى في إثارة الدافعية نحو العمل. ما هي إشكاليتنا تجاه العمل؟ - التدريب مهم، وهو يؤدي إلى رفع كفاءة الموظفين، وهو حافز مادي ومعنوي يحتاجه الموظف كل عام أو عامين. ولكن أعتقد أن مشكلاتنا في العمل التي يتحدث عنها كثير من الموظفين. إن العمل في القطاع الحكومي خصوصاً في فروع الأجهزة الحكومية قليل، ما يجعل الموظفين يقضون معظم أوقات الدوام في الجدال والنقاش في الرياضة أو غيرها من المواضيع، ما يتسبب في الاختلافات بينهم، وربما تحدث نزاعات شخصية تؤثر في العمل. لذلك أرى أن يقوم الجهاز الحكومي بدرس القوى العاملة في كل (3) أعوام، وإعادة توزيعها بين الإدارات، سواء في المركز الرئيسي أم في الفروع، لأنه من التجربة نلاحظ أن هناك إدارات يتكدس فيها الموظفون وإدارات أخرى لديها عجز في الموظفين. المؤسسات الحكومية والأهلية. هل ترى تناغماً بينهما في الأداء والفعاليات؟ يفترض أن يكون هناك تناغم وتكامل بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، بحيث يقوم القطاع الحكومي بأجهزته المختلفة بمثابة «الداعم والمحفز للنمو في البلد» بينما يقوم القطاع الخاص بدور «المحرك للنمو الاقتصادي» لأنه هو القطاع القابل للتوسع في خدماته ومنتجاته التي تقدم للسكان. ولكن نلاحظ في الآونة الأخيرة ظاهرة عدم التناغم في الأداء بين القطاعين. وأقرب مثال: التنازع بين ملاك المدارس الأهلية والمؤسسات العامة للتأمينات الاجتماعية حول حسميات التقاعد وغيرها من الأمثلة الأخرى. وأنت تلاحظين أن كثيراً من القرارات الحكومية التي تصدر من الدولة لصالح المواطن، يحاول القطاع الخاص الالتفاف عليها، وتفريغها من محتواها، وهذا يؤكد عدم وجود التناغم في الأداء بين القطاع الحكومي والأهلي.