لا يخفى على أحد ما للدورات التدريبية من دور رئيس في تفتق كوامن الإبداع لدى الموظف، وكذا دورها في تغذية الوظيفة بما يطورها وينميها ويساهم في الرفع من كفاءة الأداء وسرعة الإنجاز، ويتأكد ذلك للمبتدئين في الحياة الوظيفية، ومن هذا المنطلق كان حرص الدولة على تنمية كوادرها وظيفياً (إدارياً وفنياً) وهذا من منطلق إيمانها بأهمية إعداد الكوادر الوظيفية الوطنية القادرة على مواكبة المستجدات الحديثة في الميدان الوظيفي، لذا فقد أعطت أولوية خاصة لبرامج التدريب والتطوير ضمن قائمة أولوياتها في جميع القطاعات الحكومية دون استثناء، ورصدت لها الميزانيات الضخمة لتحقيق الهدف المنشود منها، وشجعت الموظفين للالتحاق بالدورات والبرامج التدريبية والحلقات وورش العمل، ووضعت الضوابط والأطر المنظمة لذلك، رغبة في تطوير الأجهزة الحكومية المختلفة والرقي بها لتواكب النهضة الشاملة التي تعيشها المملكة العربية السعودية. فالتدريب في عالم الوظيفة والحياة الوظيفية هو سلوك إداري حضاري، له مردود إيجابي على المنشأة، وعامل تحفيز لرفع الروح المعنوية بين الموظفين لبذل مزيد من الجهد للعطاء وللتميز وللإبداع، وإعطائهم جرعات تدريبية تمكنهم من زيادة مهاراتهم وإكسابهم خبرات جديدة تنمي وتطور قدراتهم، واستثمار ذلك بما سوف ينقله الموظف مما تحصل عليه من مهارات وقدرات تدريبية إلى بيئة العمل التي يعمل فيها، ويروض ذلك للرفع من كفاءة بيئته الوظيفية بما ينعكس على المنشأة بالإيجاب، ويسهم في تطويرها والرفع من مخرجاتها التي تصب في دفع عجلة النهضة الإدارية للدولة، ويقضي على التخبطات الإدارية وتكدس الأعمال وتأخرها، كما أنها تزيد من الإنتاجية، والدقة في الأداء وعدم تسرب الموظفين، والتجديد والتطوير والابتكار في أساليب العمل. وتتنوع الدورات التدريبية بين حكومية وتجارية، داخلية وخارجية، ودورات تدريبية محتسبة النقاط وأخرى لا نقاط لها (وهي الدورات القصيرة التي تعتمد من قبل الجهة مباشرة، وهي المقصودة هنا). ولعل من الدورات المهمة التي يغفل عنها كثير من القياديين تلك الدورات التي تكون في مجال التخصص الوظيفي للمتدرب، والتي تحتسب نقاطها وظيفياً للموظف، ليعود من الدورة وقد حقق أمرين: الأول: تطوير قدراته ومهاراته في مجال وظيفته. الثاني: زيادة رصيده من النقاط الوظيفية التي تؤهله للترقية لمراتب أعلى. ومع أهمية هذين العنصرين إلا أنهما مغفلان في أحيان كثيرة عند الترشيد لحضور الدورات التدريبية والحلقات وورش العمل، بل قد لا يحسبها الكثير على أنها من العوامل المهمة، وهي ذات مفعول قوي ودور إيجابي وفاعل للمنشأة. وهذا العامل لا يغيب عن المسؤولين في القطاع الخاص غالباً، ولكنه يغيب كثيراً عن القيادات الإدارية في المنشأة الحكومية، فنجد كثيراً من ترشيحات الموظفين - خاصة للدروات الخارجية - لا تتناسب مع ما يمارسونه من مهام، وليست وفق تخصصاتهم الوظيفية!! مما ينعكس سلباً على المستوى العام للأداء ويعيق عجلة التطوير والإنتاج داخل المنشأة. وليس عيباً أن نستفيد من تجارب الآخرين، كأن تستفيد الجهات الحكومية من غير الحكومية، والحكومية من الحكومية، والداخلية من الخارجية، ونحو ذلك. ونقف هنا وقفات سريعة مع الدورات التدريبية (من أرض الواقع). ) فيما يتعلق بدورات التدريب الداخلية (دورات معهد الإدارة العامة) فإن الموظفين لا يتحمسون لحضورها غالباً، وهذا لأسباب عدة، منها: - قصر مدتها، فهي بين: (يوم أو يومين، أو ثلاثة أيام، أو خمسة أيام وهي نادرة). - الترشيح يكون على أساس مسمى الوظيفة التي يشغلها الموظف والمهام التي يمارسها فعلياً، وغالباً هذه الدورات لا تخدمه في مستقبل حياته الوظيفية - خاصة عند الترقية. - وعلى قصر المدة وعدم ملاءمتها لمهام الوظيفة التي سوف يرقى إليها، إلا أن الترشيح لها شحيح وتكون لأفراد دون آخرين في بعض الجهات فكثير من الموظفين لا يحصل على الأيام التدريبية المحددة سنوياً للموظف من قبل المعهد. ) أما الدورات الداخلية (التجارية الخاصة) سواء نفذت من قبل مركز تدريبي تجاري خاص، أو من قبل المنظمة العربية للتنمية الإدارية، أو غيرها من الجهات التدريبية المعتمدة أو غير المعتمدة، فعليها إقبال من قبل الموظفين متى كانت خارج المدينة ليحصل بذلك على الانتداب، وهنا يتضح السبب في الإقبال عليها فهو المقابل المادي (الانتداب) وليس المقابل التحصيلي لهذه الدورة، ومع ذلك نجد أن من قد يتمتع بها هم بعض الموظفين (كشرهة لهم) دون النظر إلى المستحق للدورة ومناسبة الدورة للمتدرب والعائد التدريبي منها على الجهة. ) أما الدورات التدريبية الخارجية (وهي بيت القصيد) لا تمنح وفق التخصص المهني أو الوظيفي أو الأكاديمي للموظف، وإنما يتم الترشيح بشكل عشوائي وعلى حسب رغبة الموظف، فهو من يحدد الدورة ومقر عقدها، لأنها بالنسبة له فرصة استجمام وسياحة ليس إلا، فغالباً من يحصل عليها (بعض كبار المسؤولين والموظفين وصغار الموظفين في المنشأة) الذين يزاحمون المستحقين لمثل تلك الدورات من أجل السياحة والسفر، لا من أجل حضور الدورة والعودة بعلم جديد (وبالطبع حضورهم لها حضور شرفي في أول أيام الدورة ثم يختفون ليظهروا يوم توزيع شهادات الحضور وإتمام الدورة، ليقدموها للمسؤول بعد عودتهم، حتى يحظوا بخطاب شكر وتقدير، وصرف البدل ومنحهم يوم راحة من عناء السفر) وهذه بالتأكيد ليس عاماً، إلا أنه يحصل من بعض الموظفين وفي بعض المراكز التدريبية التجارية التي تبحث عن الربح المادي على حساب المخرجات ذات الفائدة للمتدربين لديها، وهنا لي وقفات اختصرها في النقاط التالية: - إن في مثل تلك الدورات هدر للميزانيات المرصودة للتدريب والتطوير مقارنة بالعائد النفعي منها. - إن في مثل هذا الترشيح تفويت الفرصة أمام المستحقين لحضور تلك الدورات والاستفادة منها. - تقليل القيمة والفائدة المرجوة من حضور الدورات التدريبية. - إعطاء انطباع سلبي عن المنشأة التي ينتمي لها - خارجياً - من خلال مرشحيها - الحاضرين الغائبين - التي يحضرها عدد من المرشحين من جهات ودول مختلفة. - تشويه صورة المملكة العربية السعودية، في نوعية مرشحيها غير المبالين بعكس ما يفترض من صورة إيجابية عن المملكة، وجديتها في الاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين، ونقل كل جديد والاستفادة منه في العملية التطويرية، في ظل النهضة الشاملة التي تعيشها المملكة. - تعطل الأعمال وتأخرها بسبب بعد المسؤول لفترات طويلة عن مكتبه لحضور الدورات الخارجية (السياحية) والانشغال بها على حساب العمل والمصلحة العامة. ومع اهتمام الدولة بالتدريب، فلماذا لا يتم الاستفادة من هذا الاهتمام ومن تلك الميزانيات الضخمة التي ترصد كل عام لهذا الغرض فيما يعود على الموظف والوظيفة والمنشأة بالخير العميم والفائدة القصوى؟ لن أطرح هذا التساؤل وأسكت، ولكني سوف أدلي بدلوي - لا من واقع العلم والتخصص، ولكن من واقع الممارسة الوظيفية - الذي أرجو أن أوفق في طرحه، وذلك من خلال النقاط التالية: ) إعادة النظر في الدورات التدريبية التي لا يستفيد منها الموظف ولا الوظيفة ولا المنشأة، وحتى المدرب، خاصة تلك الدورات (السياحية) الداخلية منها أو الخارجية، التي غالباً ما تكون دورات في فنادق فخمة دون أي مردود علمي وعملي لأي من أطرافها إلا الفائدة (الشخصية) فتضيع قيمة الدورة (بين رسوم دورة باهظة، وانتداب خاص). ) إعادة النظر في أهمية الدورة ومناسبتها للمرشح، وكذلك للوظيفة وللمنشأة التي تتولى الترشيح لها، بحيث لا يتم الترشيح إلا للدورات ذات العائد الإيجابي لأطراف التدريب (الموظف، الوظيفة، المنشأة، الدورة التدريبة ذاتها). ) احتساب نقاط وظيفية لجميع الدورات التي يتم ترشيح الموظف لها، أما الدورات التي لا يحتسب لها نقاط فلا يتم الترشيح لها مطلقاً. ) تفعيل الدورات التدريبية داخل المنشأة وعلى رأس العمل، وذلك من خلال: - عقد دورات تدريبية متخصصة في المجال الوظيفي الإيجابي الذي يخدم مصالح المنشأة وتكون محتسبة النقاط، ويمكن تفعيل ذلك بالتنسيق بين المنشأة ووزارة الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة، لتفعيل الدورات الداخلية للمنشأة وتخصصاتها وآلية تنفيذها مع احتساب نقاطها لصالح المتدرب وظيفياً، والاستفادة من قدرات معهد الإدارة العامة في هذا المجال، وكذا الجامعات السعودية والمؤسسات التدريبية المتخصصة. - إلزام الشركات التي يتم التعاقد معها لتنفيذ مشروعات داخل المنشأة كتأمين الأجهزة والآليات التي تحتاجها المنشأة بتدريب الموظفين عليها خلال مدة العقد، وكذلك إلزام الموظفين المتخصصين في مرافقة فنيي التركيب والصيانة للأجهزة لاكتساب الخبرة ومعرفة آلية التركيب والصيانة عند حدوث أي أعطال مستقبلاً، وبالتالي الاستغناء عن تلك الشركات في الأحوال البسيطة، مع منح الموظف المتدرب حافزاً يجعله هو من يبادر إلى هذا التدريب من ذاته دون طلب الجهة. - إعطاء الموظف المتدرب مساحة لتطبيق ما استفاده من الدورات التدريبية داخل المنشأة. ) الارتقاء بمواد الدورات التدريبية، وتأصيلها بالمرجعيات العلمية المتخصصة. ) الحرص على أداء الدورات وتقديمها من قبل متخصصين مؤهلين في مجال الدورة وفي علم وفن التدريب. ) التوافق التام بين عدد ساعات الدورة التدريبية، والمادة المقدمة للخروج بالمستوى التدريبي المطلوب. ) مراعاة التوقيت المناسب لتقديم الدورات التدريبية لجميع أطراف العملية التدريبية (الموظف، الوظيفة، المنشأة) بما لا يتعارض مع المصلحة العامة للأداء. ) تعزيز الخلفية المناسبة لدى المتدرب عن الدورة التدريبية التي سوف يتلحق بها، ويكون ذلك بتوضيح أهمية الدورة له وما يتوقعه من الفائة بعد الانتهاء منها، وذلك من خلال كتيب أو نشرة - برشور - تعريف بالدورة أو أي وسيلة أخرى. ) استثمار كل جوانب المعرفة والمهارة خلال الدورة وبعدها. ) الرقابة الفعالة على مراكز التدريب الخاصة (التجارية) من قبل المؤسسة العامة للتدريب التقني المهني ولجنة التدريب في وزارة الخدمة المدنية، وأن تكون رقابة صارمة ومحددة للمعاهد المعتمدة للتدريب لقبول مخرجاتها واحتسابها فيما يخدم العملية التدريبية. ومتى تحقق ذلك فإن المنشأة الحكومية سوف تستقطب الكثير من الشباب وتستفيد من الجادين والطموحين الراغبين في التدريب العملي والاستفادة منهم بشكل إيجابي فاعل وكبير، خاصة مع الحاجة المتزايدة إلى فرص التدريب والتأهيل في القطاع الحكومي، وكذلك الخاص، بل والقطاع الخيري، والقطاع التطوعي، وجميع القطاعات هي بحاجة ماسة للتدريب والتطوير، لكن بشرط الإفادة والاستفادة من تلك الفرص التدريبية وعدم إشغال الموظفين بها دون فائدة، وتبديد الأموال والميزانيات الطائلة عليها دون مردود يذكر. وحتى لا تكون المنشأة الحكومية حاضنة لأكذوبة التاريخ التي تستغل الحاجة للتدريب في عشوائية التدريب وتسويقها لتزيين السير الذاتية دون أي مردود على صاحبها والمنشأة التي ينتمي إليها، فإنه على الإدارات المعنية بالتدريب والتأهيل والتطوير داخل المنشآت الحكومية أن تعد خطة تطويرية دقيقة مبنية على الاحتياج الفعلي والتخصصات المطلوبة والموظفين القادرين على دخول تلك الدورات والاستفادة منها، وإفادة منشآتهم بما يحقق التطوير والارتقاء بالعمل الإداري والمالي والفني للمنشأة. [email protected]