شاء الصحافي والكاتب اللبناني حسن صبرا أن يستهل كتابه الجديد «سورية: سقوط العائلة... عودة الوطن» (الدار العربية للعلوم - ناشرون) بغلاف معبر يُمثّل الهرم السوري الذي يمرّ اليوم في مرحلة مصيرية قد تُبدّل هذه التراتبية التي حكمت سورية خلال أربعة عقود. صورتا الأب حافظ والإبن بشّار متصدعتان، وكأنهما وُضعتا على جدار قيد التحطيم. هذا الغلاف المعبّر يختصر المرحلة التي أراد صبرا أن يرصدها في كتابه الضخم، أي مرحلة الانهيار والانطلاق. انهيار نظام عمره أربعون سنة وانطلاق شعب كُبحت حريته طوال أربعين عاماً. في كتابه المُهدى «إلى شعب سورية العظيم الذي انتزع مكانته التي يستحقها تحت الشمس بالدم»، ينطلق حسن صبرا من لحظة الانفجار ليعود إلى الوراء مُسترجعاً تاريخ سورية الغزير بالاغتيالات والدم والقمع... فيوضح عبر فصول كتابه الخمسة عشر، كيف يُمكن وطناً أن يُصبح بحجم عائلة أو أن يختفي تحت لوائها. يحكي كتاب «سورية: سقوط العائلة... عودة الوطن» خفايا النظام السوري بأسلوب سردي قصصي، منذ نشأته وحتى تصدّعه. فيكشف الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تخصّ الثورة السورية وظروف قيامها، ويبدأ حسن صبرا من درعا «مهد الثورة» ليرسم صورة «الحاكم بأمره» في تلك المنطقة، عاطف نجيب (ابن خالة الرئيس بشار) الذي كان هو وابن خال الرئيس رامي مخلوف الوقود الذي اشعل ثورة الشعب السوري ضدّ عائلة الأسد. يؤكّد الكاتب أنّ أحداث درعا كانت الشرارة التي أنذرت باقتراب حريق ما، إلاّ أنّ اندلاع الثورة الحقيقية كان في دمشق. ويوضح حقيقة انعكاس الربيع العربي على مجرى الأحداث في سورية من خلال نصوص وشهادات. وبأسلوب سردي شيّق، يُكمل صبرا في استرجاعه الأحداث والظروف التي مهدت لقيام «سورية الأسد»، لكنه لا يتوقف عند حدود الأمور السياسية والعسكرية، بل يغوص في بعض التفاصيل الشخصية والعائلية لبعض رموز النظام، خصوصاً انّ قضية التوريث تُحتّم الدخول في شِرك العلاقات الداخلية للعائلة الحاكمة. ويأتي الفصل الثالث «نقطة ضعف حافظ الأسد» ليبحث في البعد الإنساني لدى الأب الذي تميّز، على رغم قوته بضعفه تجاه أبنائه. وينقل الكاتب بعض الأسرار الشخصية والعائلية عبر شهادات لبعض عارفي حافظ الأب عن كثب مثل عبدالحليم خدّام. ويُصوّر كيفية انتقال الحكم من الأب إلى ابنه بشّار، بعدما كان ابنه الراحل باسل هو من يحكم وبحضور والده أيضاً. ولا يتوانى صبرا عن الدخول في أتون الاغتيالات السورية في لبنان في أكثر من فصل: «اغتيالات حافظ»، «اغتيال كمال جنبلاط»، «بشير الجميّل يرفض حلفاً علوياً مسيحياً». ثمّ يُخصّص فصلين محدّدين لرصد العلاقة الملتبسة بين النظام والرئيس الشهيد رفيق الحريري: «الحريري الأب والأسد الأب»، «الحريري الأب والأسد الإبن». يُبشّر حسن صبرا في كتابه الجديد بنهاية «الفيلم» البعثي السوري الطويل الذي امتدّ أربعة عقود بسقوط العائلة وعودة الوطن الذي ذاب في صمته وخوفه وقمعه طوال فترة حكم الأب المعلّم وابنه.