في سابقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية منذ ستة قرون، قرر البابا بنديكتوس السادس عشر (الكاردينال الألماني جوزف راتزينغر قبل انتخابه حبراً أعظم في 19 نيسان - أبريل 2005) التنّحي عن كرسي البابوية. وهو أعلن النبأ خلال مجمع للكرادلة، مشيراً إلى أن نهاية «وزارته» ستكون بحلول 28 الشهر الجاري، ما يعني ان المجمع سيلتئم بدءاً من مطلع آذار (مارس) لاختيار خلف له. ولا يُستبعد تحديد راتزينغير، المعروف بسلطته المطلقة على الكنيسة حتى قبل اختياره حبراً أعظم قبل 8 سنوات، مجموعة مُصغّرة لاختيار البابا الجديد. وشدّد البابا على أن قراره «جاء بعد تفكير ملي، وإعادة اعتبار أمام ضميري وأمام الرب. وتوصّلت الى قناعة بأن تقدّمي في السن لا يمنحني القوة لممارسة الوزارة البطرسية في شكل يتناسب مع المهمة. وأدرك جلياً أن هذه المهمة، الروحية في محتواها، يجب ان تُمارس ليس بالقول والفعل فقط، بل أيضاً عبر الصلاة وتحمّل الآلام». وزاد: «تحتاج إدارة كرسي القديس بطرس... الى قوة ورجاحة العقل وقوة الجسد». وستكون الأسابيع الثلاثة المقبلة محطة مهمة في تحديد خليفة راتزينغر. وتشير توقعات إلى احتمال تنافس ثلاث مناطق على الفوز بالبابوية، وهي إيطاليا التي فقدتها اثر تولي يوحنا بولس الثاني (البولندي كارل فويتيلا) الكرسي الرسولي في ايلول (سبتمبر) 1979، وبعده بنديكتوس السادس عشر، وثمة مرشحان ايطاليان قويان، اولهما أسقف ميلانو الكاردينال آنجيلو سكولا (72 سنة) الذي كان بين أقوى المرشحين لخلافة يوحنا بولس الثاني، علماً ان مراقبين كُثراً اعتبروا انتقاله من البندقية الى ميلانو طريقاً إلى كرسي الفاتيكان. أما المرشح الثاني فهو رئيس مجلس الأساقفة الإيطاليين آنجيلو بانياسكو (70 سنة) الذي يتمتع بحضور قوي، ونفوذ سياسي وروحي بارزين. أمّا المنطقتان الأخريان اللتان تضغطان بشدة منذ وفاة البابا السابق، فهما القارتان الأميركية والأفريقية اللتان تتمتعان بثقل سكاني هائل، وأهمية في الخريطة الكاثوليكية العالمية. وتتداول من أميركا اللاتينية اسماء أسقف بوينيس آيرس، الكاردينال جورجي ماريا بيرغوليو (76 سنة)، وأسقف نيويورك تيموثي دولان (63 سنة) وأسقف اقليمكيبيك الكندي مارك كويلييه (68 سنة). اما في افريقيا فيبرز اسم الكاردينال النيجيري فرانسيس آرينيزي (70 سنة) والكاردينال الغاني بيتر توركسون (64 سنة). وسيضم مجمع «االانتخابي» الذي سيختار البابا الجديد 117 من اصل 118 كاردينالاً، لأن بلوغ أسقف كييف الثمانين من العمر في 26 الجاري سيمنع وجوده في المجمع الذي يعقد تحت قبة «سيستين» في حاضرة الفاتيكان، والتي سيعتكف الكرادلة في قاعتها حتى صعود الدخان الأبيض الذي يُعلِن انتخاب البابا الجديد. ورغم تساقط الثلوج على انحاء ايطاليا، وقع نبأ تنحّي البابا بمثابة «صاعقة في يوم مشمس» على المجتمع السياسي الذي يستعد لجولة انتخابية حاسمة في 24 و25 الجاري. وسيترك ذلك تأثيرات عاطفية ونفسية على مسار الانتخابات. وسارع رئيس الحكومة المنتهية ولايته ممثل التيار المسيحي في البلاد ماريو مونتي الى اعلان دهشته ازاء الخبر «المفاجئ». وقال: «لا استطيع التعليق على موضوع مهم وعميق قبل الحصول على مفردات أكثر وضوحاً»، نافياً علمه مسبقاً بقرار البابا. ووصف بيار لويجي بيرساني، زعيم الحزب الديموقراطي الذي يحتضن تياراً كاثوليكياً قوياً، خطوة البابا بأنها «ذات طابع تاريخي مهم، رغم انها ليست وحيدة في تاريخ الكنيسة». وتابع: «لا يرتبط القرار بالضعف، بل اتخّذه لاهوتي كبير وضع علومه في مصلحة الكنيسة، لذا يفتتح لكنيسة عصرية جديدة مهد لها ثيولوجي ومؤرخ ضليع». الموقف الأميركي من تنحي البابا اعتبر قراره «سابقة». وقال السفير الأميركي في روما، ديفيد ثورن، أن «البابا يسعى الى الإفساح في المجال أمام زعامة للكنيسة أكثر دينامية». أما اسرائيل فرأت ان فترة تولي بنديكتوس السادس عشر الكنيسة الكاثوليكية كانت «الأقل معاداة للسامية»، وشدّد الحاخام يوان ميتزغير على ان «البابا ساهم في تطوير العلاقة بين الكنيسة والحاخامية الكبرى، ما أفضى إلى خفض معاداة السامية في العالم».