قبل نزوحها إلى لبنان من محافظة حمص السورية، كادت عائلة منيف (20 سنة) تفقد الأمل في بقاء ابنها الذي يعاني من مرض التلاسيميا المزمن، على قيد الحياة، إلى أن تمكنت من بلوغ عيادة تستقبل نازحين سوريين في مدينة طرابلس الشمالية. يحتاج منيف إلى عمليات منتظمة لنقل الدم ومن دونها قد يموت. وهو واحد من آلاف السوريين الذين يعانون من أمراض مزمنة ويجدون صعوبة فائقة في الحصول على العلاج المناسب في ظل ظروف الحرب الدامية التي تجتاح بلادهم. وبدا منيف شاحباً في العيادة التي التقته فيها وكالة «فرانس برس». وقال: «كنت أتلقى علاجاً دورياً. اليوم لا يمكن الوصول إلى أي مستشفى في حمص» في وسط سورية. وأضاف: «قبل أن أصل إلى هنا، كاد أهلي يفقدون الأمل في بقائي على قيد الحياة». وبسبب النزاع المستمر منذ أكثر من 22 شهراً، تراجعت كل الخدمات الطبية والاجتماعية، ودمر النظام الصحي الذي كان يعتبر من الأنظمة الصحية المتينة إجمالاً، بسبب الحرب ونقص المازوت والكهرباء. وتقول منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان إن المستشفيات والأطباء في سورية هم غالباً أهداف للقصف وأعمال العنف، فيما لم يعد للخدمات الصحية وجود على الإطلاق في بعض المناطق. وقال طبيب في مدينة حلب في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس» رافضاً الكشف عن اسمه «الذين يعانون من أمراض في القلب ومن السكري والسرطان يحتاجون إلى متابعة وعلاج دائم. لكن بسبب نقص الأدوية والأطباء المختصين وإمكانات دخول المستشفيات، فقد أصبحوا الضحايا الصامتين لهذا النزاع المدمر». وقال الطبيب السوري ماهر الخاشف في طرابلس إن لجوء هؤلاء المرضى إلى لبنان المجاور الذي يعاني بدوره من مشاكل عدة في نظامه الصحي، لا يضمن لهم الحصول على العلاج. وأضاف: «المرضى الذين لجأوا إلى لبنان صدموا فور وصولهم بأسعار الأدوية المرتفعة وصعوبة الدخول إلى أي مستشفى». وتابع أن «الذين يحتاجون إلى علاجات مكلفة يعمدون إجمالاً إلى إجراء اتصالات هنا وهناك، فإذا وجدوا من يغطي مصاريف علاجهم، يتم إنقاذهم. وإلا، عليهم أن ينتظروا، وإذا انتظروا كثيراً، يموتون». في تقرير بعنوان «البؤس بعيداً عن منطقة الحرب» صدر الخميس، ذكرت منظمة «أطباء بلا حدود» أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين إلى لبنان لا يتلقون العلاج الذي يحتاجون إليه بسبب ارتفاع كلفته. وأضافت أن اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين فروا من الحرب إلى لبنان «لديهم احتياجات إنسانية كبيرة لا يتمكنون من الحصول عليها». وأشارت إلى عدم إمكانية تأمين «مصاريف الحاجات الطبية الأساسية وتلك المتعلقة بالنساء الحوامل والولادات في المستشفيات». وقال فرانز لوف رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» إلى شمال سورية، إن السوريين كان لديهم قبل اندلاع الاضطرابات في منتصف آذار (مارس) 2011، «نظام صحي جيد»، مضيفاً أن «هذا النظام انهار». وقال آدم كوتس من جامعة كامبريدج البريطانية الذي أشرف على دراسة حول هذا الموضوع نشرت في مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية «وكأن التأثيرات العسكرية على السوريين لا تكفي، هناك أيضاً هجوم شامل على البنى التحتية للنظام الصحي». وأضاف أن النزاع السوري هو «كارثة إنسانية عامة ستزداد سوءاً». وأعلنت وزارة الصحة السورية في كانون الأول (ديسمبر) أن 55 في المئة من مستشفيات سورية أصيبت بأضرار كبيرة، و31 في المئة منها باتت خارج الخدمة. وأكثر المستشفيات تضرراً هي تلك الواقعة في المدن مثل حمص وحلب حيث ينقص الغذاء والنظافة وهناك مشاكل في الحصول على المياه. لكن، على رغم هذا الوضع المأسوي، لم يسجل انتشار أوبئة في سورية بعد، وإن كانت منظمة الصحة العالمية تحدثت عن ازدياد في حالات الإسهال. وأشارت مجلة «لانسيت» من جهتها إلى «ارتفاع في الإصابات بمرض السل في المدن، لا سيما في حلب وبين اللاجئين في دول المجاورة». وذكرت «لانسيت» أن التعامل مع الحاجات الصحية للاجئين السوريين في الأردن وتركيا سيء أيضاً. وقال كوتس: «إذا لم يتم ضبط الوضع، فالأمور ستصبح خارج السيطرة».