تشكل تنسيقية اللاجئين السوريين المكوّنة من مجموعة شباب من محافظات حمص، دليلاً للاجئ السوري، وهي صلة وصل مع الجمعيات الخيرية والمتبرعين الباحثين عن أماكن وجود الحالات الصعبة لتغطية حالاتهم التي لم تغطها الجمعيات أو هيئة الإغاثة العليا (مرجعية لبنانية) من أجل متابعة أمورهم العصية، ولا سيما المعيشية والصحية والسكنية. فمدينة طرابلس تضم ما يقارب 1850 عائلة مهجرة، وهو رقم في تزايد مستمر، يلقي على الهيئات المعنية مسؤولية تزيد عن طاقتها، مما يضع العائلات في وضع لا تحسد عليه، حسب ما يقول أمين مندو، أحد أعضاء التنسيقية. ويضيف، وهو يوصف وضع اللاجئين في المدينة، أن حالات النزوح مرت بمرحلتين، الأولى كان فيها المعدل اليومي لعدد العائلات اللاجئة إلى طرابلس ما يقارب 80 عائلة. والثانية انخفض فيها عدد العائلات بشكل يومي إلى 20 أو 30 عائلة، وذلك بعد منع السلطات السورية هذه العائلات من دخول لبنان وقطع المعابر الحدودية وزرع الألغام على المعابر. ولا تنحصر مهمة التنسيقية في إحصاء عدد النازحين، فهي تتابع بشكل دؤوب مشاكلهم، وتقف عند متطلباتهم وترعى شؤونهم العامة والخاصة. إحصاء وبحسب مندو فإن العائلات في طرابلس موزعة على الشكل التالي: 500 عائلة في منطقة أبي سمراء، 250 عائلة في منطقة القبة، 250 عائلة في منطقة المنيا، 250 عائلة في منطقة البداوي، 150 عائلة في منطقة التبانة. وهذه المنطقة تشهد نزوحاً من نوع آخر بسبب التوترات الأمنية الحاصلة بين منطقة "باب التبانة" و"جبل محسن"، 80 عائلة في منطقة القلمون. وما تبقى من العائلات متوزعة في بقية المناطق. التمويل ما الجهات المموّلة والداعمة للاجئين في طرابلس؟ يقول مندو "هناك مصادر عدة للتمويل. أولاً الجزء الأكبر من المغتربين أو التنسيقيات العاملة في الخارج وكذلك المعارف والأقارب والأصدقاء الموجودون في الخارج، ولا سيما في بلدان الخليج، وثانياً هناك مجموعة من الجمعيات، منها على سبيل الذكر لا الحصر: مستوصف مسجد الحميدي، الذي يسخّر كل خدماته للمساهمة في تقديم الخدمات للاجئين، جمعية البشائر، وهي عادة تعتبر مركز استقبال للاجئين الجدد، بحيث يأخذون الحاجيات الأولى والضرورية، "بيت الزكاة"، جمعية "الاتحاد"، جمعية "الوفاق"، مسجد الفضيلة في منطقة البداوي، "الصليب الأحمر اللبناني" و"الدولي". وكثير من التجمعات الشعبية والطلابية والشبابية الداعمة من خلال القيام ببعض الفعاليات وجمع التبرعات، إضافة إلى الهيئة العليا للإغاثة اللبنانية التي تغطي العمليات الجراحية الخطرة والضرورية جداً، "وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية" وتكون مع منظمة الأممالمتحدة ومرافقة لها، منظمة "أطباء بلا حدود"، كذلك بعض التجار والشعب اللبناني والطرابلسي المتعاطف بشكل كبير والذي يساهم بجزء من الدعم عبر التبرعات". والصحة وعلى الصعيد الصحي، يقول مندو إن عددا من المرافق الطبية تساهم في مساعدة الجرحى والمرضى من النازحين من بينها المستشفى الحكومي، وفيه تتم معالجة أخطر الحالات وإجراء العمليات ويتم تغطيته مادياً من الهيئة العليا للإغاثة، مستشفى الشفاء وفيه تتم عملية الاستشفاء للمرضى اللاجئين، ومستشفى الزهراء، وهو للنقاهة، ومستشفى الرحمة وهو مختص بالعلاج الفيزيائي. كما هناك بيوت مخصصة لمعالجة الجرحى وحالات الاستشفاء. وهناك بعض اللاجئين تم تشغيلهم ولو ببدل نقدي متدنٍ جداً، ولكن يبقى أحدهم في عمله من أجل الحصول على مورد مادي ضئيل ثابت. من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان عموماً وطرابلس خصوصاً كبيرة جداً، وكل ما ذكر من جهات مانحة لا يغطي سوى 10% من الحاجيات، فهناك حاجة ماسة لتفعيل عمل مكاتب الأممالمتحدة على نطاق واسع وكبير لمعالجة واحتواء هذه الأزمة، ولكن هناك جهات سياسية معينة لا تريد أن تأخذ قصة اللاجئين أكثر من الحيز الضيق التي تأخذه حالياً ويجري تعتيم عن المعاناة، ولذلك فإن الحاجة ماسة لتدخل الأممالمتحدة في هذا المجال. ومن هنا لا بد من تنظيم وجود دائم لمراكز استقبال اللاجئين، فالنازح يصل إلى لبنان وهو لا يعرف إلى أين يذهب وأين يبدأ حياته. فتأمين السكن أمر ضروري لإشعار اللاجئ بالأمان. ويضرب مندو مثالا على ذلك بأن إيجار المنزل ارتفع من 200 دولار في الشهر إلى ما بين 400 و450 دولارا، " ويوجد حاليا 50 عائلة مهددة بالطرد لعدم مقدرتها على دفع الإيجارات وذلك بسبب عدم وجود مخيم كامل متكامل لكل اللاجئين، بالإضافة إلى غياب الحماية الأمنية المطلوبة، وهذا ما لم تقدمه الدولة، وبدلا من ملاحقة الناشطين واللاجئين من قبل الأجهزة الأمنية يمكن وضع اللاجئين في مخيم ومراقبتهم وحمايتهم في الوقت نفسه، وحالياً مجرد أن تجد بيتا للإيجار فهو إنجاز بحد ذاته، بالتالي يمكن أن نجد مجموعة عائلات في بيت واحد قد يصل العدد إلى خمس عائلات". تداعيات نفسية ولا يمكن إهمال انعكاسات الحرب على نفسية الأطفال بعد مشاهداتهم لآبائهم أو إخوتهم أو أقاربهم أو جيرانهم وهم يقتلون على أيدي النظام، أو منزلهم يدمر ويسرق أو يحرق، أو ما عانوه خلال رحلة لجوئهم القاسية المليئة بالحرمان لأبسط ما يتمناه الطفل من حلويات أو متابعة التلفاز وتعليم وغيرها من الحاجات، دون إهمال التعليم. وفي هذا الإطار يقول مندو إن "هناك قرارا لبنانيا بتسجيل الأطفال بالمدارس الرسمية، ولكن هناك مشكلة تتمثل بوسيلة نقل الطفل أو ثمن الكتب، بحيث إن اللاجئ لا يستطيع أن يجد ما يكفيه من طعام وحاجيات، فكيف يدفع لنقل الأطفال إلى المدارس؟". الحلول ويضيف "كانت هناك فكرة لتدريس اللاجئين في أماكن مخصصة بمناهج سورية وبمدرسين سوريين، ولكن لم يستطع القائمون على إعانة اللاجئين التوصل لتحقيق ذلك، خاصة أن هناك ما يقارب 2000 طالب بحاجة إلى التعليم مما يشكل مشكلة أساسية". بالنسبة للوضع الصحي والحلول المطروحة في هذا المجال يقول مندو "يجدر في البداية أن أذكر أن المجتمع اللبناني يعاني من مشكلات كبيرة في مجال الصحة والمستشفيات وطرق قبول المرضى، وبالتالي هذا الموضوع صعب التعامل معه، ولكن الهيئة العليا للإغاثة اللبنانية تقوم بتغطية تكاليف الجرحى والعمليات الخطيرة جداً، ولكن بالرغم من ذلك هناك مشكلة في إدخال المصابين بأمراض غير متعلقة بالحرب، عدا أنه لا يتم علاج أي لاجئ ما لم يثبت أنه مسجل في هيئة الإغاثة، وهذا ما يعرض حياة غير المسجلين للخطر". وتنسحب القضية الصحية على الدواء وخاصة للأمراض المزمنة كالضغط والسكري والأقراص المسيلة للدم أو الأدوية المكلفة لأمراض مستعصية وخطيرة، بالإضافة إلى نقص اللقاحات، حيث تبين بإحصائية أن هناك بين 50 و60 طفلا حديثي الولادة وعدد منهم توائم. حالات اغتصاب كما تم توثيق ثلاث حالات اغتصاب موجودة في مدينة طرابلس إلا أن الناشطين يتكتمون عنها ويقولون إن الضحايا معززات ومكرمات حالياً. كما أن هناك عائلة فيها ثلاث حالات عمى تام بأعمار بين 27 و 28 و30 سنة وكذلك عائلات لديها من هم مصابون بشلل دماغي أو حالات ضمور دماغي. ويتعرض اللاجئون السوريون إلى مضايقات أمنية، إذ إن هناك أماكن وأحياء يسكنها أشخاص موالون للنظام الأسدي، وبالتالي يتعرض كل منهم للظلم والكبت والخوف، خصوصا بوجود أشخاص ينتمون إلى أحزاب موالية للنظام. وهناك أيضاً اللاجئون القاطنون في منطقة باب التبانة بحيث إن أي اشتباك أو خلل أمني سوف يضطرون معه إلى اللجوء لأماكن بعيدة عن مكان الاشتباك، إلا أن مندو يؤكد أنه بالعموم "الحالة جيدة إلى حد ما". ويضيف "أما الحالة الأمنية للناشطين السوريين، فهناك الكثير من الشباب الناشط في المجال الإعلامي والإغاثي والسياسي يتعرضون لملاحقات أمنية وتحقيقات وتهديدات وحتى إهانات في بعض المرات، وكذلك يمكن أن تأتي قوائم من سورية للسلطات(اللبنانية) بأسماء هؤلاء الناشطين. وسجل خطف أشخاص وتسليمهم للأمن، وكذلك وجود أشخاص تابعين لبعض الأحزاب يقومون بمراقبة الناشطين حالياً". وسجل مندو حالات خطف ومحاولات اغتيال وإطلاق نار واصطدام سيارات عن عمد وعمليات ضرب واعتداء جسدي من شبيحة النظام الموجودين في لبنان، كما سجلت حالات اختفاء لعدد من الناشطين في مدينة طرابلس". بطاقة لاجئ يعاني اللاجئون من عدم ما يثبت حالتهم، مثل عدم وجود بطاقة تضمن حريتهم بالتنقل داخل الأراضي اللبنانية من أجل التسوق أو العمل...إلخ، مع العلم أن من حق أي لاجئ في أي بلد الحصول على مثل هذه البطاقة لضمان حرية حركته، بعيدا عن المساءلة أو التوقيف تحت ذرائع مختلفة. وفي هذا الصدد يشير مندو إلى أن كثيرا من اللاجئين فروا من سورية بدون اصطحاب أوراقهم الثبوتية أو دخلوا من معابر غير شرعية، وهنا تكمن مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأممالمتحدة للعمل على تأمين مثل هذه البطاقة بالتعاون من السلطات اللبنانية. يمكن اختصار يوم من حياة اللاجئ بأنه يقضي وقته على أبواب الجمعيات والمستوصفات والبحث لتأمين موارد غذائية أو مادية لدفع ما عليه من أعباء حياتية. نسأل مندو عن نظرة اللاجئ للمستقبل في سورية، فيجيب "بالرغم من البيوت المهدمة والمجازر وتزايد عدد الشهداء والمعتقلين، وبالرغم من الحرمان والكبت والحاجة، فنحن نجد أن هناك حالة تفاؤل وحماس وأمل وتأكيد بأن النظام ساقط لا محالة وأن سورية المستقبل هي أفضل بعد سقوط هذا النظام الطائفي الحاقد". وعن دخول الناشطين وخروجهم إلى سورية والتواصل مع الداخل، يقول "هناك تواصل بشكل مستمر ويتم عن طريق هذا التواصل إرسال الأدوية والأجهزة الطبية والمواد الغذائية والخبز للداخل السوري، وكذلك أدوات الاتصال. وقد يتم ذلك عن طريق المهربين أنفسهم سواء على الطرف السوري أو الطرف اللبناني.