رام الله (الضفة الغربية) - رويترز - يقدم الممثل الفلسطيني فادي الغول قصصاً حقيقية في مسرحيته «كلارينت» التي يؤديها منفرداً من ذاكرة طفولته التي عاشها خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982. ويأخذ الغول جمهور مسرحيته، من إخراج أكرم المالكي، التي عرضت في اليومين الماضيين على خشبة مسرح وسينماتك القصبة في رام الله، الى تفاصيل بسيطة تحمل معها ذكريات طفل خلال الحرب على رغم أن جزءاً كبيراً منها كان بعيداً من تلك الحرب والسياسة. وقال الغول الذي نجح على مدار سبعين دقيقة في إبقاء الجمهور مشددواً إليه وهو يتقمص العديد من الشخصيات التي لها بصمات في حياته: «هذا العرض المسرحي هو قصتي الحقيقية خرجت الى النور بعد عام ونصف العام من الإعداد والتحضير». وأضاف: «يقدم هذا العمل بعض التفاصيل الصغيرة التي قد لا يتوقف عندها الكثيرون في النظر الى تلك المرحلة، وهي نابعة من الذاكرة وربما تعكس أحلام آلاف الأطفال الذين عاشوا تلك المرحلة وواقعهم. بعض المشاهد أضيفت إليها لمسات فنية لتتناسب والعمل المسرحي. ولكن ما تتحدث عنه هو حقيقة». وعن اختياره عنوان المسرحية، قال: «الكلارينت آلة موسيقية والموسيقى تعني الحياة التي بحثت عنها وسط الموت الذي كان ينشره الدمار، بسبب حرب مجنونة حملت كل معاني القسوة، وطالت كل شيء في الحياة، كما ان الموسيقى رمز للحب والعطاء». وأشار الى أن «للكلارينت جزءاً مهماً في ذاكرتي فمعها بدأت اتعلم الموسيقى، بعدما عثرت عليها في المكان الذي خبأها عمي فيه خلال الحرب». ويمثل الغول نموذجاً لمئات آلاف الفلسطينيين الذين رحلوا أو أجبروا على الرحيل عن منازلهم عام 1948، فقد لجأ والده الى غزة قادماً من بلدة «هربيا» على الحدود مع غزة، ليهاجر مرة أخرى الى لبنان بعد رب 1967 حيث ولد فادي الذي عاد الى الأراضي الفلسطينية عام 1995 وعمل عام 1999 على تأسيس مسرح «سفر للأطفال» إضافة الى تدريسه الموسيقى للأطفال. ويتحدث الغول في مسرحيته عن اطفال عاشوا في زمن جعلهم يكبرون كثيراً. فقبل أن يتجاوز العاشرة من عمره عام 1982 كان كغيره من مئات الأطفال في حيه يتدرب على السلاح وسط معارك ضارية بين المقاومين والجيش الإسرائيلي. ويواصل الغول حديثه عن حياة طفل أحب فتاة في مثل سنه، ولكن الحرب اجبرته على التنقل بين الكثير من الأماكن بحثاً عن مكان آمن بعدما افقدته تلك والدته وصديق طفولته ودفعت والده إلى الخروج من لبنان مثل آلاف المقاتلين الفلسطينيين الذي تركوا البلد عبر البحر في طريقهم الى تونس بعد التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار. ويعيد الغول في عمله المسرحي الى الذاكرة المذبحة التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، من دون ان يدخل في تفاصيل من قام بها. ولكنه يقدم صورة انسانية لمشاعر الخوف من الموت الذي كان يعتقد انه قادم اليهم مع كل زخة رصاص او صرخات من كانوا يقتلون. وقال : «لم يكن الموت سوى على بعد امتار منا ولكننا نجونا». ويرى الغول في عرضه المسرحي شهادة حية لتفاصيل صغيرة لا تخصه وحده، بل تخص آلاف الأطفال، ويريد ان تبقى حية في ذاكرة الأجيال. وقال: «هذه المسرحية هي نبش للذاكرة كي لا ننسى وأهديها لروح والدتي التي اتمنى ان اتمكن يوماً من العودة الى لبنان لزيارة قبرها». وأفاد المخرج أكرم المالكي بأنه اختار أن «يكون العمل بطريقة المونودراما (الممثل الواحد) لأنه كان الأنسب لهذا العمل المبني على ذاكرة الممثل نفسه. والتجارب التي عاشها سيكون تعبيره عنها مليئاً بالإحساس والصدق». ويشتمل العرض على بعض مقاطع من اغان للموسيقي اللبناني مرسيل خليفة، وبعض الأصوات المسجلة لمذيع نشرات أخبار، إضافة الى أصوات جدته وأمه وأغنية «عصفور طل من الشباك» التي تقدمها ابنته أميرة. ويأمل الغول بأن تتاح له الفرصة لتقديم عرضه المسرحي في الدول العربية بعدما قدمه ليومين على خشبة مسرح وسينماتك القصبة في رام الله.