نادراً أن تحمل جسدك وتتجه به إلى إدارة ومؤسسة حكومية فينقضي ما أنت ذاهب من اجله بطريقة سلسة ومباشرة دون اللف والدوران على الغرف والمصاعد، وحساب عدد درجات المباني، ومشاهدة أكبر رقم من الوجوه والتوقيعات!! تدخل إلى غرفة أولى، فيتجه بك المخطط السهمي التتابعي لغرفة مجاورة ووجه جديد، تلتقي بالوجه الجديد فتجده لا يختلف كثيراً عمن قبله، عدا أنه متثائب تظهر عليه علامات السهر والتعب مما يضطره لأن يشير لك برأسه - صامتاً – أو بواحدة من يديه في ظل انشغال الأخرى بتقليب صحيفة، أو رسالة هاتف جوال، أو لوحة الكومبيوتر المكتبي، تتجه بعده تبعاً للإشارة مع غضبك عليه وعليها، إنما ليس موعداً ملائماً للصِدَام المبكر، ولا توقيتاً مناسباً لتعليم دروس فن التعامل مع الآخرين، والمهارة الفائقة في توزيع الشيك المجاني الذي يدفعه الإنسان لكسب ود الآخر وهو «الابتسامة»، تقضي اليوم كعداءي المسافات الطويلة من حيث اللياقة البدنية العالية التي تحتاجها في مواقف مشابهة كهذه، وضرورة أن تكون معتمداً من ذوات النفس الطويل أيضاً ذلك الذي إن كان قصيراً فربما تتحول ساعات الركض والمشي الصباحية إلى حلبة ساخنة من التهديد والوعيد والبحث عن المسؤول وإعداد شكاوى مختلفة عن ما يحدث، وسيل من الشتائم المتناثرة تلك التي قد تخرج تفاصيلها وسخونتها إلى مؤسسات حكومية مجاورة تفصل في النزاعات والخلافات بما لا يعجبنا لحظتها. نادراً أيضاً أن تتابع أوراقاً تتعلق بك وفق خدمة الكترونية، أو تنظيم واضح، وإن حدث هذا فاعلم أنك على مشارف مفاجأة قد لا تطول، أو تمتد لأنه سيقطعها إجراء روتيني أو بيروقراطي متوفر يضعها مجرد حلم أو نقطة في بحر المشاوير الطويلة، ولو حدث هذا - مثلاً - لتم الاحتفاظ بكمية هائلة من الحبر تذهب هدراً لحضرة «التوقيع» ذلك الذي يطمس كلمات مهمة في أوراقنا ويلون الصفحات من أماكن متفرقة ويصعب أن يأتي توقيع قبل آخر، لأن كل توقيع مصدر اطمئنان لأخيه من لون آخر في ظل الجهل بالمحتوى، وعدم الرغبة في اختصار الزمن وعشق مشاهدة المواطن البسيط في أكثر من حالة نفسية مختلفة، والرغبة في أن يأتي بمعرفة ذات حضور اجتماعي أو عملي حتى تمر معاناة الاوراق عبر طاولة واحدة فقط، ولن تحدث الخدمة الالكترونية قريباً لأنها ستهمش نسبة كبيرة من مدمني مسمى «مدير»، ذلك الإدمان الذي يصيب مجتمعنا بالهوس حين نجد الكل يرى نفسه مديراً، ولو على كمية الأوراق التي أمامه وكرسيه البسيط، ولذا نادراً «للمرة الثالثة» أن ترغب في مراجعة أي مكان حكومي ولا تتهيأ من قبل «بالسؤال الأكثر شعبية»: هل تعرف أحداً؟ وذلك خوفاً من السيناريو المختصر أعلاه، ورغبة في توفير الوقت والجهد، والاحتفاظ بالمجهود العضلي والبدني والنفسي ليوم أسود قادم تكون فيه الإجابة عن السؤال الشعبي «لا». [email protected]