عند الفتح العربي لمصر، لم تصطدم جيوش المسلمين الظافرة بأي حركة مقاومة من جانب الهيئة الوحيدة المنظمة التي كان يعمل حسابها في تلك البقاع الوعرة ألا وهو دير سانت كاترين، وقد كانت سيناء، وما زالت عند العرب المسلمين منطقة مقدسة حينما ذكرها في القرآن الكريم. وفي نحو عام 621 كان الاسراء والمعراج لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي وقف به الملاك جبريل عند جبل سيناء. أما عن وجود العرب في سيناء، فيرى البعض أن ذلك يرجع الى زمن الامبراطور جوستينيان أوائل القرن السادس الميلادي حيث وجد المؤرخ الراحل نعوم شقير في أحد أدراج مكتبة سيناء ما يفيد بأن الأعراب من بني اسماعيل كانوا يعيشون في تلك المنطقة قبل بناء الدير، ومن أقدم القبائل الأصلية التي بقي أثرها في شبه الجزيرة بعد فتح العرب لها: قبائل الحماضة، والتبنة، والموطرة، وقبيلة العايد التي عهدت اليهما الحكومة المصرية قديماً حراسة المحمل الشريف من مصر الى العقبة، كما ورد ذكرهم في كتاب «الأم» المحفوظ بالدير. حيث كان لهم الاشراف على قبائل الطور ورهبان دير سيناء في بيت شيخهم بشأن تاجير الإبل وتأمين الطرق. وهناك أيضاً قبيلة بني واصل التي أجمع الثقات في سيناء على أنها من بني عقبة من عرب الحجاز، وأن افرادها هاجروا الى بلاد الطور واقتسموا البلاد مع قبيلة الحماضة كما قرأ شقير ذكراً لبني واصل وقبيلة النفيعات في كتاب الأم. ويمكن القول بأن تاريخ الدير مع الحكّام المسلمين كان غالباً لصالح الرهبان فهو يحظى بمكانه مرموقة ومركز ممتاز، وليس أدل على ذلك من حرص الرسول العربي نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يعطي للرهبان عهداً بالأمان وذلك منذ وطئت قدماه الكريمتان حدود سيناء في آيلة «ايلات» عند زيارته لتبوك. وقد كانت مسألة عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) مثار خلافات بين المؤرخين الذين تصدوا لها بين مؤيد للعهد وآخر ينفى هذا العهد جملة وتفصيلاً. فالمستر بازيلي يؤكد مكافأة الرسول (صلى الله عليه وسلم) للرهبان أثناء زيارته للدير على حسن ضيافتهم له ومنحهم هذا الأمان. وقد نادى المؤرخ عزيز سوريال عطية بالرأي نفسه حين قال إنه مع اعطاء محمد (صلى الله عليه وسلم) توقيعه على العهد انضم لها كل المسلمين المخلصين ليحموا الدير ورهبانه. وكذلك يؤيد السيد رابينو صحة هذا العهد ويسميه بالعقد نامة، كما تؤكد السيدة دبسون أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أعطى الدير خطاب حمايته ووقعه بنفسه بعلامة سوداء أو ببصمة سوداء حيث أنه لا يستطيع الكتابة، أما Lina Ecanstein فتفترض أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أعطى هذا الأمان للرهبان. ويقول المستعرب الروسي بيرمنوف أن مطران سيناء قسطنديوس في كتابه عن مصر والمطبوع في أربعينات القرن التاسع عشر أن محمد (صلى الله عليه وسلم) رد جميل حسن الضيافة للرهبان بمنحهم في اليوم الثالث من محرم سنة 624م صك الأمان وأن النص كان محفوراً على جلد غزال بخط كوفي ممهور ببصمة يد محمد (صلى الله عليه وسلم) وتوقيع 21 شاهداً. ومن المهم أن ننوه بأن الكنيسة الأرثوذكسية قد تذرعت بهذه الوثيقة عام 1810م في نضالها لاستعادة حقوقها في ضريح السيد المسيح في القدس حيث قرئت بشكل احتفالي مهيب لإثبات حقوق أتباع المذهب الأرثوذكسي وامتيازاتهم. ونود القول بأنه لو ثبت حقاً أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أعطى هذا العهد فإنه أعطاه للمسيحيين جميعاً وليس لطائفة بعينها. من ناحية أخرى، ينفي بعض المؤرخين صحة هذا الموضوع، فأسد رستم عند حديثه عن الرسائل التي بعثها سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) للأمراء والأباطرة المحيطين بالجزيرة العربية لم يذكر هذا العهد والشيء نفسه بالنسبة الى حميد الله الحيدبادي وأحمد زكي باشا شيخ العروبة. وحجة المعارضين هنا أن لغة العهد تختلف عن لغة عصر النبي ففيها من التراكيب والألفاظ ما لم يكن مألوفاً في ذلك العصر. إضافة الى أن الوثيقة مؤرخة في السنة الثانية للهجرة مع أن الهجرة لم يؤرخ لها إلا بعد السنة ال 18 أي بعد وفاة الرسول بسبع سنوات. وفضلاً عن ذلك أن بعض الشهود المذكورين في نهاية الوثيقة مثل أبي هريرة، وأبى الدرداء لم يكونوا قد أسلموا بعد في السنة الثانية للهجرة. وأخيراً فإن مؤرخي الإسلام لم يذكروا هذه الوثيقة ولم يأتوا بأي اشارة تدل عليها. وفي ضوء ذلك فإن من المعتقد أن الرهبان لا يدعون أن هذه العهدة هي الأصل الذي صور عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا صورة طبق الأصل. بل هي الصورة التي أعطيت لهم بعد أخذ العهد منهم، كما أن ثاني سنة للهجرة ليس لها تاريخ أصلاً بل أن العهدة التي في أيدينا تذكر ان الأصل أعطي في ثاني سني الهجرة والظاهر أنه ثامن - على حد قول شقير - لا ثاني سني الهجرة فحرفة النساخ، ومثل هذا التحريف وارد ولا سيما أن النساخ كانوا من الأعاجم - وعلينا أن نتذكر أن رهبان الدير كانوا في غالبيتهم من الأروام وهم الذين يجيدون الكتابة - وأخيراً فإن عدم ذكر أحد المؤرخين، للأصل لا يطعن بصحته وإن كان «المقريزي» في كتابه «القول الابريزي» الذي جمعه مينا اسكندر ودوّن فيه ما يخص بالقبط مما كتبه المقريزي في خططه وطبعه في القاهرة عام 1898م. قد أورد نص هذا العقد، ونحن من جانبنا لا نستبعد صحة هذا العهد أو صحة الأصل المفقود لأن هذا العهد لا يخرج في مضمونه عن مآثر ومعاني الاسلام السمحة، كما أن المؤرخ أبي سعد يذكر أن الرسول قد أرسل كتاباً في السنة السابقة من الهجرة الى الأسقف يدعوه للاسلام ونحن لا نعرف بالضبط ما اذا كان هذا الاسقف هو أسقف دير سانت كاترين أو أي رئيس ديني آخر. ومن المرجح أن يكون رهبان سيناء قد طلبوا تأكيد الأمان والعهد من عمر بن العاص بعد أن اجتاز رفح أول حدود مصر الشرقية. ويبدو أن طائفة الأرمن في القدس يوجد لديها عهد آخر تزعم أنه لصحالها من قبل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وإن كنا نعتقد أنه وضع خصيصاً لحماية مصالح الطائفة.