في ظل المتغيرات وما بات يعرف ب «الموجة الهابطة» التي يرى كثيرون إنها هزت هيكل الأغنية العراقية خلال العقد الماضي، ثمة من لا يزال متمسكاً بنهج يعتبره أساساً في الحفاظ على تراث لطالما امتاز لونه بخصوصية، على رغم أن المسألة يجب ألا تُحصر بين طرفي نقيض على طريقة ابتذال في مقابل أصالة، إذ لطالما اتّسعت مروحة الفنون لتنوّع وتعدّد أغنى بكثير، وإن كانت الأغنية العراقية تعاني راهناً من ضيق تلك المروحة. والحال، إن التوقف عند تجارب من قبيل فرقة «أنغام التراث العراقي» يبدو ضرورياً، خصوصاً أن أعضاءها مطربون وعازفون تحدّوا فوارق السنّ في ما بينهم، وجمعتهم منذ ثلاثة أعوام رغبة واحدة: الحفاظ على التراث. وتراوح أعمار أعضاء الفرقة بين 25 و60 سنة، إلا أن المدرسة واحدة، تتمحور على تأدية الأغاني التراثية والريفية والمقام العراقي، فضلاً عن الأغاني العربية القديمة التي باتت تعتبر من كلاسيكيات الموسيقى العربية، إضافة إلى الأغاني السريانية والكردية، بهدف إرضاء أكبر فئة ممكنة من الجمهور المحب للطرب، والموجود في كل بقعة من العراق المتعدد. ولعل بروز الأحزاب والتيارات الدينية والجماعات المتشددة، عقب دخول القوات الأميركية العراق عام 2003، شكّل نكسة للكثير من الفنانين، وفي مقدمهم الموسيقيون، ما دفع بهم إلى البحث عن موطن ملائم خالٍ من القيود. وكان إقليم كردستان وجهة فرقة «أنغام التراث العراقي»، باعتباره النقطة الأقرب التي تتوافر فيها الشروط المطلوبة. ويعزو قائد الفرقة، المطرب علي بدر، فكرة تأسيس الفرقة إلى الوقوف في وجه «التراجع والتدهور الكبير» الذي تشهده الساحة الفنية، بل ويرى في ذلك «جريمة في حق الغناء العراقي»، تنفّذها قنوات تلفزيونية فضائية ساعية إلى تحقيق الربح، أي ربح، من دون مراعاة للأسس التي نشأ هذا الفن عليها. وتتألف الفرقة من سبعة أفراد: مطربان رئيسان، وخمسة عازفين على آلات القانون والكمان والناي (الكولة) والإيقاع، وأخيراً الخشبة والرق، وجميعهم موظفون حكوميون أيضاًَ، وبينهم من هو حاصل على شهادة أكاديمية تخصصية، وآخرون اكتسبوا خبرة طويلة من خلال العمل في الإذاعة والتلفزيون، إلى جانب خبرات اكتسبها الأعضاء من فرق سابقة، ولأنهم عاصروا مطربي «جيل السبعينات» كما يطلق عليهم. ويشدد الأعضاء في «أنغام التراث العراقي» على أنهم لا يتقيدون بارتداء ملابس معينة، كما يحصل في بعض الفرق المتخصصة، إذ لا يتعدّى الزي السترة والبنطلون، غير أن «السيدارة» (القبعة) هي التي تشكل الفارق الأبرز و «التوقيع التراثي» المميز في مثل هذه الأجواء. تحيي الفرقة منذ سنتين حفلات مسائية كل نهاية أسبوع في مدينة أربيل. وعلى رغم أن الغالبية السكانية من القومية الكردية، فإن هذا النمط من الغناء ما زال يحظى بشعبية واسعة، كما أن المدينة تشهد وجوداً لافتاً للعرب الوافدين من مدن عراقية ودول مجاورة. وتنشط الفرقة أيضاً في بغداد والمحافظات، وأقامت حفلتين في منطقة الأهواز الإيرانية، وأخرى في تركيا، وتستعد لحفلة في الإمارات، مع طموح للمشاركة في مهرجانات عالمية، وهو أمل يكلله العمل على تطوير الذات والتجربة.