هم خمسة من هواة موسيقى «الراب»، وزملاء أيضاً في الدراسة، راودتهم فكرة «عفوية» لتشكيل فرقة صغيرة أطلقوا عليها تسمية «أبطال المواهب» يكتشفون من خلالها هذا الفن، كما أنفسهم وأذواقهم وأفكارهم، في مجتمع يستعيد انفتاحه على العالم. وعلى رغم التحفظات التي تبديها الأجيال السابقة في إقليم كردستان العراقي، والتخوّف من أن تتسبب هذه الظاهرة الفنية الجديدة نسبياً في البلاد بإزعاج آذان متذوقي الموسيقى الشرقية التي يشكو محبوها من «تراجعها» وتأثرها بفنون غربية وغريبة عليها، لم يتردد شباب «الراب» في تجاوز المحظور، خصوصاً أن موضوع «النقاء الموسيقي» في أي ثقافة هو مسألة غير بسيطة، وليس محسوماً أنه مطلوب بهذه الطريقة. ناجي (22 سنة) أحد أعضاء الفرقة، يحمل الجنسية اللبنانية، ويقيم في إقليم كردستان منذ خمس سنوات. أقدم مع زملائه على تشكيل الفرقة قبل عامين، لتقدم أغاني «الراب» بلغات ثلاث هي الإنكليزية والعربية والكردية، فضلاً عن الرقص الذي يصاحب الغناء ويوصل الرسالة الغنائية، النقدية غالباً، من طريق الجسد أيضاً. وبهدف تطوير التجربة واستكشاف مساحات ومفاهيم فنية وتجريبية، ضمّت الفرقة أخيراً عازفين ومطربين جدداً، لكن هذه المرة لتقديم الطرب الشرقي باللغتين العربية والكردية. يقول ناجي ل «الحياة» إنه وفد إلى إقليم كردستان عام 2007 وتعلم اللهجة العراقية واللغة الكردية، أما بالنسبة إلى الإنكليزية فهو يتحدثها بطلاقة كما سائر أعضاء الفرقة. تتراوح أعمار أعضاء الفرقة، وعددهم 25، بين 12 و23 سنة. وعلى رغم يفاعة مغني «الراب» حول العالم باعتباره فناً شبابياً بامتياز ويحمل سمات الاحتجاج على السائد ونقد عالم «الكبار»، يبقى لافتاً أن بعضهم صغير جداً في السن، في مستهل المراهقة، ما يؤشر إلى أن سن التحليل وتكوين الرأي الشخصي وربما استيعاب المجتمع والعالم، باتت أدنى مما كان يُعتقد. أما انتماءاتهم الدينية والقومية فمتنوعة بتنوع المجتمع الكردي-العربي المختلط، ما يغني تجربتهم بالتعددية وتذليل الفوارق بين المواطنين في وقت واحد. وهم يركزون في أغانيهم على الفوارق الطبقية، إلى جانب الأغاني العاطفية التي تحكي عن الغربة. يقول ناجي: «لم نكن نتوقع أن تتسع الفرقة إلى هذا الحد، ويصبح عدد أعضائها 25 عضواً، خصوصاً عندما قدمنا عرضنا الأول في نهاية العام 2011 ومجاناً في الهواء الطلق». تلك الحفلة كانت الانطلاقة الحقيقية للفرقة، تلتها نجاحات كثيرة، إذ بدأ جمهور الشباب يتعرف إلى إنتاجها. ويؤكد ناجي أن «تنوع أغانينا دفع جهات ومؤسسات عدة إلى دعوتنا لتقديم عروض موسيقية في ضيافتها». والقيمون على الفرقة لا يسعون إلى تحقيق الأرباح، تؤكد ذلك الأجور التي يتلقونها لقاء حفلاتهم ويصفونها بأنها «رمزية». ويخضع كل عضو جديد، وفق قوانين الفرقة لاختبارات فنية تستمر أسبوعين، مع التركيز على «السلوك والالتزام والانضباط»، وذلك بعد أن يحصل المتقدم على موافقة أسرته، بغية مراعاة التزاماته الأسرية والعملية وأهمها الدراسية، فيما تتوزع جلسات التدريب وفق جدول أسبوعي يراعي الظروف الحياتية لكل عضو. وفتحت الفرقة باب الانضمام لغالبية المتقدمين، ومن بينها المواهب الغضّة أو المبتدئون، لأن الفكرة في الأساس، في رأيهم، هي استكشاف كل شخص لقدراته والحصول على فرصة لإظهارها، خصوصاً أن المؤسسات والفرق المكرّسة تفرض شروطاً صعبة على المواهب قبل استقبالها، وقلما تضمّ إليها أشخاصاً لم يصبحوا فنانين بعد لكنهم مشاريع فنانين. وهنا يلفت ناجي إلى أنه، وبسبب المناخ هذا في أوساط الفرق المحترفة، كانت واحدة من أبرز العقبات التي واجهت الفرقة في الفترة الأولى هي عدم توافر مكان خاص بها، لكن هذه المشكلة حلّت باحتضان إحدى المنظمات التي تعنى بالشباب للفرقة. والواقع أن صعاباً عدة تعترض طموحات هؤلاء الشباب، أبرزها ضعف الإمكانات المادية في ظل حاجة الفرقة إلى مزيد من الآلات الموسيقية، فضلاً عن صعوبة إيجاد عازفين تعلموا أصول الموسيقى بالطرق العلمية. ويأمل هؤلاء في أن يتمكنوا من ادخار أكبر مقدار ممكن من المال، من أجورهم الرمزية، لسد النقص في الآلات الموسيقية، والشروع في إنشاء فريق تمثيل «شقيق» للفرقة الموسيقية، إضافة إلى تنظيم دورات موسيقية علمية، وإقامة حفلات مجانية للطلاب.