يمثّل بروز ما يسمّى ب «أنصار الشريعة» في أكثر من دولة عربية، في حقبة الثورات الديموقراطية العربية، طوراً جديداً من أطوار السلفية الجهادية ورهاناتها الاستراتيجية، فبعدما بدت أيديولوجيا «القاعدة» (التي تقوم على فرضيات الدمج بين العدو القريب والبعيد، واختيار العمل المسلّح سبيلاً وحيداً للتغيير، والاعتماد على «عولمة الجهاد» لكسب الرأي العام) عاجزة عن الإجابة على أسئلة لحظة الثورات الديموقراطية وما أفرزته من نتائج لا تنسجم مع فرضياتها، قام منظرو وقياديو السلفية الجهادية في العالم العربي بإعادة هيكلة أولويات التيار ورهاناته وخياراته عبر ما يمكن أن نطلق عليه عملية «تكيف أيديولوجي»، للفلفة هذه الثغرات الكبيرة من جهة، ولإطلاق مرحلة جديدة تنسجم مع المعطيات الجديدة، من دون التخلّي عن «البنية الصلبة» لأيديولوجيا التيار، التي تقوم على مبدأ الحاكمية والإصرار على تطبيق الشريعة الإسلامية، ورفض اللعبة الديموقراطية، مع التراجع عن اعتبار العمل السلمي مرفوضاً أو عبثياً، إذ تمّت إعادة الاعتبار له، وإعادة الاهتمام كذلك في الشأن المحلي وموضوعة تحكيم الشريعة، ما يعني ضمنياً تراجعاً عن المرحلة الماضية (منذ النصف الثاني من تسعينات القرن). قراءة «جهادية» للثورات الديموقراطية! اعتبر محللون أنّ مقتل بن لادن بمثابة «إسدال الستار» على مرحلة «القاعدة» التي أتت انعكاساً لفشل الأنظمة العربية وسوء إدارتها خلال العقود الماضية، وأنّ المقتل الحقيقي للرجل والضربة القاصمة لقاعدته تمثّلت في الثورات الديموقراطية العربية التي قدمت خياراً استراتيجياً مختلفاً للشباب العربي ومغايراً للطريق التي تدعوهم إليها «القاعدة» لمواجهة الأنظمة العربية. إلّا أنّ أنصار السلفية الجهادية لهم رأي آخر، إذ نظروا إلى أنّ هذه الثورات خلّصت «القاعدة» من عدو شرس متربص بها، وهي الأنظمة العربية القائمة، وفتحت الطريق أمام الشعوب العربية لتكون أكثر حرية واستقلالاً وكرامةً، وتمتلك القدرة على المشاركة في اختيار حكوماتها، كما هي الحال في مصر وتونس، وهي أنظمة معادية بقوة وشراسة للقاعدة والحركات الإسلامية عموماً. من هذه الزوايا المتباينة والمتعددة في الرؤية يمكن الاقتراب من قراءة «القاعدة» لهذه الثورات وتداعياتها في المنطقة العربية، وهو ما يدعونا للوقوف أولاً عند خطاب قيادات نافذة ومؤثرة في القاعدة تجاه الثورات الديموقراطية، ثم استخلاص النتائج، على المستوى العالمي. في السياق العالمي، تبدو رسائل أيمن الظواهري، المنظر الأيديولوجي للقاعدة والرجل الأبرز حالياً فيها، حول الثورات، وتحديداً في مصر، من أهم «الوثائق» بهذا الخصوص، وتحديداً ما سمي ب «رسالة الأمل والبشرى لأهلنا في مصر» (ربيع الثاني 1432ه). وكذلك مقالة أبو يحيى الليبي، وهو المفتي الشرعي والفقهي للقاعدة، بعنوان «ثورات الشعوب بين التأثر والتأثير»، في العدد 18 من مجلة «طلائع خراسان» (ربيع الثاني 1432)، وهي المجلة الأكثر تأثيراً وحضوراً لدى تنظيم القاعدة، وتحمل المواقف الأكثر أهمية لقادتها، وأخيراً مقالة أنور العولقي، وهو من أبرز دعاة القاعدة، بعنوان «تسونامي التغيير» في مجلة «الإلهام» التي تصدرها قاعدة الجزيرة العربية باللغة الإنكليزية. يعتبر الظواهري، بمثابة المنظّر الأيديولوجي للقاعدة، وتناوله لموضوع الثورات على درجة من الأهمية والتأثير في مسار القاعدة وأفكارها، ويمكن أن يمثِّل ملامح الخطاب الجديد أو التغيرات في خطابها. في رسالته؛ يخصص الجزء الأكبر للشأن المصري ويسهب في نقاط رئيسة أبرزها: - اعتباره أنّ ما حدث من ثورات عربية هو جزء مكمّل للحرب التي تخوضها «القاعدة» في العراق وأفغانستان ضد الغرب والأنظمة المتحالفة معه، بهدف تحرير الأمة من الاستبداد والاحتلال: «أمتنا تخوض معركة واحدة ضد غزاة الحملة الصليبية ووكلائهم حكامنا الفاسدين المفسدين». - التحذير من الأجندة الأميركية والغربية، والتشكيك بجدوى دعمها الثورة المصرية، بل والتشديد على أنّهم لا يريدون إقامة حكم حرّ حقيقي في العالم العربي، يمثل نظاماً إسلامياً شوروياً، ويرفض احتلال أراضي المسلمين، ويواجه المطامع الإسرائيلية، بل يرى الظواهري أنّ كل ما تريده الولاياتالمتحدة هو «نظام يعطي الشعب بعض الحريات، ولا يهدد مصالحها، ولا يمس بأمن إسرائيل». - الجزء الأكثر أهمية في رسالته يبدو في تحذيره من «سرقة الثورة»، بعدم تحكيم الشريعة الإسلامية أو التلاعب بهوية مصر الإسلامية، وفي هذا السياق يطالب الإسلاميين والمصريين جميعاً بالدفع نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، وعدم القبول بالحكم الديموقراطي بديلاً عنها، موضّحاً الفوارق بين الشورى الإسلامية والديموقراطية الغربية. أمّا أبو يحيى الليبي، فهو أحد أبرز قادة القاعدة (قُتل في قصف جوي أميركي)، وتحديداً في مجال التنظير الفكري والفقهي، وتبدو مقالته «ثورات الشعوب بين التأثير والتأثر»، أكثر تحديداً ودقة من رسالة الظواهري، إذ يعرِّف فيها - بصورة حاسمة - لأنصار التيار في مختلف البقاع ما هو مطلوب منهم، وما هي أهدافهم، وما المحددات في تفاعلهم مع الثورات، حتى لا تؤثر سلباً في ولاء الأفراد للقاعدة، فكراً وتنظيماً. يقدّم الليبي باعتبار هذه الثورات «فرصةً سانحةً» يجب استثمارها، لكن مع عدم الاندفاع وراء «صيحات التغيير» من غير تثبت واستبصار. ويصوغ لذلك قاعدة رئيسة «المطلوب من المجاهدين أن يتقنوا الولوج للأحداث محافظين على جهادهم ومبادئهم، وأن يحذروا من تسلل شيء من (المفاهيم) المعوجة إليهم في غمرة الانشغال والانفعال مع التغيرات الكبرى المتسارعة المبهرة، وأن تكون مرتكزات مسيرتهم راسخةً في أذهانهم مصقولةً في تصوراتهم، وأن يكون همُّ المحافظة عليها وصيانتها وتدعيمها وزيادة ترسيخها فوق كل شيء». الوثيقة الثالثة هي مقالة أنور العولق (الذي قتل في العام الماضي بقصف جوي أميركي)، وهو الداعية الفكري وأحد أبرز قادة «القاعدة» في اليمن، ولديه قدرة خاصة في التأثير على الأنصار والأجيال المسلمة في الغرب، بل خصص لذلك مجلة ناطقة بالإنكليزية (إلهام)، وقد ساهمت حياته في الولاياتالمتحدة وتفاعله مع الأحداث هناك في صقل إمكانات متميزة لديه بالتأثير في الجاليات المسلمة، بخاصة من خلال شبكة الإنترنت، وكان له دور في تجنيد كل من نضال مالك (الذي قتل عدداً من الجنود في قاعدة عسكرية بتكساس 2010) وعمر فاروق (الذي حاول تفجير طائرة ديترويت) وغيرهم ممن تأثروا بأفكاره. في مقالته «تسونامي التغيير» (في العدد الخامس من مجلة «إلهام») يبدو العولقي أكثر «براغماتيةً» من صاحبيه السابقين، بل وأكثر اطلاعاً على القراءة الأميركية للثورات وتأثير «القاعدة» وتأثرها بها، مستشهداً بآراء وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، والخبير في شؤون الإرهاب بيتر بيرغن، والكاتب المعروف فريد زكريا. في انبثاق أنصار الشريعة في سياق هذه الخلاصات ولدت لحظة التحول إلى فكرة «أنصار الشريعة»، التي بدأت تنتشر في أكثر من دولة عربية وإسلامية، عبر الجماعات والتيارات المحسوبة على السلفية الجهادية و «القاعدة»، بداية في اليمن، ثم في المغرب العربي ومالي ومصر، وهنالك ميل في الأردن للذهاب في التوجه نفسه. فكرة «أنصار الشريعة» تعبّر بدرجة كبيرة عن تكيفات الفضاء السلفي الجهادي مع الثورات الديموقراطية العربية، فقد جاءت استجابة لمتغيرات بنيوية في البيئة المحيطة بالتيار، وهي استجابة للثورات الديموقراطية العربية، التي تخلّصت من الحكومات السابقة وجاءت بحكومات على أساس الانتخابات في أكثر من دولة عربية (مصر، اليمن، تونس) وزيادة مساحة الحرية والحدّ من القيود على الديموقراطية، كما في دول أخرى (المغرب والأردن...)، أو سيطرة «القاعدة» على بعض المناطق وتطبيق الشريعة فيها. الثورات الديموقراطية، بحد ذاتها، مثّلت تحديّاً لأيديولوجيا «القاعدة» وتيار السلفية الجهادية واستراتيجيتها من زوايا متعددة، فكما تحدثنا سابقاً وصلت أيديولوجيا «القاعدة» في الأعوام الأخيرة، إلى ثلاث فرضيات أساسية: الفرضية الأولى؛ أنّ طريق العمل المسلّح هو الوحيد القادر على إحداث التغيير في العالم العربي والإسلامي، بينما الديموقراطية أو العمل السلمي لن يأتي بنتائج، وهي فرضية سقطت مع نجاح الثورات السلمية في تونس ومصر. الفرضية الثانية؛ أنّ الهدف من التغيير هو إقامة الخلافة أو الدولة الإسلامية، وليس الديموقراطية. الفرضية الثالثة؛ الجمع بين العداء للولايات المتحدة الأميركية والأنظمة العربية (العدو القريب والعدو البعيد)، وهذا ما لم يظهر في الثورات العربية، إذ كان تركيز غالبية الشعوب على الشأن المحلي، والمطالبة بالديموقراطية ومكافحة الفساد والعدالة، بعيداً من شعارات العداء للغرب. كان لا بد، إذاً، من أن تحوّر السلفية الجهادية في خطابها السياسي، وأن تقفز إلى المرحلة الجديدة حتى لا تفقد الصلة بالتطورات المهمة، وكأنّها خسرت رهاناتها السياسية، فسعى خبراء السلفية الجهادية إلى تحويل الثورات من تحدٍّ إيديولوجي إلى «فرصة تاريخية» عبر التشديد على التكامل بين ما تطرحه «القاعدة» من مواجهة مع الأنظمة العربية المتحالفة مع الغرب وبين ما حققته الثورات من إزالة هذه النظم، وبالاستفادة من مناخ الحريات الجديد من أجل نشر الدعوة الجهادية والضغط باتجاه تطبيق الشريعة، وتحويل الرهان نحو مشاعر الناس الدينية. هذا «التحوير» أو التكيّف في خطاب القاعدة وتيارها الأيديولوجي «السلفية الجهادية» ورهاناتها السياسية تأطّر بصورة ذكية مع مشروع «أنصار الشريعة»، فالقاعدة لم تتخلَّ عن مطالبها بإقامة الشريعة الإسلامية وإقامة النظام الديموقراطي بدلاً من ذلك (كما فعل الإخوان المسلمون والإسلاميون الديمقراطيون)، ولا هي أعلنت التخلي عن العمل المسلّح (الجهاد) كأحد خيارات التغيير السياسي (مثلما فعلت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في مصر)، ولا هي قامت بتشكيل أحزاب ودخلت اللعبة الديموقراطية والسياسية وقبلت بصندوق الاقتراع (كما فعل السلفيون في مصر - أحزاب النور والأصالة والبناء والتنمية...). السلفية الجهادية من خلال أنصار الشريعة ردّت الاعتبار إلى الخيار المدني السلمي في التغيير، مع الاحتفاظ بركائزها الأيديولوجية: الحاكمية ومشروعية العمل المسلح (الجهاد)، في محاولة لاستثمار مناخات الحرية والديموقراطية الموجودة، عبر الضغط على الإسلاميين المشاركين في العملية السياسية للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وعبر الدعوة إلى الأفكار السلفية. إحدى مهمات «أنصار الشريعة» هي ممارسة أكبر مقدار من الضغط على الإسلاميين، الذين وصلوا إلى السلطة، وفق الآليات الديموقراطية، من خلال التشديد على وجوب «تطبيق الشريعة». هذا التطوّر في رؤية الجهاديين لا يحتاج إلى تأويلات مركّبة فقهياً وعقدياً في الخطاب الفكري للتيار، ولا في الأدبيات التي يتم التعامل بها مع أنصاره، فكل ما في الأمر هو تفعيل مبدأ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» عبر الكلمة، وعدم الاكتفاء باليد أو السلاح. الجغرافيا والأيديولوجيا ظهرت تسمية «أنصار الشريعة» ابتداء في اليمن في مرحلة مبكرة من بدء الانتفاضات في العالم العربي، وهي أحد «تجليّات» تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» الفرع الإقليمي الأقوى والأكثر نشاطاً بين الفروع الأخرى بل من التنظيم المركزي في باكستان منذ توحد الفرع اليمني والسعودي بداية 2009، ولا نعلم ما إذا كانت التسمية والاستراتيجية تمتّا بالتشاور مع التنظيم المركزي، إذ لم ترد في خطابات أسامة بن لادن ولا خليفته أيمن الظواهري، وظهرت عندما أعلن المسؤول الشرعي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عادل بن عبدالله بن ثابت العباب المكنى بالشيخ «أبو الزبير»، (12 نيسان/ أبريل 2011) عن تأسيس «أنصار الشريعة»، فنجده يقول «أطلقت هذه التسمية لتحبيب الناس بالشريعة في المناطق التي يسيطر عليها القاعدة»، وتعتمد على جذب القبائل والسكان المحليين في اليمن إلى أيديولوجية القاعدة أو التيار السلفي الجهادي عبر «تحويل تحكيم الشريعة من عمل نخبوي إلى عمل شعبوي». ثم ظهرت جماعة «أنصار الشريعة» في تونس، بعد إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي، ففي آذار (مارس) 2011، تم الإفراج عن مجموعة متنوعة من المساجين السياسيين وآخرين مدانين بتهم الإرهاب بعفو من الحكومة الانتقالية التونسية. وكان من بينهم سيف الله بن حسين المكنى أبو عياض التونسي، المشارك سابقاً في تأسيس «الجماعة التونسية المقاتلة في أفغانستان» والتي ساعدت على تسهيل اغتيال أحمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات 11 أيلول (سبتمبر). يلقب بشيخ الجهاديين في تونس، من مواليد عام 1970 وهو من تلاميذ السلفي الجهادي المعروف «أبو قتادة» الذي عاش في بريطانيا ثم سافر «للجهاد» في أفغانستان. في عام 2000 نُصّب أبو عياض أميراً على رأس «سرايا الدعوة والجهاد»، وهو هيكل مسلّح نظّمه مع مجموعة من العناصر السلفية التي كانت تعمل على إرساء نظام إسلامي في تونس. تنقل بين دول عدة، وبقي مطلوباً لسنوات من قبل حكومات عدة (تونس، بريطانيا، تركيا...) إلى أن ألقي القبض عليه في تركيا، ثم سلم إلى السلطات التونسية التي حكمت عليه بالسجن 43 عاماً. عقب إطلاق سراحه من السجن نظم أبو عياض ما يُعتبر الآن المؤتمر السنوي الذي أسس «أنصار الشريعة في تونس» في نيسان 2011 حيث زاد حضور المؤتمر من بضع مئات في 2011 ليصل إلى عشرة آلاف شخص في 2012 ما أكد تزايد شعبية التنظيم. شارك «أنصار الشريعة» في تونس في بعض التصرفات العدوانية على مدار عام ونصف، بما في ذلك «يوم الغضب»، الذي جاء عقب قرار قناة محلية بث فيلم «برسيبوليس»، كما تورط بعض أعضاء «أنصار الشريعة» في تونس في هجمات ضد مصالح أميركية وغربية. أصبح أبو عياض زعيم «أنصار الشريعة» في تونس العدو الأول للدولة بعد اتهامه بالتحريض على تظاهرات الجمعة أمام السفارة الأميركية في تونس والتي تحولت إلى أعمال شغب أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص وجرح العشرات وإحراق نحو 60 سيارة في حرم السفارة وإنزال العلم الأميركي ورفع علم الخلافة. وفي ليبيا، عقب سقوط نظام القذافي في ليبيا برزت جماعات سلفية عدة تستخدم اسم «أنصار الشريعة». وثمة اثنتان من أبرز الجماعات، وهما: «كتيبة أنصار الشريعة» في بنغازي التي يُنظر إليها على أنها المشتبه بها الرئيس في الهجوم الأخير على القنصلية الأميركية في بنغازي، التي أسفرت عن مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة ديبلوماسيين آخرين، وذلك عقب التظاهرات الغاضبة بعد عرض مقاطع من الفيلم المسيء للإسلام. «أنصار الشريعة» في ليبيا تنتهج الأساليب نفسها فهي تقدم خدمات اجتماعية، إذ قام أفرادها بتنظيف الطرق وإصلاحها وقدموا صدقات خلال شهر رمضان، وكانوا أخيراً يساعدون في توفير الأمن في مستشفى بنغازي. وعلى رغم أن الجماعة تقر بأنها هدمت الأضرحة والمقابر الصوفية في بنغازي إلا أنها حاولت أن تصوغ لنفسها توصيفاً محلياً بأنها مدافعة عن تفسير صارم للإسلام مع المساعدة في الوقت ذاته على توفير الاحتياجات الأساسية للمجتمع، وهي تشكل إحراجاً في المرحلة المقبلة عبر سياسات الضغط لتطبيق الشريعة. أبو المنذر الشنقيطي: المنظّر أحد أبرز منظّري أنصار الشريعة هو الموريتاني أبو المنذر الشنقيطي، عبر الموقع الالكتروني (منبر التوحيد والجهاد)، إذ كتب مقالة بعنوان «نحن أنصار الشريعة» (29-5-2012)، يقدّم فيها تبريراً لدعوته بتغيير اسم التيار نفسه من السلفية الجهادية إلى أنصار الشريعة، ونشر هذا الاسم ليصبح بمثابة العنوان العام الذي يضم أبناء التيار في العالم. ويرسم الشنقيطي في هذه المقالة معالم الدور السياسي الجديد للتيار في حقبة الثورات الديموقراطية العربية، وتتمثّل أركانه بالنقاط الآتية: اجتماع كلمة أهل التوحيد في إطار واحد حول هدف واحد ومشروع واحد، وإبراز القادة المؤهلين للصدارة من خلال هذا الإطار، والخروج من العمل العشوائي الذي يبعثر القوة ويبدد الطاقة، ومنافسة بعض الشيوخ من تجار الفضائيات، الذين برزوا في عهد الأنظمة السابقة، وعدم إخلاء الساحة لهم بعدما سقطت الأنظمة التي كانت تدعمهم ويدعمونها، ووجود قوة إسلامية تسعى الى تحكيم الشريعة بالوسائل الشرعية، وليس من طريق الديموقراطية، وكيان إسلامي شرعي منافس للأحزاب الإخوانية والسلفية؛ وإيجاد البدائل الشرعية من أجل صرف الناس عن «تجمعات المناهج المنحرفة»، وأن نتسمّى بالاسم الذي نريد ونتصف بالأوصاف التي تعبر عن حقيقة الأهداف السامية التي نسعى إليها. ويختتم الشنقيطي مقالته بالقول: «إذا كان هناك من جعل اسمه مرتبطاً ب «العدالة و«الحرية» و«التنمية» و«الإصلاح» و«النور»... فسوف نجعل اسمنا مرتبطاً بالشريعة... فنحن أنصار الشريعة». نقطة التحول الاستراتيجية في تصور الشنقيطي لأنصار الشريعة ومهمتها الأساسية تتمثّل في الانتقال بتيار السلفية الجهادية من العمل السرّي إلى العلني، ومن نطاق النخبوية إلى الجماهيرية، ومن العشوائية والهلامية إلى التنظيم الواضح الذي له عنوان معلن في الشارع وهو «تطبيق الشريعة الإسلامية». على رغم أنّ اسم أبو المنذر الشنقيطي لم يكن متداولاً أو معروفاً على الأقل لدى المتابعين والمهتمين بالحركات السلفية الجهادية، ولا نمتلك معرفة مفصّلة عنه، باستثناء ما نشر من مقالاته ومساجلاته مع الشيخ وجدي غنيم (الداعية المصري المعروف)، إلاّ أنّ نجمه صعد بسرعة كبيرة في المواقع الالكترونية التي تتبنى السلفية الجهادية (بصورة واضحة؛ منبر التوحيد والجهاد)، والمنتديات الجهادية، ويفتي باسم اللجنة الشرعية في «منبر التوحيد والجهاد». * محمد أبو رمان، باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية * حسن أبو هنية باحث أردني في شؤون الحركات السلفية