يواكب البحث عن قواسم مشتركة بين الفرقاء اللبنانيين حول قانون الانتخاب الكثير من المناورات من جهة والتحضيرات للتحالفات، لا سيما في المناطق والدوائر الانتخابية المختلطة بين المسلمين والمسيحيين من جهة ثانية. وهي تحضيرات تبقى ضمنية ومحاطة بالتكتم نظراً إلى أن كل فريق يخبئ أوراقه إلى حين الاتضاح النهائي لصورة قانون الانتخاب. إلا أن أوساطاً في اللجنة النيابية المكلفة التوصل إلى مخارج وقواسم مشتركة حول القانون تعتقد أن المنافسة بين فريقي الساحة المسيحية المتخاصمين على كسب الرأي العام في المناطق المسيحية وسعيهما إلى تحسين نوع القانون من أجل تحسين التمثيل المسيحي بعدما جرت تعبئة جمهور كل منهما ضد القانون الحالي (المعروف بقانون الستين أو قانون الدوحة) يجعلان من الصعب على أي منهما التراجع عن موقفه خشية اتهامه من الفريق المنافس بالتفريط بمصالح المسيحيين ومن انعكاس ذلك على طموحاته بالتفوق على خصمه انتخابياً. أي أن مسيحيي 14 آذار يصعب عليهم العودة عن مشروعهم القائل بالدوائر الخمسين على النظام الأكثري الذي يرون أنه يسمح بتصحيح التمثيل المسيحي، فيما يتمسك العماد ميشال عون بالنظام النسبي بالدوائر ال13 أو ال15 الذي يعتقد أنه يضمن له ول «حزب الله» الأكثرية النيابية مع حلفائهما. ومع أن كل الدلائل تشير إلى ما يشبه استحالة تمرير أي من المشروعين بسبب إصرار القوة المرجحة للأكثرية النيابية التي تسمح بتمرير أي منهما في البرلمان، أي «جبهة النضال الوطني» برئاسة النائب وليد جنبلاط، على اعتماد قانون الستين، فإن أياً من الفرقاء لم يعط إشارة بالاستعداد للقبول بهذا القانون على رغم أن هناك اعتقاداً ضمنياً بأن مسيحيي 14 آذار سيقبلون به في النهاية لأنهم يرددون ما يقوله رئيس الجمهورية ميشال سليمان والبطريرك الماروني بشارة الراعي وتيار «المستقبل» من أن الاستحقاق يجب أن يتم في موعده أياً كانت الظروف. ولا يبدو، بحسب مصادر نيابية، أن هناك إمكاناً لتعديل هذا القانون كما طرح في بعض الأوساط من أجل إرضاء مسيحيي 14 آذار، لأن فتح الباب على خيار كهذا قد يفتح الشهية على تعديلات لا تنتهي في عدد من الدوائر. وفي وقت يفترض أن يفتح هذا الاعتقاد المجال أمام البحث بالتحالفات، فإن الأوساط القريبة من جنبلاط ترى أن محاولة مسيحيي 14 آذار تصغير الدوائر وتقسيم الشوف وعاليه هدفها تجريده من القدرة على أن تكون لديه كتلة وازنة وحرمانه من أن يكون لديه مرشحون، وبالتالي نواب، من غير الطائفة الدرزية، وأن إصرار عون و «حزب الله» على النسبية هدفه تصغير حجمه عبر هذه الخطوة تحت شعار «الإصلاح الانتخابي». وتقول أوساط جنبلاط إن هذا ما دفعه إلى تكرار تصريحاته أخيراً بأن « فريقي 14 آذار و 8 آذار يعملان على تفصيل بدلة انتخابية كل على قياسه»، إضافة إلى ترداده مجدداً: «لن أقبل أن أكون ملحقاً بأحد»، وإشارته إلى «المحادل الانتخابية» (يقصد اللوائح التي يقودها حزب الله وتلك التي يقودها تيار المستقبل) وقوله أن لا بد من أن يكون هناك «خيار ثالث». ويقول بعض محيط جنبلاط في تفسير موقفه هذا إن طرحه هواجسه هذه من المحادل ورفضه أن يكون ملحقاً بأحد مرده إلى الاعتقاد لدى الأوساط الجنبلاطية بأنه إذا تعذر على طارحي المشاريع الانتخابية التي تسمح، إما عبر تصغير الدوائر أو عبر النسبية، ب «تشليحه» مقاعد نيابية، فإن الأطراف أصحاب هذه المشاريع سيسعون إلى «تشليحه» هذه المقاعد عبر مفاوضته عليها في تشكيل اللوائح عند اعتماد قانون الستين الذي يصر على اعتماده، ثمناً لمجاراتها إياه في القبول بإجراء الانتخابات على أساسه. إلا أن التدقيق بالخريطة النيابية يفضي إلى الاستنتاج أن المقصود هو قوى 14 آذار في هذا المجال أكثر منها قوى 8 آذار لأن النواب غير الدروز في الشوف وعاليه والبقاع الغربي هم من المعارضة والنواب الحلفاء له من غير الدروز في هذه الدوائر يساهم في إنجاحهم الناخبون الموالون لقوى 14 آذار (القوات اللبنانية والكتائب وسائر الجمهور المسيحي ال14 آذاري والمستقبل)، لكن الكتلة الناخبة الاساسية التي تدعمهم او ترجح كفتهم هي الكتلة الدرزية، فيما التقديرات تقول إن قوى 8 آذار قد تتجه إلى مراعاة خيارات جنبلاط في النواب غير الدروز إذا لم يتحالف مع الخصوم لأن ما يهم «حزب الله» هو ألا تكسب المعارضة الحالية الأكثرية بأي ثمن. التخلي عن نواب في المعارضة وعليه، فإن بعض المتتبعين لمواقف جنبلاط لا يستبعدون أن تؤدي ترجمة كلامه عن أنه لن يقبل أن يكون ملحقاً بأحد إلى التفكير بخوضه الانتخابات في لوائح مستقلة في عدد من الدوائر الأرجح أن تكون مكتملة في الشوف وعاليه من دون التحالف مع قوى 14 آذار، ما يعني التخلي عن النواب المنضوين في المعارضة لضمان كتلة نيابية مستقلة هي التي وصفها ب «الخيار الثالث». بل أن بعض الأوساط السياسية يسأل عن إمكان تخليه عن دعم ترشيح نائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان والنائب دوري شمعون رئيس «حزب الوطنيين الأحرار» والنائب محمد الحجار من كتلة «المستقبل» في دائرة الشوف واردة جداً. وتسأل هذه الأوساط: «ماذا لو لجأ جنبلاط أيضاً إلى استبدال مرشح آخر بصديقه النائب مروان حمادة، وخوض معركة انتخابية بلائحة كاملة من 8 مرشحين (درزيان وسنيان و3 موارنة وكاثوليكي)، بالاعتماد على جمهوره الانتخابي الموالي له في الدروز والمسيحيين (الجنبلاطيون تقليدياً) والسنة، بالاستقلال عن قوى 14 و8 آذار لأنه ينوي الحفاظ على موقعه المستقل عن الفريقين الكبيرين اللذين يشكلان قطبي الانقسام السياسي في البلد؟». وعليه لا يستبعد بعض هذه الأوساط أن يترجم جنبلاط مواقفه الأخيرة، إذا أخذ خيار خوض المعركة بلوائح مستقلة عن 8 و14 آذار، ليطبق منطق اللائحة الكاملة في دائرة عاليه فيستبعد منها النائب الكتائبي فادي الهبر والنائبين الحليفين فؤاد السعد وهنري حلو باعتبارهما غادرا كتلته النيابية حين أخذ خيار تأييد الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة في كانون الثاني (يناير) من عام 2011 ويستبدل بهما مرشحين آخرين وأن يمتنع عن ترك مقعد فارغ للأمير طلال أرسلان كما فعل عام 2009 بحيث يخوض المعركة بلائحة مكتملة من 5 مرشحين (درزيان ومارونيان وأرثوذوكسي). وإذا أخذ جنبلاط هذا المنحى في المعركة الانتخابية فإن هذا يعني استبدال دعمه للنائب الحالي في البقاع الغربي اللواء المتقاعد أنطوان سعد بدعم مرشح آخر لاعتباره أنه لم يماشيه في خياره الانفصال عن قوى 14 آذار في ما يخص اختيار رئيس الحكومة، هذا بالإضافة إلى إبقائه على مرشحه النائب وائل أبو فاعور. وتسأل هذه الأوساط هل أن هذا المنحى في التحالفات قد يفرض تخليه عن مقعد النائب غازي العريضي في بيروت إذا قرر خوض معركة مع تيار «المستقبل» في الشوف؟ وفي تقدير بعض الأوساط أن في استطاعة جنبلاط في هذه الحال أن يبادل الأصوات الدرزية في البقاع الغربي مع بعض قوى 8 آذار و «حزب الله» من أجل ضمان تأييدها لمرشحه في دائرة بعبدا النائب السابق أيمن شقير لتأمين نجاحه فينضم إلى كتلته إذا نجح في حصد مقاعد الشوف وعاليه، بحيث يضمن كتلة نيابية قد تكون من 14 أو 15 نائباً، أي أكثر من عددها في انتخابات 2009. إلا أن محيط جنبلاط يشير إلى أن هذه الأفكار قد تكون قيد التداول في هذه المرحلة، على رغم اتجاهه إلى خوض معركة مستقلة عن فريقي الصراع الأساسيين بهدف تكريس موقعه الوسطي المفترض. وفي اعتقاد مراقبين للخريطة الانتخابية أنه اذا قرر سلوك هذا الخيار فإنه يحتاج إلى دراسة معمقة تجيب عن بعض الأسئلة منها: هل يمكن خوض معركة مستقلة من هذا النوع إذا لم يحصل على أصوات من مسيحيي 8 آذار؟ هل أن جنبلاط قرر قطع الطريق على عودة التحالف بينه وبين زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري؟ وهل أن جنبلاط يتهيأ لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري وانعكاسات هذا السقوط على الساحة الداخلية اللبنانية باستباق انتعاش تيار «المستقبل» والوضع السني لترجيح عودته إلى السلطة، والتهيؤ للتشدد الذي سيمارسه «حزب الله» بالسعي إلى الاحتفاظ بالسلطة عبر أرجحية قوة سلاحه وسيطرته على الطائفة الشيعية وتحالفاته، بالعمل على اكتساب كتلة وازنة تحفظ له دوره المرجح في المرحلة الجديدة من الصراع الآتي في التركيبة اللبنانية والتي ستكون الانتخابات الرئاسية عام 2014 إحدى محطاتها التالية؟