تقف قيادات قوى 14 آذار في اجتماعها المرتقب فور عودة رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري من المملكة العربية السعودية أمام اختبار نيات للتأكد من مدى استعدادها للتضحية لضمان فوزها بأكثرية المقاعد النيابية في الانتخابات المقررة في 7 حزيران (يونيو) المقبل، وهذا يستدعي منها أن تتجاوز خلافاتها في شأن تركيب اللوائح في معظم الدوائر الانتخابية، وخصوصاً في جبل لبنان والبترون. ومع أن بعض القيادات في «14 آذار» تحاول التقليل من حدة الخلافات التي أخذت تتصاعد بين أطرافها مع استعداد الفرقاء الرئيسيين فيها للجلوس الى طاولة المفاوضات للتوافق على الخريطة الانتخابية، وتوزيع المرشحين على الدوائر الانتخابية، على رغم ادعاءاتها من حين لآخر أنها قادرة على الخروج بموقف موحد، فإن الواقع الانتخابي على الأرض يتعارض، وحتى اشعار آخر، مع قدرتها على حسم الموقف لمصلحة تأكيد تماسكها الانتخابي والسياسي في ضوء اشتداد طابع المنافسة على المرشحين الذي بدأ ينذر بتداعيات سلبية، لا سيما بين رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ولم يكن انتقال جعجع الى زحلة لتأكيد انسجامه في الموقف من خوض الانتخابات النيابية مع الجميل بمقدار ما أنه تزامن مع رغبة كل منهما في تظهير خلافهما أمام محازبيهما ومن خلالهم الى الرأي العام في عاصمة البقاع. كما أن من يراقب التحرك الانتخابي لعدد من الأطراف الرئيسيين في «14 آذار»، وخصوصاً الفريق المسيحي فيها لا يلحظ مدى استعدادهم لترجمة أقوالهم بوجوب التضحية بمرشحيهم لمصلحة المرشحين المستقلين المنتمين الى الأكثرية والذين في وسعهم كسب تأييد الناخبين، ناهيك بأن الجميل وجعجع يدخلان الآن في حرب الغاء متبادلة، إذ أن الأول يتطلع الى حصد أكبر عدد من المرشحين فيما الثاني يخطط لمنافسته في عدد من الدوائر الانتخابية في جبل لبنان وكأن المطلوب منهما في الوقت الحاضر التنافس على المرشحين بصرف النظر عن مدى قدرتهما على الفوز في المقاعد النيابية. لذلك فإن الارباك على جبهة قوى «14 آذار» لا يزال يتحكم بقواعد اللعبة الانتخابية، على الأقل في مجال الترشح، بصرف النظر عن توافق الأكثرية على برنامج سياسي موحّد لخوض الانتخابات. ومع أن النائب الحريري نجح أخيراً عبر تواصله مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط في اعادة الأمور الى نصابها في دائرة الشوف الانتخابية من خلال قرار الأول التضحية بمرشحه النائب السابق غطاس خوري على رغم أنه يتمتع بحضور انتخابي في هذه الدائرة لمصلحة تثبيت ترشح النائب جورج عدوان عن «القوات اللبنانية» والرئيس السابق لبلدية دير القمر رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون عن المقعدين المارونيين باعتبار أن المقعد الثالث محسوم للنائب ايلي عون، فإن الآخرين من القيادات المسيحية المنتمية الى «14 آذار» لا يزالون يصرون على المناورة من خلال الاكثار من مرشحيهم بذريعة أن ذلك يوفر الحماية لهم في دوائر جبل لبنان والدوائر الأخرى بما فيها تحسين شروط التفاوض. وفي هذا السياق علمت «الحياة» أن جنبلاط كان على وشك اتخاذ موقف سياسي مهم في الساعات المقبلة لا يتعلق بترشح خوري فحسب، وإنما لإحداث صدمة بين قادة «14 آذار» تدفعهم الى ركن خلافاتهم جانباً والتصرف بمسؤولية عالية لدى انصرافهم الى تأليف اللوائح وإلا سيكون له موقف من خوض المعركة. ولعل وحدة الموقف بين الحريري وجنبلاط أدت الى تفويت الفرصة على من يراهن على دخولهما في خلاف يصعب حله، وهذا ما عبر عنه مصدر في قيادة تيار «المستقبل» بتأكيده أن التحالف الاستراتيجي بين التيار والحزب التقدمي الاشتراكي مستمر وثابت، خصوصاً في الشوف حيث ستتم ترجمته في الانتخابات. وفي هذا السياق أملت مصادر في الأكثرية من الجميل وجعجع بأن يحذوا حذو الحريري وجنبلاط باتجاه تقديم تنازلات متبادلة لمصلحة الحفاظ على تماسك «14 آذار» في خوضها الانتخابات على لوائح موحدة في كل لبنان. وكشفت المصادر أن اللقاء الذي عقد أخيراً بين جنبلاط والجميل انتهى الى مطالبة الأخير بترشيح العضو في المكتب السياسي في حزب الكتائب فادي الهبر عن المقعد الأرثوذكسي في عاليه في مقابل ما يتردد من أن جعجع عازم على ترشيح القيادي في «القوات» جهاد متى عن المقعد نفسه، علماً أن المرشح لهذا المقعد هو النائب الحالي انطوان اندراوس المنتمي الى كتلة «المستقبل» النيابية. وقالت المصادر إن جنبلاط استمع الى العرض الذي تقدم به الجميل، لكنه أبلغه أن هذا الأمر يناقش مع النائب الحريري وأنه لا يسمح لنفسه بأن يمون عليه للتنازل عن هذا المقعد، مشيرة الى وجود تململ في داخل تيار «المستقبل» لا يزال طي الكتمان ويعود بالدرجة الأولى الى شعوره بأن بعض حلفائه يتنافسون على زيادة حصتهم في الترشح من كيسه بدلاً من أن يستعدوا لخوض الانتخابات ضد تكتل «التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون. وأكدت المصادر نفسها أن جنبلاط نصح الجميل بتأجيل طرح الموضوع الى حين عودة الحريري الى بيروت لتأمين عقد اجتماع مركزي لقيادات «14 آذار» علّه يسهم في انهاء الخلافات على الترشيحات. إلا أن الخلاف لا يقتصر على عاليه بعدما بادر النائب الحريري وجنبلاط الى تبديد التباين على الترشيحات في الشوف، وإنما لا يزال مستفحلاً في المتن الشمالي والبترون وكسروان وزحلة وربما في البقاع الغربي في ضوء ما يتردد من أن لدى «القوات» ميلاً لترشيح أحد قياديها عن هذه الدائرة البقاعية. وعليه فإن قيادات «14 آذار» تقف الآن، وقبل انعقاد اجتماعها المركزي، أمام مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة بغية التوصل الى موقف موحد من خريطة الترشيحات للانتخابات النيابية وهي تتساوى في هذا المجال مع المعارضة في ظل تسابق المرشحين على خوض الانتخابات ومبادرتهم الى كسب ود الناخبين الكبار فيها.