تدعو أوساط سياسية وأخرى مراقبة في لبنان الى رصد عدد من الظواهر المرافقة للحملة الانتخابية، والتي أخذت تنشأ إما بسبب المخاض العسير لعملية تشكيل اللوائح في عدد من الدوائر الحساسة، أو بسبب الظروف السياسية الضبابية على الصعيدين الإقليمي والدولي، المحيطة بالأوضاع السياسية اللبنانية والتي تنعكس في شكل او آخر على أداء القوى السياسية في العملية الانتخابية، وإدارتها، أو بفعل التقلبات السياسية لمواقف الفرقاء بالعلاقة مع أحداث السنوات الأربع الماضية الحبلى بالوقائع التي تؤشر الى تناقضات لا حصر لها في سلوك الفرقاء. وترى الأوساط المراقبة أن هذه العوامل كلها أنتجت ظواهر سياسية، لا بد من أن تنعكس في صندوقة الاقتراع في 7 حزيران (يونيو) المقبل، فتؤثر في النتائج في بعض الحالات. أو لا تؤثر فيها في بعض الدوائر، من دون أن يلغي ذلك أنها ظواهر سياسية لا بد من التوقف عندها، لأنها قد تتحكم بالأرقام وبالمرحلة السياسية التي ستلي الانتخابات النيابية. وترى هذه الأوساط السياسية والمراقبة أنه نتيجة هذه العوامل يجب ألا تفاجأ القوى السياسية المطمئنة الى أرجحية معينة في مناطقها ذات الثقل الطائفي أو المذهبي الغالب، إذا برزت في صناديق الاقتراع نسبة من الامتناع عن التصويت، أو نسبة من تشكيل اللوائح المختلطة وعدم الالتزام بلوائح «البوسطات والمحادل» وقيام شريحة من الناخبين بتشكيل لوائحهم الخاصة بهم من دون الالتزام باللوائح التي شكلها الزعماء. ويذهب بعض هذه الأوساط المتصلة بالأمزجة الشعبية الى حد عدم استبعاد لجوء ناخبين في مواقفهم الاعتراضية، الى صيغة الاقتراع بالورقة البيضاء في دوائر معينة. وتتعدد الأسباب التي ستنعكس في صندوقة الاقتراع وفق هوية كل فريق من النواحي المذهبية والسياسية والمناطقية: عون والمسيحيين فعلى الصعيد المسيحي تعتقد هذه الأوساط أن لا جدال حول انخفاض شعبية زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، لدى شريحة من الناخبين المسيحيين الذين يرون فيه زعيماً يمكنه أن يستعيد لهم دورهم في السلطة بعدما خيبت آمالهم سياسات القيادات المسيحية الأخرى على مدى العقود الثلاثة الماضية، التي يرمز اليها حالياً حزبا «الكتائب» و«القوات اللبنانية». وهي شريحة مستقلة أصلاً غير محازبة، أضيفت في عام 2005 الى الشريحة المؤمنة بصوابية خط عون مهما كانت مواقفه، فصنعت له الغالبية في الجمهور المسيحي. وتشكل الانتخابات وسيلة قياس انخفاض شعبية عون ضمن هذه الشريحة التي ظهرت جلية في الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي عام 2007 لملء المقعد الماروني الذي شغر باغتيال النائب الشهيد بيار أمين الجميل. وأسباب ارفضاض هذه الشريحة عن عون لا يحتاج الى شرح كبير، بدءاً بعدم انسجامها مع تحالفه و«حزب الله»، مروراً بسلوكه المعارض التعطيلي للوضع في البلاد على مدى سنة ونصف السنة، وموقفه من الاغتيالات، (في وقت كان جزء لا بأس به من هذه الشريحة وقف معه في وجه ما يسمى التحالف الرباعي بين «أمل» و«حزب الله» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي في انتخابات 2005)، وصولاً الى أحداث 7 أيار (مايو) 2008 الدموية، ثم زيارته سورية، الخ. وتتوقع الأوساط المراقبة لانعكاس كل ذلك في صندوق الاقتراع، أن تتعدد مظاهر انفكاك بعض الجمهور عن عون، لكنها تسارع الى التأكيد أن من خيّب عون آمالهم لن يؤيدوا بمعظمهم «الكتائب» و «القوات» بل سيتجهون الى دعم المرشحين المستقلين في قوى 14 آذار أو الوسطيين المستقلين عنها وعن 8 آذار وسيسعى جزء آخر الى تشكيل لوائح خاصة به فيختارون من يرونه مناسباً من لوائح عون ومن يفضلونه من المستقلين وفي 14 آذار. كما أن جزءاً من هذه الشريحة سيحجم على الأقل، إذا أيد مرشحين عونيين، عن تأييد حلفائه («حزب الله» في بعبدا و «القومي السوري الاجتماعي» في المتن الشمالي مثلاً. كما أن من سيؤيد اللائحة العونية أو بعضها، سيترجم رفضه لاختيار عون بعض المرشحين في أكثر من دائرة مثل بيروت الأولى وزحلة وجبيل وبعبدا وربما في جزين وهذا موقف لا يشمل فقط الشريحة المستقلة بل الشريحة العونية القريبة أيضاً. وتتوقف هذه الأوساط كثيراً أمام الكلام الذي بثته محطات تلفزة لرئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط انتقد فيه «الانعزالية المارونية» وحلفاءه المسيحيين، على أنه يساعد عون على استرجاع بعض مما فقده من أرجحية زعامته، خصوصاً أنه سعى للإفادة منه وسط الرأي العام المسيحي، مثلما أفادته تصريحات جنبلاط ضده عام 2005. وفي المقابل يرى بعض هذه الأوساط أن آثار كلام جنبلاط ستكون في الدرجة الأولى خسارة لجنبلاط، وأن عون رابح من هذه الخسارة، أكثر من استنفارها لجمهور عون المستنفر أصلاً ضد جنبلاط، لأن هذه الآثار تتفاعل وسط الجمهور المسيحي لقوى 14 آذار سلبياً ضده. هذا على رغم أن بعض الانطباعات يفيد بأن عون استفاد من الموقف الجنبلاطي أكثر مما استفاد في عام 2005. ويشهد الوضع المسيحي الذي ستحدد المنافسة بين قياداته الى حد كبير حصيلة الصناديق، تقلبات تشمل القوى المسيحية في الأكثرية التي أصابتها ارتباكات كثيرة أبرزها عزوف أحد رموز 14 آذار الوزير نسيب لحود عن خوض المعركة لفقدان الثقة بينه وبين «الكتائب» من جهة وبينه وبين النائب ميشال المر في تشكيل لائحة المتن الشمالي. ولا تستبعد هذه الأوساط أن يحجم جزء من الشريحة المترددة والمستقلة التي تضم مثقفين ومن الطبقة الوسطى، عن التصويت بفعل عزوف لحود، خصوصاً أن بعضاً ممن خذل لحود في عام 2005 من هذه الشريحة كان تهيأ للعودة الى التصويت له في 2009. وتدعو الأوساط المراقبة الى رصد مدى استمرار الضعضعة التي سببها التنافس في الترشيحات بين حزبي «الكتائب» و «القوات» في جمهور 14 آذار، نتيجة طموح كل منهما الى إثبات قدرته على استقطاب التراجع المفترض في شعبية عون. جنبلاط والدروز ويجري الحديث في أوساط متابعة عن تفاعلات الوضع السياسي وانعكاساته الانتخابية على الصعيد الدرزي بقوة، بحيث ترى أن التقلبات التي طرأت على موقف جنبلاط في الأشهر الأخيرة، وتحديداً بعد أحداث 7 أيار الماضي، تسببت بنوع من الضعضعة في الجمهور الدرزي الذي لجنبلاط الأرجحية الكاسحة فيه. وينجم ذلك على التغيير المفاجئ في الخطاب السياسي، بعد تعبئة عالية ومتوترة استمرت زهاء 4 سنوات من قبل جنبلاط لمؤيديه ضد سورية وإيران و «حزب الله» وقوى 8 آذار والخصوم ضمن الطائفة. فهاجس جنبلاط بوجوب إزالة آثار 7 أيار وخفض منسوب التوتر الشيعي - الدرزي دفعه الى خطوات سريعة بالمصالحة الدرزية ثم التنسيق الأمني مع «حزب الله»، مصحوبة بانفتاح سياسي تحت عنوان مواكبة التحولات الدولية - الإقليمية والانفتاح الأميركي على إيران والحوار مع سورية. لكن الجمهورين الدرزي والشيعي ليسا مهيئين بعد لهذا القدر من الانفتاح جراء تراكم التعبئة السابقة العالية المستوى. ويعتقد متابعون أن «فائض» التعبئة السابقة يقابله الآن «فائض» في تبديل الموقف، لا يلقى تجاوباً من «حزب الله» بالقدر نفسه ولا من الجمهور الجنبلاطي. وهذا سيُترجم في الانتخابات عدم حماسة لها في المناطق التي يتفوق فيها نفوذ الزعيم الدرزي، من دون أن يغير في النتائج ومنها في الشوف وعاليه، قد يشكل رسالة إليه حول عدم الارتياح الى القفزات التي تحصل، من دون أن تعدل هذه الرسالة بالنتائج المرجحة لمصلحته. بل ان البعض يقول إنه يجب عدم استغراب ظهور اوراق بيض في صناديق الاقتراع كمؤشر الى حال عدم الارتياح. ويضاف الى هذه التوقعات والاحتمالات تأثير رد الفعل المسيحي في مناطق أرجحية جنبلاط، وفي مناطق أخرى، في صندوق الاقتراع بسبب ما تضمنه الشريط المسجل حيال المسيحيين، إذ يلمس المراقبون وبعض المحيطين بمرشحين حلفاء لجنبلاط، اتجاهاً لدى جزء من جمهور 14 آذار المسيحي للتعبير عن امتعاضهم يوم الاقتراع حيال مرشحيه. ولا تغفل هذه الأوساط وجود قلق من ترجمة الامتعاض الذي نشأ لدى جزء من الجمهور السني، ازاء الانتقادات التي وجهها جنبلاط في شريط الفيديو لزعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري، في يوم الاقتراع، على رغم أن الشريط نفسه تضمن ثناء على الأخير. ويشير المتابعون الى ان المخاوف من انعكاس ذلك على موقف ناخبين سنّة من مرشحي جنبلاط بالتحالف مع «المستقبل» دفعت الحريري الى بذل جهد من أجل معالجة هذا الامتعاض الذي سمع نماذج منه أثناء لقاءاته الانتخابية. «حزب الله» أما على الصعيد الشيعي فإن الأوساط السياسية تدعو الى ترقب ظواهر عدة تبقى محدودة هي الأخرى ولا تؤثر بالنتائج، لكنه لها دلالات سياسية. فالامتعاض في مناطق جنوبية وبعض البقاع من سوء توزيع التعويضات للمتضررين من حرب تموز، واعطاء الأولوية للأنصار والمحازبين (واحياناً حتى إذا لم يكونوا من المتضررين) يتجلى إما بعدم الحماسة للاقتراع أو بالاصرار على عدم انتخاب لوائح التحالف الشيعي كاملة، بل بتشكيل لوائح خاصة بالمزاج الشعبي لا تلتزم قرار القيادة السياسية. وقد يزيد ضيق صدر قيادة الحزب من وجود مرشحين أقوياء في بعض المناطق والممارسات الضاغطة التي ترتكب ضدهم، ومن استبعاد بيوتات ورموز، امتعاض شريحة من الناخبين الشيعة، عبر انحيازهم الى هؤلاء من باب التعاطف مع الضحية، مقابل السيطرة الأمنية للحزب وحركة «أمل» في بعض المناطق. كما أن اختيار الحزب لمرشحين على حساب آخرين يشكل عاملاً مساعداً. وإذا كانت حالات الامتعاض هذه تجيء نتيجة تراكمات، فإن مستجدات المعركة الانتخابية، بدءاً بإصرار العماد عون على حصة أكبر في المرشحين المسيحيين والخلاف على جزين مع بري، وعلى مرشح شيعي في بعبدا مروراً باضطرار «حزب الله» الى سحب مرشحه للمقعد التوافقي في اتفاق الدوحة في دائرة بيروت الثانية وانتهاء بمراعاته في المقعد الشيعي بجبيل، خلقت مناخاً ينقصه الكثير من الحماسة عند ناخبين شيعة ليسوا بقلة، ازاء الحليف المسيحي الرئيسي. وتفيد التوقعات في هذا المجال أن قيادة الحزب ستضطر الى بذل جهد مع شريحة ممتعضة من ناخبيها كي تلتزم التصويت لمرشحي عون، مخافة أن يؤثر ذلك في النتائج، في جزين وفي جبيل وفي بعبدا، على رغم أن القدرة التجييرية للعماد عون لمصلحة مرشحي الحزب الحلفاء له، في الوسط المسيحي، هي أقل من قدرة الحزب لمصلحة مرشحي عون.